أُشفق تماما على الدكتور( محمود أبو النصر) في محاولاته لتعديل قانون التعليم (139) الصادر في 9 أغسطس 1980م، ليس لأن القانون جرى ترقيعه بمحاولات يُفترض أنها اصلاحية، وإنما أيضا لغياب المنظومات التي يمكنها أن تقدم الدعم لوزارة التربية والتعليم، سواء كانت هذه المنظومات حكومية أو مجتمعية، فأولا: نحن لا نملك مراكز أبحاث قوية سواء أهلية أو حكومية، تُمكِّن من الوقوف على حقيقة الوضع التعليمي، ولا نملك مراكز لرصد (الرأي العام المصري) تجاه هذه القضية، فالطريف أننا نُقِّر جميعا بأن الوضع التعليمي سيء، لكن بأي منظور؟ بالنسبة للمواطن البسيط هو سيء لأنه لا يوفر للمتعلم فرصة عمل بعد تعلمه، فالمواطن لا يريد من التعليم أكثر من [الوظيفة]، بالنسبة لكليات التربية والجامعات الأكاديمية في مصر هو سيء لأنه لا يفي باشتراطات نظريات التعليم [الغربية] وطرق التدريس [الوهمية] التي تعيش انفصالا أكاديميا واضحا عن واقع التعلم، بالنسبة لهيئة الجودة هو سيء لأنه لا يفي بمتطلبات التعلم القائم على المعايير، رغم أن الدول التي تم استيراد هذه المعايير منها قد تجاوزت ذلك لمفهوم جديد اسمه: التعليم القائم على النتائج، ومن ثم فإن أي فرد يرغب في أن يطور القانون عليه أن يعرف إلى أي اتجاه بالضبط يرغب في أن يطوره: هل يريد أن يكون التعليم موفرا لفرص عمل لأصحابه؟ أم أن تكون المدرسة مكانا لتنفيذ (نظريات التعلم)؟ أم مستوفية (لاشتراطات هيئة الجودة من أمن وسلامة وقدرة مؤسسة وفاعلية تعليمية)؟ وأين مصلحة مصر وأمل مستقبلها في ذلك؟ هنا اعتقد أننا بحاجة لوقفة جادة مع النفس، في اعتقادي قوانين التعليم ليست هي من النوع الذي يصلح لأن يُطرح لحوار مجتمعي، فهي قوانين (تكنوقراطية) بحتة، يجدر تعديلها بناء على معطيات واضحة، وفي اعتقادي أيضا أنه لا يجدر أن تكون قوانين التعليم وفقا لرؤية المجتمع، وإنما يجدر العكس، العمل على تغيير رؤية المجتمع وفقا لما تقتضيه مصلحة العملية التعليمية، فمثلا التعليم الياباني لا يلقي بالا على الاطلاق للنقد الاجتماعي الموجه لاختبارات القبول في الجامعات، وهي من أقصى الاختبارات في العالم، إذن هل نريد للتعليم أن يكون القاطرة التي تشد مصر للمستقبل؟ أم أن يكون صاحب القبول والرضى الشعبي والذي يراعي أمنيات ورغبات ولي الأمر والإعلام وأصحاب المدارس الخاصة وأصحاب المطابع؟ إذن بداية العمل الوقوف على الأزمة التعليمية بمعناها الصحيح، وهنا استرجع التجربة الأمريكية الشهيرة (أمة في خطر)1983م عندما أرادات أمريكا الوقوف على وضع العملية التعليمية، قارنت مقومات الطالب المعرفية والمهارية بدول أخرى، إذن فلتكن نقطة انطلاقنا هي محتوى المهارات الأكاديمية والمعرفية والسلوكية لدى الطالب المصري، ومن ثم فالخطوة الأولى هي التوافق على (اختبار) نُقيِّم من خلاله الطالب في مختلف الأماكن التعليمية، ففي امريكا استعانوا باختبار (سات) والذي جرى تطويره منذ 1901 إلى 2005م، نحن بحاجة لصياغة اختبار وطني يُقيِّم المتعلم المصري تقييما فعليا للوقوف على مستواه - وربما عليا أن أحذر من مجموعة من الاختبارات موجودة الان فعلا تم عملها من قبل بعض الجهات المانحة – هذه لن تفي بالمراد فهي ليست وطنية! ثم نقوم بتطبيق هذا الاختبار على مستوى الجمهورية لنعرف نوعية القصور والخلل الذي نتعامل معه بالضبط، أنا لن اقول أننا نجد خريجي تعليم اساسي لا يُتقن مهارات القراءة والكتابة، لكنني أقول أننا نجد