عن الهيئة المصرية العامة للكتاب صدر حديثاً كتاب "فلاسفة الحكم والإدارة فى العصر الإسلامى الوسيط" للدكتور نجاح محسن وبتصفح صفحات هذا الكتاب نجد أن هؤلاء المفكرين السياسين لم يتركوا شئياً من شئون الإدارة والحكم فى عصورهم وغيرها إلا وقد تناولوها بالبحث والدراسة والتقييم، فتعرضوا لقضية الإمامة فحدودوا أهمية الإمام بالنسبة للمحكومين وشروطه وواجباته ووحقوقه. كما تناولوا بالمناقشة الجهاز التنفيذى فى الدولة وحدودوا أدواره وكيفية ضبط الأداء ومتابعة أعمالهم كما تعرضوا لإشكالية معاملة الخارجين على سياسية الدولة والنظام العام مع دراسة كيفية إدارة شئون غير المسلمين فى المجتمع الإسلامى. الدكتور نجاح محسن قال: من خلال هذا الكتاب نحاول الوصول إلى موقف وسط من التراث السياسى الإسلامى، لا موقف المؤيد للتراث لدرجة تقديسه، ومحاولة البحث فيه عن حل لكل معضلة معاصرة تقابلنا، بل آثرت التعامل مع هذا التراث باستخدام "منهج انتقائى" بمعنى انتقاء الأفكار التى تصلح للطرح والمناقشة فى حياتنا المعاصرة، نقبل بعضها، ونرفض بعضها الآخر، مع استبعاد كل ما يتعلق بعصور هؤلاء الفلاسفة وخصوصياتها وتقاليدها ورسومها. والتأكيد على أن هذا المنهج الانتقائى، يعيننا على الاستفادة من تجارب السابقين من أسلافها، ليقينى أنه لو بدأ كل جيل طريق الإصلاح ن جديد –وهذه آفتنا فى كل العصور- لما تراكمت المعرفة الإنسانية، ولما وصلنا إلى التقدم المنشود. وأضاف: هذا الكتاب لا يرمى إلى التأكيد على علاقة الدين بالسياسة، بل على العكس، يرمى إلى الفصل التام بين المجالين، بين الثابت والمتغير، بين السماوى والبشرى. فالملاحظ أن فلاسفة السياسة الإسلامية، أنطلقوا من الواقع ومشكلاته، ولم ينظروا خلفهم ليعرفوا كيف حل آباؤهم مشكلات عصورهم الإدارية والسياسية. ففى الفصل الأول درس الجاحظ مشكلة الإمامة حيث تناولها بطريقته الأدبية وأسلوبه العلمى وآرائه الدينية ونهجه الساخر والتوجيه الفلسفى فهى أول مشكلة اختلف المسلمون فى شأنها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة كما أدى الخلاف حولها فيما بعد إلى نشوء الفرق الإسلامية الأولى كالشيعة والخوارج والمرجئة، فهى من الناحية التاريخية أول مشكلة ترتب عليها انقسام المسلمين إلى فرق تتصارع فيما بينها صراعاً سياسياً سرعان ما تتطور وأصبح صراعاً عقائديا. وقد طرح نظرية الإمامة التى تقوم على الشورى والاختيار بدلاً من النظام الملكى فقد طالب الجاحظ بالوحدة القومية لأجناس الدولة الإسلامية الواحدة. أما الفصل الثانى تعرض للفكر السياسى عند "الثعالبى" حيث ركز على الناحية العملية من السياسية، فعمل على صياغة الخطوات لانتظام عملية الحكم واستقرارها حيث ربطاً تاماً بين السياسية والأخلاق فأرسى فكره على اسس أخلاقية استقاها من المصادر الدينية وتجارب الأمم السابقة والمعاصرين ومن الواقع السياسى الذى عاش فى ظله حيث أظهر أثر أقلام الكتاب والمفكرين فى تسير أمور الدولة وأهمية الفن فى حياة الشعوب. وفى الفصل الثالث تعرض للنظام الملكى فى الحكم "سياست نامة "لنظام الملك الطوسى حيث يركز الطوسى فى فكره السياسى على الجانب العملى البحت من السياسية والإدارة فربطه بالواقع ارتباط من يحاول أن يصلحه ويقَوم اعوجاجه لما ضمه القرن الخامس الهجرى من ثقافات ومشكلات سياسية واجتماعية ودينية واقتصادية، فالنظام الملكى الذى قدمه الملك فى ىسياسية الممالك الإسلامية كان يقوم على العدل والشورى والمساواة .أما عن نظم الحكم والإدارة عند بدر الدين ابن جماعة حيث أقام أفكاره السياسية على أسس دينية حيث بعد عن التجربة الفارسية والسياسية اليونانية ومن هنا يمكن التساؤل هل يوجد ما يسمى ب"علم الإدارة" عند مفكرى الاسلام القدامى؟ فمصطلح "الإدارة" هو نفسه المضمون الحقيقى لمصطلح مثل "تدبير الممالك" وهو نفسه المضمون الحقيقى لمصطلح "سياسية المُلك" ففى حياة بناة كل الدول وصانعى الحضارات توجد المضامين الإدارية بصورهها المختلفة توجد جماعة ولا دولة ولاحضارة بدون إدارة ومن خلال الدراسة للمفاهيم السياسية عند ابن جماعة نجد أن المصطلحات المستخدمة فى علم السياسية اليوم مثل الدستور والسيادة والفصل بين السلطات هناك الإمامة والخلافة والولاية وزارة التفويض والبيعة والخراج والفئ والحسبة وغيرها من المصطلحات التى أصبحت غير متداولة فى لغة العصر. أما الفصل الخامس تناول علاقة الحاكم بالرعية عند ابن الأزرق وإن مفهوم "الرعية" يعتبر من المفاهيم المحورية التى تحدد المجال السياسى العربى الإسلامى حيث أظهر ابن الأزرق علاقة الحاكم بالرعية من خلال خطابه إلى الحاكم الذى يتضح منه علاقة الحاكم بالمحكوم يعنى خضوع الثانى للأول وهذه العلاقة هى مجموعة من الأساليب المفروض أن يستعين بها السلطان فى سلوكه مع الرعية فى كيفية ضبط راعيته وأشكال سلوكه مع الرعية، كما يقوم الأدب السياسى السطانى عند ابن الزرق على مفهوم النصيحة وهى نصائح موجهه إلى أولى الأمر فى كيفية تدبير شئون ممالكهم. ومن هذا التصفح لفصول الكتاب نجد أن المؤلف آثر التعامل مع هذا التراث بمنهج انتقائى بطرح الأفكار والآراء التى تصلح للطرح والمناقشة فى حياتنا المعاصرة مع استبعاد كل مايتعلق بعصور هؤلاء الفلاسفة التى عاشوا فيها.