: مقولة شهيرة نستخدمها في إشارة للعاطفة وكيف أن المحب يذوب عشقاً في محبوبه.. (ومن الحب ما قتل).. هكذا يقول الأصمعي في وصفه لمن أضناه الحب والشغف.. وقد كان الحب منتشراً بين الناس.. ولو أن المحب قد يموت لأجل محبوبه. ترى ما الذي استدعى الى ذاكرتي هذه العبارة المقولة؟ بل إن ما أصبح يقع على ساحة السمع والبصر بما يبتعد بنا عن أجواء العاطفة ورقتها ما جعل المفارقة أو المقارنة حاضرة في الأذهان.. ونحن نعيش زمن القهر والعذاب. أما علاقة البشر بين بعضهم بعضاً فقد ساهمت اللغة الرقمية فيها وهي تدخل الى حياتنا.. وعوالم تسليتنا وقد اخترعوا لها ألعاباً الكترونية تكاد تكون مبهرة لكنها لا تعرف من قاموس الحب شيئاً وليس الهدف منها ربما إلا بما هو عكس الحب. هي ألعاب لها سيناريوهات كما في أي عمل بصري يتم تنفيذه، أما قصصها فهي بيت القصيد.. إذ تعتمد عموماً مبدأ القوة للفوز سواء أكانت قوة جسدية، أم فكرية.. فالقوة الجسدية تسمح بهزيمة الخصم تماماً كحدة الذكاء التي تتيح المناورة، ووضع الخطط للإيقاع بالآخر بواسطة العنف، أو السيطرة عليه بفعل القوة بدل التحاور معه عن طريق العقل، وبما تفرضه القيم عموماً. أما التنافس الإيجابي للوصول الى هدف إيجابي فهو ليس الهدف المرجو من مثل هذه الألعاب، إنما هي سبل الفوز ولو من خلال العنف، والقتل، والتدمير.. والمهم أن يصل اللاعب الى نهاية اللعبة وهو منتصر. عوالم افتراضية من خلال ألعاب تكاد تكون سحرية يدخل إليها الفرد ليصبح جزءاً منها، فإذا بها تحركه كدمية قبل أن يحركها هو، أو يتحرك في فضائها، وهي تبث أفكاراً، ورؤى معينة أراد لها صانعوها أن تظهر على ساحة الوعي لمستخدمي هذه الألعاب. فعندما تتحرك الأشياء كما الشخوص في فضاء اللعبة في محاكاة الكترونية يخال المرء نفسه في عالم آخر يقع في قبضته، وتحت سيطرته، وهو السيد المطلق في خياراته التي وضعها مصممو اللعبة، ولو كانت تلك الخيارات تتجاوز حدود القيم المتعارف عليها والأخلاق.. والتسلية الغامرة تبرر كل ما يُقترف في فضاء الافتراض. بل إنه سوف يأتي يوم يفضّل فيه الأشخاص العيش في كنف العالم الافتراضي بدلاً من العالم الحقيقي.. هذا ما يؤكده من يقوم على صناعة الألعاب الالكترونية. انفصال عن الواقع، أو حالة من الانفصام على المستوى النفسي قد تستولي على هؤلاء الأشخاص ما يستدعي بدوره ضرورة العلاج لانتزاع المدمنين من عالم المحاكاة، والعودة بهم الى الحياة اليومية العادية والحقيقية. أما الولع والتعلق بهذه الألعاب فهذا ما يجب أن نلتفت إليه جميعاً فمن بين ثلاثين ألفاً من هذه الألعاب الالكترونية تم رصد اثنين وعشرين ألفاً منها تعتمد اعتماداً مباشراً على فكرة الجريمة، والقتل، والدماء، وممارسة أشد أنواع العنف تطرفاً وانحرافاً.. وهو أمر مرعب فعلاً. والقائمون على صناعة الألعاب الالكترونية يعدون بالمزيد. كل هذا يقع خارج دائرة استلاب الشعوب، وخاصة الشعوب العربية في محو هويتها مع ذاكرتها الثقافية لتحل محلها قيم ليست منا. مما لاشك فيه أن انهيارنا كشعوب وما يتبعه من تدمير لقيمنا مع ثقافتنا هو ما يتطلع إليه عدونا في المقام الأول، ومثل هذه الألعاب هي عنوان أو مفتاح.. ونحن مع أطفالنا لسنا بمنأى عن مثل هذه الألعاب.. وأطفالنا يقبلون عليها بينما أطفال الطائفة اليهودية لا يقتربون منها مطلقاً، ليس لأنهم لا يحبونها بل لأنه غير مسموح لهم بذلك، لا بل إنه ممنوع الى درجة التحريم، فأولئك الأطفال يصرفون أوقات لهوهم وفراغهم في اتجاهات أخرى بعيدة عن التأثيرات الخارجية، وتشجع على الابداع والابتكار كالموسيقى، أو الرسم، أو المطالعة، أو غيرها، وبما هو ليس تزجية للوقت فقط وإنما ما فيه الفائدة أولاً الى جانب المتعة والتسلية ثانياً، وتحت رقابة الأهل، والصارمة منها ربما. واذا كنا لا نستطيع العودة بعجلة الزمن الى الوراء لنطرح من جديد ألعاب عقود مضت مستبدلين بها تلك الحديثة والأحدث، والتي أصبحت بدورها حقيقة لا يمكن حذفها، أو إلغاؤها، فلا أقل إذن من تطبيق عملية الاصطفاء والانتقاء لها. ألا يحق لنا أن نتساءل عما تفعله الألعاب الالكترونية بعقولنا وعقول صغارنا؟ وطالما أن من يقومون بتصميم هذه الألعاب يستعينون بخبراء نفسيين، وعلماء سلوك، الى جانب الفنانين المبدعين، والكتّاب المتمرسين بصناعة فن الدراما فلاشك أن التأثير سيكون كبيراً إن لم نقل صادماً ومُصادراً للمتلقي في أغلب الأحيان.. ومن هنا تأتي الخطورة وبالنسبة للأطفال خاصة في التأثير والتأثر. أما التجربة التي يكتسبها الصغار من ممارسة الألعاب فهي التي يسربها واحدهم الى الآخر لتتراكم تصاعداً، وتترجمها حماستهم المتزايدة الى المزيد من اللهو الالكتروني. إن كل ما يتعلق بالطفولة يضع علامات على الطريق.. وما يهمنا هو ألا تختلط الخطوات للأقدام الصغيرة فوق هذه الطريق مادامت الرؤية واضحة أمامنا. ولو أنني ذهبت بخيالي بعيداً لتصورت أو تمنيت أن نستبدل الألعاب القاتلة بأخرى نصنعها نحن لتحكي قصص تراثنا ولتنشر قيمنا.. قيم الحق، والخير، والجمال.