p style=\"text-align: justify;\"أخرجت \"سارة\" فستان زفافها من حقيبة ملقاة بإهمال تحت السرير، لم تلق بالا للونه الذي لم يعد زاهيا؛ فقد أرادت أن تشعر بكونها عروس فقط، ولن يحقق لها هذا سوى بارتداء فستان يظهر أنوثتها.. في السابق ألقت نظرة على خزانة ملابسها المليئة بفساتين السهرة، ولكنها لم تجد مبتغاها؛ فهي تريده أن يكون واسعاً مليئاً بالطبقات كزهرة الملفوف الغنية بالأوراق.. p style=\"text-align: justify;\"تريده أن يكون عاري الصدر لتذكرها مفاتنها بأنها مازالت أنثى، فلم تجد سوى هذا الفستان الذي ارتدته منذ سنوات عديدة كأي عروس يوم عرسها.. جال بخاطرها بارقة ذكرى ليوم ارتدائها الأول له، لم تكن سعيدة سعادة العروس يوم زفافها، فلم تشعر \"سارة\" بفرحة عريسها بها حتى تسعد؛ فقد أراد أن يتزوجها ليكيد طليقته ليس إلا، ولم تكن تعلم شيئا عن هذا سوى قبل الزفاف بأيام، فعزمت أن تنسيه إياها، وقبلت أن تخوض معركة مع قلبه.. ولكنه لم يمنحها الفرصة.. فبعد تحقيق مراده المنشود طلقها سريعا بلا أسباب، أو مقدمات.. أعاد هذا شريط حياتها كاملا فهي دوما تعاني من العلاقات من طرف واحد.. فها هو حبها الأول ونكستها الكبرى \"أبوها\" حب عمرها كما تدعي؛ لم يبادلها هذا الشعور القوي بل كان أداة نقد دائمة لا تنتهي.. كم تمنت أن يكون لها صلاحية أن تتدفأ بحضنه من غدر الزمان ومكره بها، وأن يشعرها أنها ابنة قلبه المتفردة.. لكنه لم يكن سوى أب تقليدي جل اهتمامه أن يوفر لها حياة كريمة، وكان المال في عرفه وسيلة الأمان الوحيدة.. حينما دخلت \"سارة\"الجامعة ارتبطت عاطفيا بزميل لها يشبه أباها في كل شيء؛ ولعل هذا سبب تعلقها به، ولكنه لم يبادلها المشاعر؛ فقد كانت بالنسبة له صديقة مخلصة فقط.. كان قلبها يتحطم تدريجيا نتيجة إهمال من تحبهم من الجنس الآخر .. حتى من تزوجها برغبته الحرة لم يكن لها سوى تجربة من طرف واحد.. بعد الطلاق تمنت أن يحتضنها والدها ، أن يشعر بكسرها ، وأن يداوي جرحها بحنانه، أن يعيد لها ثقتها بنفسها، ولكنه كالعادة رمى مسئولية الطلاق عليها وحدها.. كم شعرت بافتقاده وهو يقطن في غرفته المجاورة لغرفتها، وكم بعدت المسافة بينهما رغم تلاصق الجدران.. لم يعلم قط بأنه حبها المفقود الذي هامت في الأرض تبحث عنه بلا جدوى.. كانت على شفا جرف هار من التعثر فيمن يستغل وهنها الداخلي، وهشاشتها النفسية ليبث كلامه المغموس بسموم الحنان الزائف، والاهتمام الخادع لينهش منها ما يستطيع، ولكن رحمة الله وحدها تجلت لها وأفلتتها منه، ولكن هذا قد نهل من قلبها ونفسها البقية القليلة فانهارت داخليا في صمت. وفي أحد الأيام قررت أن تلبي نداءً خفيا بأن \"أحبي نفسك فهي تستحق\" بعدما كانت قد حكمت على نفسها بالموت البطيء من خلال العزلة، وارتداء زي الراهبات، والتنزه عن الدنيا، وتحويل غرفتها لصومعة عبادة.. أفاقت من شرودها، وبدلت ملابسها، وزينت جسدها، وعطرته، ووضعت تاجاً على شعرها المنسدل كالليل الحالك يغطي ظهرها.. وخرجت من غرفتها الضيقة إلى الصالة الواسعة؛ لتسعد بفستانها ولترى نفسها أوضح في المرآة الكبيرة التي تتوسط الردهة. لأول مرة كانت ترى نفسها جميلة؛ فجسدها ناصع البياض، وخصرها نحيل، وكعب الصندل الرفيع يضفي عليها طولا إضافيا، والتاج يزين جبهتها كملكة لا ينقصها سوى من يقول لها أنها \"أنثى فاتنة\". فيوجد فرق بين أن تكون على علم بأنها تجيد الطهي ولكن من يتناولونه لا يبدون رأيهم وبين أن يقول لها أحدهم \"تسلم إيدك\". فالثانية لا غنى لأنثى عنها فهي تضفي سعادة، وثقة في النفس زيادة، ورغبة في الطهي مجددا. أثناء شرودها ،دلف والدها من باب الشقة ليجد عروساً في انتظاره، ولأول وهلة لم يستوعب أنها ابنته، ولكنه تغلب على دهشته سريعا إثر رؤية ارتباكة ابنته؛ فهي أيضا تفاجأت به، ولم تدرِ أي التصرف الأمثل الذي عليها فعله دون التعرض للوم والنقد. لم يكن منه سوى أن اقترب منها متأملا في ملامحها البريئة، ورعشة شفتيها التي تحاول إخفاءها، ونظرة عينيها المرتبكة التي لاتدري إلى أين تنظر؛ فقد كانت تنظر تجاهه، ثم إلى أسفل، ثم تعيد النظر إليه مجددا، ثم تزيح نظرها عنه، وهكذا.. إلى أن حسمت الموقف وقالت\" سأذهب لتحضير العشاء\" وهمت بالانصراف ولكنه ناداها فاتحا ذراعيه لاستقبالها قائلا\" تعالي في حضن بابا\". حاولت أن تتمالك دموعها إثر المفاجأة والكلمة التي أصابت قلبها في مقتل.. فاقترب منها، وأحاطها بذراعيه، ثم ضمها إليه باشتياق جارف، فانفجرت بالبكاء الحاد الصامت أولا ثم الشاهق بعد ذلك، ثم سكنت كالطفل النائم الذي وجد حضن أمه. ظلا على هذا الوضع وكأنهما يعوضان جفاف السنين، ولكنه لم يعلم بأنه حقق لها جل أمانيها أن تموت في حضن أبيها مرتدية فستان زفافها.