متعلمين يدرسون اللغة الانجليزية مثلا منذ رياض الأطفال ويتخرجون في أقسام اللغة الانجليزية في الجامعات ولا يستطيعون التحاور لمدة 10 دقائق مع رجل أجنبي، أو أن يترجموا صفحة انجليزية من أي كتاب حتى لو كان معهم أفضل القواميس! الأمر ليس مجرد كلمات انشائية عن أمنيات لمستوى الطلاب، وإنما احصاءات دقيقة، ومعادلات تربوية نحتاج لأن نصوغ منها معادلاتنا الخاصة بنا، لا أن نكون تابعين لأية منظومة أخرى قد تختلف شروطها وظروفها، وأظن أن الأبحاث التي على الرف في الجامعات المصرية لباحثين أغلبهم من خارج الجامعة – بل اغلبهم ممن يعملون في التربية والتعليم نفسها – لو تم التنقيب فيها لوجدنا إجابات وافية عن العديد مما أطرحه واتحدث عنه هنا. نحن بحاجة إذن للاعتراف الكامل بأن واقع مدارسنا سيء، وبنيتها متهالكة، والمعجزة ليست في التظاهر بأنها جيدة وأننا نسعى لتطوير التعليم، أو الحديث عن عمل بالتوازي مع اصلاحات بالتوالي مع ادخال أحدث تكنولوجيا– رغم ضرورية هذه الاجراءات لكنها لن تكون كافية، فالمعجزة الحقيقية أن نعترف تماما بنقص أدواتنا وأن نطالب الجميع : شعبا وطلابا ومعلمين وحكومة أن يحاولوا أن يُخرجوا من هذه الإمكانات القليلة أفضل أداء ممكن، نحن بحاجة لتغيير المنظور القومي لدى المواطنين للتعليم، لننظر له باعتباره أمل مصر ومستقبلها، وإنني لاستحضر الافتتاحية التي وردت في التقرير الأمريكي السابق والذي كان مفتاحا للتغير الهائل في أمريكا، إذ قال (جيمس جيه هارفي) في الصفحات الافتتاحية: \\\"لقد تآكلت الأسس التعليمية الحالية في مجتمعنا عن طريق الموجة المتصاعدة من الوسطية التي تُهدد مستقبلنا بصورة كبيرة كأمة وشعب وحكومة\\\"، \\\"وإذا حاولت قوة أجنبية معادية أن تفرض على أمريكا أداءً تعليميًّا متوسطًا مثلما هو موجود اليوم، فينظر إليها على أنها حرب\\\" إنها حرب يا أهل مصر المحروسة، حرب أن تكون مصر أو لا تكون، وهي حرب لا تحتمل التأجيل أو التأخير، حرب سلاحها المصارحة وسلاحها وضع الجميع أمام مسئولياته، لقد تم إرهاق المعلم المصري بقوانين الكادر وباشتراطات ظاهرها فيه رحمه ، وباطنها به العذاب، وقام البعض أيضا من المعلمين بإرهاق المجتمع بدروس خصوصية لا تعرف الرحمة، وفرغت التعليم من المهارة للتلقين، وتحول منظور الاعلام لشيء واحد فقط: (الدروس الخصوصية)، ليختفي تماما عن الساحة مناقشة البنية المعرفية والسلوكية للطلاب، لم تعد تهم أحد، وإني لمشفق على مستقبل الوطن في ظل ما أراه من استغلال سياسي للأطفال عند بعض الفصائل في مراحل التعلم الوسيط، فماذا سوف يفعل هؤلاء عندما يصبحون كبارا؟ كيف نعيد للتعليم أهميته وقيمته لدى الشعب أولا؟ وكيف نلفت نظر الإعلام لهذا السؤال الأهم: المهارات التعليمية والسلوكية للطالب؟ وكيف يمكن تخفيف عبء الوزارة من كيانات أثقلت كاهلها دون مردود - من وجهة نظري - يعادل ما يتم انفاقه عليها كالأكاديمية المهنية للتعليم، وإدارات التدريب، وأقسام المتابعة، وأقسام التفتيش وزيارات تقييم الأداء، ومأموريات مجالس الأمناء، وغيرها من الكيانات التي أتمنى أن تكون البداية لمعرفة وتقييم أدائها (اختبار وطني) متفق عليه من أغلب الاكاديميات التربوية يحدد ويقيم وينطبق على أرض الواقع يكون محكا ومرجعا للوقوف على أماكن الخلل بشكل اجراءي وليس بلاغي، هل آن الأوان أن نعيد للتعليم حلاوته ورونقه وقدرته على تشكيل وجدان وقلب وعقل المتعلم، ليصبح من جديد كامل الدسم؟