إلى كل المهتمين بتنمية المرأة.. ورقة بحثية .. مهداة من الصحفى على خليل تمهيد: فى المجتمعات العربية عامة، ومجتمعنا المصرى خاصة.. المرأة هى محور الأزمة، كما أنها محور الحل.. فكثير من الأحيان تلعب دور البطولة فى حل الأزمات، وفى أحيان أخرى كثيرة تلعب الدور نفسه فى صنعها.. ويبدو وبشكل عام أن الإعلام المصرى ما زال فى طور تحريك الغرائز والمشاعر والعواطف، ولم يصل بالفعل إلى مرحلة تقديم خدمة حقيقية لقضايا المرأة ومتطلباتها، أما القنوات الفضائية التى تبث الأغانى الحديثة، فالملاحظ أن فيها الكثير من المشاهد المثيرة والإغرائية، وإلى حد لا بأس به من الإباحية الجنسية. واللافت للنظر أن المرأة هى الشخص المستخدم لإبراز هذه المشاهد وغزو الشاشة الصغيرة بكل ما لا يمت بصلة إلى القيم الروحية والاجتماعية للمجتمع، والسؤال المطروح هو إلى أى مدى يعد الإعلام حريصًا على القيم الأصيلة للإنسان والإنسانية؟ وإلى أى مدى هو مهتم بعرض الواقع وعدم الإفراط فى تقليد واقتباس الآخرين دون التمييز بين ما يناسب وما لا يناسب المجتمع؟ وإلى أى مدى مسموح استخدام المرأة كسلعة دون إبراز قيمتها الإنسانية؟ من الواضح، أنه حتى لو كان هناك إعلام بارز عن قضايا المرأة فى العالم المصرى، الذى يتحدث عن "الفقر – الأمية – العمل – الطلاق – التمييز الجنسى أو العلاقات الحميمة، التى يصدر فكرة كون المرأة هى سبب فشلها أو نجاحها بمفردها دونما أية مسئولية للرجل... إلخ)، إلا أن تطبيق ذلك على أرض الواقع يختلف، فالمرأة تظهر فى الإعلام، فى غالب الأحيان، على شكل النجمة أو الفنانة أو المطربة أو الممثلة أو الراقصة أو المذيعة، وقليلاً جداً ما نراها الشاعرة والباحثة والكاتبة والمفكرة، ربما هى كذلك من وراء الستار، لكنها لا تظهر كثيرًا على الشاشة. وفى الفترة الأخيرة كثر الحديث عن المرأة، ودورها السياسى، واستغلال ما يمر به الوطن من سيناريوهات لتصدير فكرة مفادها أن المرأة هى البطل الحقيقى فى نجاح التجربة السياسية بطريقة أو بأخرى، خاصة بعد تجربة الدستور والاستفتاء عليه، ومن الملاحظ نسبة المشاركة الكبيرة من جانب المرأة مقارنة بانحسارها فى الشباب إلى حد بعيد.. وهذا يؤكد أن الحشد، واستمرار الرسالة الإعلامية المطالبة للمرأة بالنزول فى مثل هذا اليوم أحدثت تغييرًا كبيرًا فى نسب مشاركة الإناث على مستوى الجمهورية، وهو ما يؤكد أهمية الإعلام فى خلق واقع وتشكيله، وكذلك تشكيل الرأي العام، كما هو متبع، واستخدام المرأة كورقة رابحة تساعد فى ترجيح إحدى الكفات عن الأخرى. ومن هذا المنطلق لابد أن يدعم الإعلام المصرى صورة المرأة الجديدة ويخرجها من بوتقة النظرة المتأصلة لها، وهى أنها أرض فقط للإنجاب، وإدارة البيت دونما أى دور آخر.. ويجب الاستفادة من التجربة التى ظهرت بها المرأة بشكل مشرف للتخديم على مرحلة جديدة فى حياتها وتحقيق مكتسبات فشلت فى تحقيقها على مدى السنوات الماضية، وإن حاول البعض ظاهريًا رسم معانى مخالفة للواقع بأن المرأة تحصل على حقوقها بالكامل، وهو ما يخالف الحقيقة. توصيف عام ل"المرأة فى الإعلام" - «التخلف» ما زال جاثمًا على صدر هذه الأمة، والمهمة التى تنتظرنا كإعلاميين ومجتمع مدنى كى نصل إلى تلك العقول، ومحاولة إقناعها بتغيير تلك العادات والتقاليد البالية، صعبة جدًا. - مساعدة المرأة المصرية فى الحصول على حقوقها قضية خطيرة تحتاج تضافر جميع