عبد الوهاب مطاوع من فرسان الكلمة الذين لمعوا في عالم الصحافة، وقد استطاع أن يجعل صوت الأديب في انسجام وتوازن مع صوت الصحفي. أما كتاب"ساعات من العمر"والذي يعزف به على وتر السيرة الذاتية، فقد كان الصدق أبرز معالم هذه السيرة التي يحتفظ صاحبها بروح التواضع، كما أن اتصال حياته بكثير من الأحياء جعله يتغاضى عن بعض ما يسئ إليهم، ويحذف مالا تطاوعه نفسه على إثباته مؤمنا بأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. كما استطاع صاحب السيرة أن يدرج المعاني الكلية ويستخرج منها النماذج الانسانية ويستنبط العبرة من الأحداث التى اختارها. وما حياة الكاتب إلا تجارب وأحداث ينفعل بها ويتفاعل معها وتختلط في أعماقه بذكرياته السابقة. وأماله واحباطاته القديمة. وقد اعتمد الكاتب على عملية الاختيار، فهي ساعات من عمر الكاتب في مراحل وأماكن وأحوال مختلفة، من الطفولة إلى الصبا والمراهقة ومن المرحلة الجامعية إلى مرحلة العمل ثم الزواج، وما بعده، ومن القرية إلى المدينة، وفي مصر وخارجها، ومن الصحة إلى المرض ومن الإخفاق إلى النجاح، وخلال الرحلة نتعرف على أصدقاء الكاتب وهم كثر من الكتاب والأدباء والموسيقيين والناس العاديين، فهو يجد في هذه الصداقة المتعة الروحية والثقافية، ويؤكد ذلك حين يقول (ماذا يساوي الثراء حيث لايجد الانسان أصدقاء حقيقيين يرتاح إليهم ، ويرتاحون إليه ويأنسون به. ) إن فنية هذه السيرة تبدأ من عملية الاختيار، حيث يحذف الكاتب ما يحذفه ويبقى ما يبقيه لأن الذاكرة لا تنسى فحسب بل هي تفلسف الأشياء الماضية، وتنظر اليها من زوايا جديدة لأنها في عملية كشف مستمر فالماضي لا يمكن استرجاعه على حاله ولا مناص من تغييره بوعى أو بغير وعي، وهذا ما حدث لصاحب السيرة حين شهد في طفولته حادث غرق صديقه، فقد كان هذا الحادث البداية في تشكيل وعي الكاتب وفي ذلك يقول: كأنما قد حدد هذا الحادث المؤلم في طفولتي الكثير والكثير من سمات تكويني النفسي وطريقة تفاعلي مع آلام الحياة المختلفة ومؤثراتها وأسهم أيضا في إيماني الدائم بأن الحياة قصيرة مهما طالت، وبأنه من الحكمه ألا يطمئن إليها الانسان كل الاطمئنان مهما بدت مطمئنة ووادعة ليست الأحداث وحدها هي التي شكلت تكوين صاحب السيرة فالقراءة والاطلاع في كافة مجالات المعرفة، ولا سيما في الأدبين العربي والعالمي والتواصل مع هذه الرموز الانسانية كل ذلك بمثابة مصابيح يهتدي بها الكاتب في رحلة الحياة كما أنه يتأسى بتلك الرموز من أمثال الشاعر الهندي العظيم"طاغور"والعبقري الروسي"تشيكوف"و الكاتب المسرحى الأمريكى"آرثر ميلر"والفيلسوف الانجليزى"برتراندرسل"ومن فرنسا"فكتورهوجو"البيركامي ومن الأدباء العرب العقاد والحكيم ونجيب محفوظ وصلاح عبد الصبور وغيرهم. إذا كانت الصداقة والقراءة والموسيقى والكتابة هي مصادر متعة الكاتب الروحية والثقافية، فإن هذه المصادر تستمد وجودها من كنز لامثيل له هو الصحة، يقول صاحب السيرة جاءني صوت الجراح يهنئني. وكنت قد غادرت الحمام لتوى متألما، واستلقيت فى الفراش ألتقط أنفاسى، فقال لى: - مبروك دخولك مجلس إدارة الأهرام، فوجدت نفسي أجيبه – بلاوعى – بأن دخول الحمّام بغير ألم أهم عندي من دخول مجلس إدارة الأهرام أو حتى مجلس الأمن...... إذ ماذا يساوي أي شئ في الحياة والانسان يتألم ويتوجع ورغم هذا التوجع فإن السيرة لا تخلو من روح السخرية والدعابة وخاصة حين يكتب عن أساتذته في عالم الصحافة وعلى رأس هؤلاء الأستاذ هيكل والأستاذ أحمد بهجت. أما الشخصيات الثانوية فقد نجح الكاتب أن يبعث الحياة فيهم ويحركهم ويسير بهم فى مراحل الحياة ولم يستخف بهم. رحم الله الأديب والصحفى والإنسان الخلوق عبدالوهاب مطاوع فقد كان فارسا من فرسان الكلمة