بقلم: الناقد أسعد أبو الوفا أحمد دراسة نقدية لقصيدة رحل الخليل للشاعرة المغربية إحسان السباعى ملتقى منقباد الأدبي للناقد /أسعد أبو الوفا أحمد *أولا النص : قصيدة: رحل الخليل : رحل الخليل ، وما صغى لندائي وأصاب قلبى منذرا بفنائي متأجج النيران يلسع لَهفتي فى شر طيش الريح، في أجوائي هو ذاك يكوي بى حشاي ويبتغي بمرارتي وجعا يزيد عنائي وتطالني أشقى الشكوك بطعنه وتدور بي بدروبها الشمطاء أنت الذي أغرى الجمال مبينا شيم الجمال وهيبة الكبراء فتمايل الزهر الجميل لقربه ورأته عينى أشرس الأعداء فرشقتها بالسهم ؛ تعلن هجمة ترمى لِموتى ، أو ترى إقصائى تقضى على عمري النبيل بفعلة نكراء في همجية الظلماء يا أنت ، خنت العهد بعد تفضلى، وشنقت مكرمتِى جحدت عطائي ورشقتها رشقا، تحارب نبلها فكأنما هى أشرس الأعداء ثانيا الدراسة النقدية : شاعرتنا الرائعة إحسان السباعي تبث همها من خلال الشعر وما أجمل الولوج إلى الشعار نبث همومنا فيها فتكون خير شاهد على أحوال نعيشها وخير مدون لآمالنا المرجوة وآلامنا القاسية . تبدأ شاعرتنا قصيدتها ب رحل الخليل ) وبذا تسرف في بداية القصيدة بعنوانها ،ولكن معاناة الشاعرة ومكابدتها الألم يجعل إحساسها يغلب نظمها فتبدأ قصيدتها بلا مقدمات وتلج إلى الهدف وغرض النص . قصيدة الشاعرة تدور حول فكرتين فحسب : أولاهما :شكوى وجعها وحالها بعد رحيل خليلها وتستعمل في ذلك ألفاظا قوية لها تأثيرها على المتلقي والقارئ على السواء (متأجج النيران )و(أشقى )و(مرارتي )و(عنائي) ثانيتهما :اللوم على الحبيب واستعملت في ذلك ألفاظا قصدت من ورائها أن تشعر الحبيب بذنبه ومنها تقضي على عمري )و(خنت العهد)و(شنقت مكرمتي ) *الخليل الذي رحل لم يرحل مجبرا بل رحل باختياره وما ذلك إلا أنه أراد تدمير حياة المعبرة عن حالها شعرا فقد يظن القراء أن رحيل الخليل كان بموته ولكننا عندما نقرأ قصيدتها الرائعة نجدها تهاجم على رجل حي لكنه رحل وتنكر لها . *استعملت الشاعرة بحر الكامل باقتدار وصبت جام غضبها بأعاريض وأضرب ونسجت عباءة شعرية لقصيدتها في جمال وحنكة ونلاحظ قوة شاعرتنا في تنقلها في أحوال أعاريض وأضرب الكامل في اقتدار وروعة لايملكها إلا شاعر عملاق يجيد الإبحار بلفظه فوق مياه بحر الكامل بإتقان . *دائما ما أحب في الشاعر التجديد في صوره البيانية من تشبيه وكناية واستعارة ومجاز مرسل ،وهذا ما حدث مع الشاعرة الفاضلة فنراها قد جاءت بمعاني وأخيلة مبتكرة لا تقليدية ومنها طيش الريح في أجوائي :استعارة مكنية حيث شبهت لهفتها وحبها بالريح وسر جمالها التشخيص وتوحي بعدم ارتياحها وأن الحب أكبر منها . وتدور بي بدروبها الشمطاء :استعارة مكنية حيث شبهت الشكوك بساقية وسر جمالها التجسيم وتوحي بتحكم الشكوك في الشاعرة . أصاب قلبي :مجاز مرسل علاقته الآليةوالمحلية فالقلب محل الحب وآلته (وإن كانت الصورة هنا تقليدية ) فكأنما هي أشرس الأعداء :تشبيه مجمل بحذف وجه الشبه *أما عن المحسنات البديعية فجاءت منسجمة مع النظم ومنها : التصريع بين (ندائي )و(وفائي) الجناس في (أشقى الشكوك )و(أنت خنت )و(رشقتها رشقا) و(تدور بي بدروبها) * أما من ناحية المعاني فجاءت قوية ومنها : هو ذاك :التعبير في الابتداء بالضمير يفيد التهكم من الحبيب المخادع . الالتفات من ضمير الغيبة (هو ذاك )إلى الخطاب (أنت الذي أغرى الجمال ) يا أنت :نداء لم يأت بعده اسم علم وإنما جاء ضمير لتدلل على تقريعه وتوبيخه الترادف في :شنقت مكرمتي ,جحدت عطائي الإتيان بالمفعول المطلق للتوكيد (رشقتها رشقا ) ملحوظات : تقول الشاعرة : متأجج النيران يلسع لَهفتي فى شر طيش الريح، في أجوائي اللسع هنا لم يأت كصفة تبين شدة الضرر فمن يلسع تراه يندفع ليهرب من لسعه وينطبق عليه قانون علم النفس (كل فعل لهرد فعل مساوٍ ٍ له في القوة ومضاد له في الاتجاه )وكان الأجدر أن تقول :يلفح لهفتي أو يحرق لهفتي لكن اللفح هو الأنسب لتقطعه لكن الحرق دائم . كررت الشاعرة ألفاظا بعينها وهذا يحسب عليها لالها وكان الأجدر بها أن تبحث عن ألفاظ جديدة ولا تستهلك ذات الألفاظ ومن ذلك :أغرى الجمال مبينا شيم الجمال ،فرشقتها بالسهم ،ورشقتها رشقا ، وإذا كنا نعيب على الشعراء الإيطاء وهو تكرار لفظ القافية ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي : سبقوا هوى وأعنقوا لهواهم :::فتخرموا ولكل جنب مصرع فصرعته تحت العجاج فجنبه:::متترب ولكل جنب مصرع وعلماء العروض وضعوا له شرطا وهو أن يتوالى اللفظان في أقل من سبعة أبيات فإذا تجاوزها لايعد إيطاء , وهنا نراه بين أربعة أبيات بل وبنفس تركيب اللفظين من المضاف والمضاف إليه (أشرس الأعداء ) الناقد /أسعد أبو الوفا رئيس ملتقى منقباد الأدبي