الجهود.. بداية من الفرد نفسه، مرورًا بمؤسسات الدولة، وانتهاء بمنظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية والإعلام بشتى أنواعه. - البرامج الإعلامية الخاصة بالمرأة تستحوذ على حيز كبير من شاشات الفضائيات، ما بين برامج موضة وجمال وفاشون وتعليم فنون الطبخ والصحة «عقم وإنجاب»، ما جعلها كائنًا استهلاكيًا فقط، والهدف من وراء كل تلك البرامج هو تحقيق الربح والشهرة.. وهناك أيضًا البرامج التى تبرز العنف ضد المرأة وتبلوره فقط فى صورة الضرب المبرح أو العنف الجنسى، وتتم مناقشة الموضوع برمته فى حلقة أو حلقتين، دون محاولة الوصول لحلول للقضية المطروحة، والهدف الأول والأخير من كل تلك المشاهد هو تحقيق الإثارة فقط، وبرامج النصائح الجنسية للمرأة، وكيف تتعامل مثلاً مع زوجها فى الفراش لتتحول بذلك لمجرد بوتقة يفرغ فيها الرجل طاقاته الجنسية، «سى السيد وأمينة» والبرامج التى تحاول علاج التحرش، تروج للظاهرة أكثر مما تعالجها، وكذلك تنقل مشاهد التحرش «بالصوت والصورة» ما يروج للفكرة ولا يعالجها. - معظم الأفلام تستخدم المرأة كمادة للمتعة والجنس والتربح، فهى الراقصة، والسكرتيرة اللعوب، أو الخادمة التى تبيع نفسها، أو فتاة الليل الساقطة، وغيرها وغيرها.. وتتجاهل النماذج النسائية المشرفة التى كان لها باع كبير فى التنمية والسياسة وغيرهما.. والخلاصة فى كل تلك البرامج والأفلام هو تحقيق الربح عن طريق الإثارة أو المشاهد المبكية أو المحركة للغرائز، وبالتالى نسبة إعلانات أكثر، وبدورها تأخذ مساحة أكثر من المشكلة ذاتها.. وفى الإعلانات نرى المرأة هى التى تروج لكل شىء، بداية من السيارات وإطارات الكاتشوك، مرورًا بالسلع الاستهلاكية والمنتجات الصناعية والزراعية، انتهاءً بمنتجات الموضة والأزياء وأدوات التجميل، وتناسى الإعلام دور المرأة الفعلي فى التنمية المجتمعة.. "أفلام السبكى نموذجًا". - قضية عدم التمكين لا تقتصر على المرأة، فالرجل أيضًا لا يمكن فى كثير من الأحيان، وهذا بسبب ما نعانيه اقتصاديًا وما يترتب عليه من إهمال صحى وتعليمى، واجتماعيًا بسبب القوانين الاجتماعية، التى يجب ألا يحيد أحد عنها، وهى تلك المتمثلة فى العادات والتقاليد، وكلما ارتقى المستوى الاجتماعى ظهرت النماذج النسائية القيادية الواعية، مثل القاهرة والإسكندرية والمنصورة، وإن كان من المنتظر ظهور نماذج أكثر عدادًا وفكرًا بتلك الأماكن الممكنة إلى حد كبير. محاولة للحل - أولاً لابد من التمكين الاقتصادى، ثم التمكين العلمى، وهذا يتأثر بسابقه الاقتصادى، ثم التمكين الاجتماعى، وهذه قضية شائكة للغاية، بسبب العادات والتقاليد المجتمعية الرجعية التى ترى أن المرأة أرض للإنجاب فقط، وأما محافظات الصعيد ف«كوم تانى»، فبالرغم من أن المرأة هناك «عمود كل بيت» فإنها فى النهاية مهمشة وراء فكرة المجتمع الذكورى، ولا تجرؤ حتى على المطالبة بحقها. - المجلس القومى للمرأة، والمجلس القومى للأمومة والطفولة، والإعلام القومى، وجمعيات ومنظمات المجتمع المدنى، جميعها جهات لابد أن تقوم بدور ملموس وحقيقى، وعليها تنحية مبدأ «السبوبة» جانبًا، ويكفيك أن تعرف أن لدينا 33 ألف جمعية أهلية، ومن حقك أن تتساءل: أين مردود هذا الرقم الهائل على أرض الواقع؟ - ولابد أن يكون العمل من أرض الواقع، حيث القرى والنجوع والأرياف من أقصى مصر إلى أقصاها.. لابد أن نعمل جميعًا على تحسين دخل الفقراء ومحدودي الدخل، فلا تمكين للمرأة ولا للرجل إلا بعد التمكين الاقتصادى، والتمكين التعليمى والتمكين الصحى والاجتماعى وإلى آخره. - مؤسسات الدولة ودورها التوعوى الحقيقى، بعيدًا عن الإعلانات والعمل من أبراج عاجية؟ أين منظمات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية الحقيقية التى تعمل من أجل المواطن لا من أجل الدعم الذى يوزع على مجلس الإدارة؟ أين الإعلام الهادف الحقيقى لا الذى يسعى للتربح على حساب الغلابة؟ مقترحات وتوصيات: 1 – مخاطبة جهات الإعلام الحكومى والخاص لتشكيل رسائل إعلامية تخاطب عقل المرأة وكينونتها وتساعد فى تغيير الصورة الذهنية المتأصلة عنها. 2 – الاهتمام بالإعلام المرئى نظراً لقدرته على الوصول لطبقات كثيرة، خاصة الأمية منها. 3 – محاولة الوصول لصيغة توافقية بين أطراف المجتمع المدنى المصرى لدعم المرأة فى الانتخابات البرلمانية المقبلة، خاصة فى ظل تدشين وزارة الإعلام لحملة "نساء من أجل نساء" لترشيح 100 سيدة فى الانتخابات البرلمانية القادمة. 4 – مخاطبة وزارة الإعلام متمثلة فى الإعلام الوطنى بقنواته المختلفة لإنتاج برامج توعوية وتثقيفية بشكل مغاير لما هو متعارف عليه من أشكال نمطية تخص برامج المرأة مثل برامج "الطبخ والموضة وبرامج الثقافة الجنسية".. والبعد عن الشكل النمطى الذى يبلور المرأة كمجرد جسد. 5 – تشكيل قوافل بشرية تجوب النجوع والكفور لمساندة المرأة فى هذه الأماكن ومعرفة ما تعانيه للوصول لحل متكامل عن مشكلات متعددة لفئات مهمشة. 6 – التعرف على نماذج لسيدات خارج الأضواء وتسليط الضوء عليها وعرضها فى الإعلام الوطنى أو الخاص. 7 – محاولة وضع قواعد معينة لتربية النشء وإعادة النظر فى المناهج التعليمية، بداية من التعليم الأساسى، والكف عن تلك الأناشيد أو القصص أو الحواديت التى تصور فيها المرأة كتابع للرجل، لتشكيل عقول نشء يفهم ويعى قيمة المرأة. 8 – العمل على تكوين صورة ذهنية فى الإعلام تجعل المرأة مؤثرة فى كل نواحى الحياة وليس السياسية فقط من خلال المسلسلات والسينما والمسرح وكل وسائل الثقافة الجماهيرية، خاصة السينما المستقلة والتى أظهرت بعض النماذج النسوية المعبرة فى الفترة الأخيرة. 9 – تشكيل صندوق لتمويل بعض المشروعات الخاصة بالمرأة لدعم المرأة ومساندتها فى كل المجالات، ودعم ترشيحها فى الانتخابات بكل صورها.. بمخاطبة صناع القرار أو رجال الإعلام الوطنيين. 10 – تشكيل صندوق لدعم المرأة إبداعيًا، سواء السينما أو الأدب أو الفن التشكيلى 11 – العمل على تفعيل مواد المرأة فى الدستور والعمل على صياغة قانون بالحد الأدنى لمعاش المرأة المعيلة يساوى مرتب العاملين فى الدولة، وقانون لرعايتها راعية كاملة. 12 – توفير فرص عمل صغيرة للمرأة فى الريف، وإعادة تقديم برامج الحرف الصغيرة، التى تساعد المرأة على توفير نفقاتها ورعاية الدولة لها عن طريق شراء المنتجات. 13 – النص على عدد من الوظائف فى الدولة لخريجات الجامعات لدعم مشاركة المرأة فى العمل. 14 – نشر وتوعية الأسر، خاصة فى الريف، بمخاطر الزواج المبكر، واختصار نفقات الزواج للمساعدة على تزويج الفتيات بصورة عصرية ومحترمة 15 – دعم برامج التعليم الفنى للفتيات وإدماجها فى سوق العمل، وكذلك برامج محو الأمية. 16 – تشكيل لجنة من الأزهر للتصدي للفتاوى المحرضة على العنف ضد المرأة وكل القضايا الفقهية الخاصة بتنظيم حياتها.