بين قضبان الذاكرة صور ليس لها أقفال لأحداث متراكمة بين أقوال و أفعال كانت لفترة متواترة بين الإمعان و الإهمال فصارت كالريح العابرة رحلة تنشد الكمال لأرواحنا سالبة و أمل العودة ليس له احتمال و كأنها معارك طاحنة و الراحلون هم فقط الأبطال ... مازالت ذاكرتي تلمحها واقفة بباب منزلها ترقب الطريق تؤانس نفسها بالغوغاء و الضوضاء ممشوقة قامتها رغم بلوغها عقودها الأخيرة أنهتها و رحلت... مازالت ذاكرتي تبصرها قادمة من أوّل الشارع ملتحفة ذاك الكساء مستقيمة المشية خافتة الصوت متكرّرة عادتها لحين وقوف الزمن بها استجابت له و رحلت... مازالت ذاكرتي تستحضر جلستها على عتبة منزلها تداعب نظراتها المارة تستوقف همساتها الجيران تجالسهم بكلمات لطالما ترجّلت تجوب الزقاق و ما جاوره لحين يوم قيل فيه لقد رحلت... مازالت ذاكرتي تستوقف صورتها جلستها مشيتها إلى أن جاءها النداء و مع صداه رحلت... مازالت ذاكرتي تراه حاملا لقفّته عائدا من مكان نزهته مغادرا للسوق ليبيع حصاد حديقته ألقي عليه التحية فيجيب بأبهى سلام كان ذلك صباحا أم عشية مستمرّ بعادته مطلّ بقامته و لم تغيّبه إلا المنية فرافقها و رحل... مازالت أزهار ذاكرتي تينع لهؤلاء مازالت حرارتهم تلهب التراب لم يعودوا أجسادا تسكن الوجود و لكنهم فكرة لم تبرح ما هو معهود قيمة ما تجمع الحياة بالممات البدايات بالنهايات أصبحوا أثرا في طريق جمع المعلوم بالمجهول الجلي بالخفي الواقع بالخيال ذهبوا في صمت مازال يدهش الإحساس ... رحلوا بعيدا مع ريح النجوم و ضوء القمر صاحبوا التعالي و ما افتخر و ركبوا السفر قرؤوا لحن الوداع بإسراع و زغردوا للوتر خرجوا فالدرس ينادي يا أحبتي من البشر حمّلوا ما كسبت قلوبكم و اقتفوا أثرا بالقدر ... قصيدة لم تكتمل و قلم أدّى القسم لقد غادر الحرف على عجل و الحبر أدمع ألم فكل المعاني معه حمل و الوجع على الورق استحكم و لم يبقى غير عبارة لقد رحل ...اللوحة للفنان التشكيلي الفلسطيني خالد نصار