في ليلة صيفيّة، وأنا في حديقة بيتي أتحاور مع أفكاري، تلقيت هاتفًا يخبرني بأنّ عليّ أن أتوجّه إلى القاهرة لحضور حفل تعتزم هيئة ثقافية، هي "مجلة ديوان العرب"، أن تقيمه لمن وصفتْهم بأنهم «كتّاب وشعراء ومفكرون قد أسهموا في خدمة الثقافة العربية» وزعموا أني واحد منهم. فعزمت، وحزمت، وإلى عاصمة العرب توجّهت، وصعدت، مساء الثلاثاء الرابع من يوليو/ تموز 2006، إلى منصّة نقابة الصحفيين لأتسلّم درعًا من يد الكاتب المصري، الدمث، محمود أمين العالم. هل أقول إنّ غياب فصل، من مشروع كتابي في أدب الرحلات «قمر لا يغيب» خاصّ بالقاهرة التي اكتسبت فيها ثقافتي الجامعية، جعلني أرجئ العمل فيه؟ والآن بدوت عازمًا على أن أكتب عنها أجمل الفصول، فأخذت أتجوّل في القاهرة وأكثر من التدوين. ومع هذا وذاك، حملت يوم عودتي بُرعُمَين اثنين من نبات "اليوغا"، وزرعتهما في حديقة بيتي. وبادرت أكتب الفصل، وأنا على مقربة من نافورة أنصت إلى غناء قطرات ماء "الفيجة" في تساقطها على صفحة البركة... وفي آخر السطور كتبت ما يشبه المناجاة، قلت: «من عاصمة العرب القاهرة المحروسة، ب حاراتها وأحيائها، التي باح بأسرارها نجيب محفوظ في رواياته... أعود إلى دمشق الفيحاء التي فاح عطر ياسمينها في قصائد نزار قباني. «دعوني أقول لكم، أيها الأحبّة، كلمةً احتفظت بها للأخير: ورد في "ألف ليلة وليلة"، أنّ مَن لم يرَ القاهرة لم يرَ شيئا! وإني لأرى في القاهرة، كلما زرتها، ما لم أرَ فيها من قبل. «ودمشق - وأن لم تقل عنها "ألف ليلة" ذلك - إنّ فيها لكنوزًا من العزّ والمجد والسّؤْدَد، فمنها انطلقت جيوش بني أميّة تفتح العالم، كلّ العالم الذي كان معروفًا في ذلك الزمان، توحّده، وتُغدق عليه المعرفة والحضارة». إني يوم مغادرتي القاهرة كان قد ملأ الأسماع وأثار المشاعر عملٌ بطوليّ اجترحه، في اليوم الذي سبق، مقاتلون من لبنان، أعقبه قصفٌ وحشيّ من العدو، ورافق ذلك نزوحٌ لبناني إلى سورية حتى وصل شتيتُهم إلى مزارع تقع في ريف حلب شمالا. أقول: ذهبت مسكونًا بالأمل والفرح، ثمّ قُدّر لي أن أعود في يوم تلته أيام تسربلت بالدماء على مدى ثلاثة وثلاثين يوما، فلما آن للقتل والقتال أن يتوقفا، كانت قد غطّت أرض الجنوب مئات الآلاف من الألغام والقنابل الموقوته، مصحوبةً بدخول القوات المتعددة الجنسية ليحرسوا إسرائيل.