يعتبر الأدب العراقي نواة التجديد لصنوف الأدب المعاصر ، من أيام نازك و السياب ،فلطالما كان لأدباء العراق المكانة السامقة ،فرفعت أسماؤهم كراية للحداثة والتجديد في الأدب العربي المعاصر،ولهذا أعتبر الأدب العراقي بؤرة تنوير،ومحل انبعاث أشكال أدبية تقوم على أنقاض الأشكال الأدبية الكلاسيكية . ولو عدنا لقائمة الأسماء التي حملت لواء التجديد في عصرنا الراهن في العراق ،لوجدنا اسم المبدع صالح جبار خلفاوي في الطليعة يعتليها ويتصدرها خاصة في مجال السرد ، والسرد التفاعلي بصفة أخص ؛ولهذا يعتبر من أهم رواد التجديد في الأدب العراقي والعربي.ولريادته في هذا المجال وتفرده فيه، فما كان يستحق منا إلا أن نخلد اسمه و نكتبه بماء الذهب ،ويعلق وينشر فيكون من عظماء الأدب العربي . وما يميز أعمال المبدع صالح جبار خلفاوي ليس الجدة والابتكار في الجنس الأدبي والتقنيات الحداثية المستعملة لتطويره فقط ؛وإنما ما يميزه أيضا الأسلوب واللغة ،فبالإضافة إلى كونه من المجددين في نوع الجنس الأدبي ،فهو أحد رواد السرد التفاعلي الذي ظهر مؤخرا في مجال الأدب ،ليساير التكنولوجيا ومتطلبات العصر ،فيحقق صرعة جديدة تمثل أوج التطور الأدبي ومسايرته العصر ، ،وهو ما ساهم في انتشاره ،وتداوله وهما أهم سمة لتخليد أي عمل أدبي، بالإضافة إلى ذلك شمل التميز الجانب الفني والأسلوب ،وهو ما تتسم به كل أعماله ،فهو يمتطي جنون الشعرية ،ويضفي عليها تعاويذ جمالية ،ليخرجها في حلتها البهية ،لكن ليس لتعود عند الثانية عشرعلى ما كانت عليه ،وإنما لتخلد وتخلد معها اسمه لتنبعث كما ينبعث أدنيسيوس من مثواه فيحل بذلك نوع من الخصب الأدبي والنّماء الايديولوجي ،فلن يطويها الزمن ،ومرد ذلك لسببين ؛جمال الاسلوب المتمثل في شعرية اللغة ،وعبثية المضامين ،والتي تحمل في طياتها أزمة الهوية و رهانات الحداثة وتحدياتها في عصر العولمة ، في رموز وشفرات يصعب فكها ،ولا يستطيع سبر أغوارها إلاّ قارئ قدير ،لتضفي على أعماله صبغة الرمزية المطلقة ،ليحاور القارئ كتلة لغوية وحمالة إيديولوجية ،فيقف في متاهة الكلمات باحثا عن المعنى الذي يحاول لملمة شمله في الدلالات المؤجلة ،في دوامة النهاية المفتوحة ، هذا النوع من التشظي في شكله ،جمع بين تمفصلاته رابط مشترك وهو رسم معاناة الشعوب العربية ، أزمنة الضياع ،و الاغتراب أمام سخرية الأقدار ،وتفنّنها في كيفيّة تحطيم الآمال ،والقضاء على الأحلام في طورها الجنيني ،حتى قبل خروجها إلى الوجود.ليرسم تجربة إنسانية ،وهو أحد العوامل التي تساهم لسمو أي أدب إلى العالمية. ليطل علينا المبدع "محمد جبار خلفاوي" هنا من عل ،متطلعا بنا نحو بوابة جديدة ،يتفنن من خلالها في إبتكار طريقة جديدة للحكي ،لا لتلغي طرق الحكي التقليدي ،وإنما تحدث نوعا من التغيير فيتحول المتلقي من سلبي يتلقف النص فقط ،إلى إيجابي يساهم في إنتاجية النص ، هنا تتحقق قفزة نوعية ،ونقلة فريدة ورائدة في مجال التجديد في الأدب العربي،ليبعدنا عن كلاسيكيات القرن الماضي (أي كل ما هو قديم)،ويتخطى الواقعية ،ليرسم صورة موازية للعالم ،في ملامح كافكاوية بجوّها الكابوسي،المتطلع على أحوال النفس البشرية ، لتصور حالة من التيه ،الضياع ،التنافر ،السباحة في المجهول .لكنها تتمازج في الوقت نفسه لتتقاطع مع حالات النفس البشرية ،وتصور معاناة البشرية في دوامة من المتناقضات . فيبلور المبدع" صالح جبار خلفاوي " كل هذه المضامين بلغة شعرية ،تتسم بالجمالية ،مستجلبا انتباه القارئ إلى النهاية بطريقة مشوقة ،تبعث المفاجأة والدهشة فيسلب لبه ،ويسحر وجدانه فيتتبعه القارئ مستمعا الى ناي كلماته السحرية فيأسر خلده ، فيتفاعل وجدانه ويتأثر ،مما ينبش أتربة التساؤلات في حفيظته .ويبعث في القارئ ولع البحث عن النهاية التي تحمل الاجابات الشافية ، التي لا يجدها في المتن الحكائي ،مما يجعل ضمأه يزيد لكشف الحلول. فيبقى في دوامة السؤال ،فيتوجه للبحث والتفتيش ليشفي روحه من التساؤلات الحائرة ، فيعكس بذلك عالمنا الراهن في شكله العبثي في طرحه أسئلة دون إجابات .