إذا كان الأديب يحاول منذ زمان بعيد أن ينقل أحداث ومسارات من جيل إلى جيل بطريقة فنية وخاضعة لقوانين شكلية و معنوية يبنى عليها سرح أشكال الأدب المختلفة من رواية, شعر.. وقصة فهل على الأديب و القاص بشكل خاص أن يخرج بالقصة من المألوف ليبهر القراء بفن غير معروف، أطلق عليه صاحب الفكرة القاص و المبدع صالح جبار محمد بالقصة التفاعلية.الذي خرج فيها بالقصة من نظامها القديم إلى نظام جديد تبنى عليه, وإذا كان الأمر كذلك فماذا أضافت هذه الأخيرة و ماذا فقدت؟ إن القصة التفاعلية إنتاج أدبي تمخض عن عقول إبداعية أرادت التجديد بعد الركوض، والتقدم بعد الرجوع و كسر القيود و دفع الثقافة عامة والقصة خاصة إلى الأمام، وكان القاص العراقي صالح جبار محمد السباق لفكرة إنتاج حلقة اتصالية بين القاصين، تتمحور حول موضوع واحد ,صاحب الفكرة تجود أنامله بالمقطع الأول و المشتركين يكملون الباقي كل قاص يكتب مقطعاً متمماً للأول، وهكذا دوليك حتى نهاية القصة أين تتفاعل آراؤهم وتتكامل فيما بينها و يلتقون حول فكرة واحدة وآراء متقاربة ,فيقدم القاص الثاني مقطعاً يكون متمماً للمقطع الأول الذي كتبه قاص يختلف عن الثاني ,كل قاص يتفاعل في مقطوعته بخلفيته الثقافية و المعرفية ,ولمسته الخاصة الذي يضفيها حول الموضوع ,فتتناغم هذه اللمسات الخاصة و الآراء المشتركة لصنع جوهرة جديدة بساحة القصة العربية عامة و العراقية خاصة، فوجد صالح جبار محمد لفكرته الواحة الأرحب بما وسعت ظلالها من طعم المعرفة والصدر الأرحب الذي رحب بهذه الفكرة الجميلة و الإبداع الفني والفريد من نوعه بعد الجمود و المغالاة و المحاباة للتقليد . بزغت شمس أول قصة تفاعلية لصاحب الفكرة القاص والمبدع صالح جبار محمد وبالاشتراك مع أربعة قصاصين، كتب المقطع الأول صاحب الفكرة، والمقطع الثاني علاء حميد الجنابي و الثالث للقاص سعد عباس السوداني، أما المقطع الرابع بقلم عبدالكريم حسن مراد ,وطرح هذا النسيج المتلاحم بأقلام مختلفة على نقاد وقاصين لهم باعهم بنقد و الكتابة و بعد الأخذ و رد خرجوا بالموافقة على هذا الإبداع المعاصر لمسايرة العصر الذي أصبح فيه الاتصال حتمية وضرورة لا يمكن تجاهلها أبدا ,خصوصا بعد تعدد وسائل الاتصال المختلفة التي يتفاعل معها الناس و في هذا السياق جاءت القصة التفاعلية لتمسح الغبار على القصة و تسايرها بالعصر و تعيد للمقروئية مكانتها و إعطاء القراء نفساً جديداً يتوازى مع عصر الاتصال و نبضاً آخر لقلب و قالب القصة التقليدية. و من خلال هذا التفاعل و العمل المشترك الذي يجعل القاص الثاني يضيف ما لم يستطع أن يلم به الأول بدون الخروج عن الموضوع,فالقاص لا يستطيع أن يلم بكل جوانب الموضوع حتى يترجمها ,و كأن كل واحد يأخذ جانب من الجوانب بمقطعه ليتتبعه و يتنقبه ليصل بنا إليه و يصل به لنا كقراء ينوه بكل تفاصيله بفن شكلي و معنوي للمقطع على غير عادة القصة الذي يتناولها قاص واحد من بدايتها إلى نهايتها، ففضلا على ذلك حينما يكون العمل مشتركاً تكون نسبة الموضوعية طاغية على النص. إضافة إلى الاهتمام بجماليات النص الفنية من انتقاء للألفاظ و العبارات و الموسيقى الداخلية التي تتوغل بنفس القارئ حتى تبعث فيه الراحة و اللهفة للقراءة والموسيقى الخارجية التي تجذب السمع جذبا, إضافة إلى المعنى الذي يفضي بالقارئ لما يود و يرغب و ينعكس على سيرورة حياته. و لكن رغم كل ما حققته القصة التفاعلية من فن شكلي و معنوي يفضي بها إلى أن تغني المكتبة العراقية بإنتاج مميز ونوعي, إلا أنها دخلت هي الأخرى بدائرة فقدان النظرة الواحدة التي تتمخض عن قاص واحد بتحليله و تعليله الشخصي و بفكرته. فمن الأكيد أن القاص المشترك لا يستطيع أن يغور بأجواء صاحب الفكرة و لا يستطيع أن يسبح بخياله ,و لا يطابق أسلوبه أسلوب الآخرين حتى تخلص القصة التفاعلية من بدايتها حتى نهايتها بأسلوب فني معين و نفس و خيال و لمسة واحدة تدور حول فكرته الخاصة بدل الانتقال من مقطوعة إلى مقطوعة أخرى من قاص إلى قاص آخر ,فالأكيد أننا مهما تفاهمنا و تقاربنا حول موضوع واحد سنختلف بمداركنا ومعارفنا و خلفياتنا الثقافية و ظروفنا الاجتماعية. بذلك الاتصال بالقصة و امتزاج القاصين و تفاعلهم الوجداني و العقلي قد يغير بنمط القصة.. قد لا ينتج قصة بل مقطوعات متقاربة بالموضوع ,مختلفة بالنفس و الأسلوب الذي يعدّ بطاقة تعريف للكاتب، و بذلك و كأنهم ينتقلون من مقطوعة إلى أخرى بنفس تختلف عن الأخرى ! والاتصال بالقصة و امتزاج القاصين و تفاعلهم الوجداني و العقلي حول موضوع قد يغير بنمط القصة من.. إلى, قد لا ينتج قصة، بل مقطوعات متقاربة بالموضوع ,مختلفة بالنفس و الأسلوب و الإدراك و بالتالي إحداث فجوة بين المقطوعات. فعلا أن القصة التفاعلية أفقدت عنصر القصة التي تبنى على وحدة المبنى بشكله الحسي و المعنوي ,لكنها تقربت أكثر من عصرها و عصر قرائها و مسحت الغبار عن القصة ,و شاركت المجتمع بظروفه الآنية بكل ما يدور حوله من تكنولوجيا و اتصالات ,و بذلك قاربت الاتصال العصري ,فالناس اليوم أصبحوا في اتصال دائم عبر وسائل الاتصال الحديثة وبذلك تغير وتوسع مصلح الإعلام إلى إعلام واتصال هذا الأخير الذي يشمل أكبر مساحة ممكنة و بذلك بدل أن يقوم القاص بتبليغ و إعلام فكرته بأسلوبه الخاص و بخلفيته الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية.شارك قاصين آخرين بخلفيات مختلفة حتى ينوب مناب الناس بكل خلفياتهم و يشارك بذلك أكبر عدد ممكن, و القارئ الذي لم يعجبه أسلوب قاص قد يعجبه أسلوب الآخر أو الآخرين. و بذلك إذا و ضعنا الإيجابيات بكفة و السلبيات بكفة أخرى .تنقلب الكفة إلى الإيجابيات و تخف بسلبيات و بذلك كانت الإضافة أكثر من الفقدان !