"..هذا الغث الذي تطفح به الأرصفة بل والمكتبات من الروايات لا يعني ولا يهدد الرواية، هو فقط زبد البحر الذي لا ينفع بل ولا يضر، إنه يمثل حالة مخاض خاصة ناتجة من تداعيات عديدة منها ازدياد عشوائي من دور الطباعة والنشر، واحتجاب النقد البنّاء والنقاد، وأيضاً عطش و وله أجيال القرّاء القدامى لإبداعات تماثل إبداعات الروّاد الاوائل، جيليّ الخمسينيات والستينيات كمثال، قد نغفل أن ذاك كان عصرهم وكان وقتهم وكانت الرواية – كجنس أدبي حديث لدى العرب – حمل رغبات وطموحات أدباء ونقاد ذاك العصر إلى الإبداع وتعدد التقويم لهذه الإبداعات فبدأ العصر متوهجاً براقاً، بحسب حجم ومساحة الساحة الثقافية وكانت برمتها ساحةً واعدةً ومتهيئة لاستقبال كل جديد، ويقيني هذا الغث الحالي بينه وفيه مطموراً يتنفس على رجاء ...." من أيامٍ كتبت هذا التعليق، عن حال الرواية المصرية والعربية، والتساؤل والقلق الصامت الضّاج من استاذنا ودكتورنا الباحث المتميز والراصد لكل ماهو أصيل ومعاصر في تراثنا الأدبي والفكري د/ يسري عبد الغني . أيامٍ قليلة وكان بين يدي عملاً روائي لعله – بل إني كغيري على يقين أن – مثله لا زال مطموراً، ولكنه يحملُ البشرى أن الرواية تتنفس ولم ولن تحتضر، أتحدث عن رواية "إحتراق الفراشات " للكاتب القدير د/ سليمان عوض . قبل أن نذهب معاً في قراءة سريعة عن الكاتب وروايته "إحتراق الفراشات" سأقتصد في هذه المقدمة بكلمة توصيف لهذا القلق وأسبابه عن الرواية . كان الإنتاج والثراء الإبداعي في عقدي الخمسينيات والستينيات سواءً في مصر أو دولِنا العربية زاخماً بإبداعات مُبدعين روّاد عكفوا على توطيد آفاقٍ من الإبداعات الروائية والقصصية فتعددت معطياتهم ونتاجاتهم فكان عبد الرحمن الشرقاوي "الأرض والشوارع الخلفية"، ونجيب محفوظ "الثلاثية" وما كُتِبَ بعدها قبل وبعد النكسة. وتوفيق الحكيم "عصفور من الشرق" و"عودة الروح وصولاً ليوسف إدريس "الحرام" و "العيب" ومسرحه الحداثي وكذلك من جايلهم ولا نستطيعُ حصرهم، وأيضاً من تبعِهم من مُبدعين في الرواية والقصة والشعر، وكان ذلك مُتزامناً مع نقدٍ مُتميز، ونُقادٍ قيّموا بل وحددوا المعايير الجديدة والإضافات في هذه الإبداعات كشواهدٍ ودلالات على الإبداع في الرواية والقصة المصرية والعربية، وذلك من خلال الدراسات لنقادٍ أمثال د/ محمد مندور- ولويس عوض وعبد القادر القط، وغيرهم كُثر وصولاً إلى رجاء النقاش، و د/ غالي شكري، ومن لا نستطيع حَصرهم في هذه العُجالة إننا كمثقفين لازال بعضُنا لم يُغادر هذا الإبهار، ويعيش في أضوائه وذكرياتهِ، ولا يرى جديدأ يَقربُ مما نعيشُ على ذكراهُ وبالتالي يَصعبُ علينا التقييم الموضوعي للإبداعات الحالية، غافلين حجم وساحة إبداعات تلك الحقبة والعوامل التي تغيرت ومنها كثرة دور النشر، وغياب النقدِ والنقاد، وحالة التشبّع التي وصل إليها بعضنا، وعزوف الشباب عن القراءة، ولجوئهم إلى وسائل الميديا والتواصل الحديثة التي أفرزت محاولات جديدة ومتنوعة ربما لم يَحنَ بعد جني ثمارهم، أقول هذا لأن بين الفترة و الأخرى تصادفني إبداعاتٍ راقية وعلى سبيل آخرها الكاتبة/ سعاد الزامك وأخريات وآخرين بصدد ارتقائهم منصة المبدعين الجُدد بألوانٍ وخصوصياتٍ إبداعية واعدة ربما تكون هذه المقدمة طويلةً نسبياً، لكنها بمثابة إعداد المنصة لرواية جديرة بالطوافِ حولِها و حول فيوضاتِها الإبداعية الظاهرة أو الكامنة لمُبدعنا القدير د/ سليمان عوض "إحتراق الفراشات" عندما أقرأ نصاً أدبياً – رواية أو قصة أو شعراً – لا تستهويني فكرة استدعاء النظريات النقدية، أو المصطلحات الغربية كالتي يشير إليها عزوفاً أستاذنا د/ يسري عبد الغني كالتفكيكية أو البنيوية أوغيرها من المصطلحاتِ النقدية المستوردة من بِيئاتٍ ثقافيةٍ مُغايرةٍ لثقافتنا العربية، ورغبة ً منه – بل ومنا جميعاً و بعض نُقادنا الحاليين كالدكتور/ عزوز إسماعيل و أخرين – في إنشاء مذاهبٍ أو مدارسٍ نقدية مُوازية ومُساوية لِمثيلاتها في الثقافاتِ واللغاتِ الأخرى وليس بالضرورة مُماثلة لها، ذلك أن النص والمُبدع معاً قادرين على طرح رؤى جديرة بالبحثِ و تقصي الظاهر والكامن مِن خلال النص ذاتهُ أو قدرات المُبدع في بناء كيان إبداعي يحتملُ أوجه عديدة للقراءة ومن ثمَ التقويم، والتقييم إحتراق الفراشات الغلاف تتُمثلُ فيه إحدي الفراشات في إندفاعها – وهي مُشتعلة – لِنهايتها المحتومة، بعنوان بكلماتِ العنوان يُمهد لنا الكاتب بهذا العنوان الشائع عن المصير المحتوم، حين تَضطُرِمُ النَار ويتوهج سعِيرُها إيذانا بأن تُلاقي كل الفراشاتِ نَصيبَها المحتوم بالسقوطِ والهلاكِ في النارِ التي كان سياجٌ من الظروف والملابساتِ قدرية أو غير قدرية شيطانية أو إنسيّة، يُحاصرُ هذه الفراشاتِ ويمنعُها من الهرب أو النجاةِ من الأتون المُستعر، الذي ينتظرُ رهافة، ورقّة، وبراءة فراشاتٍ وُلِدَت وجاءت الحياة لنثرِ الحب والأمل والسلام والطُمأنينة والجمال بين البشر والحيوان والنباتِ والجماد في صورةٍ من صورالإعمار مُسترشدة بما أتت به الأديان، وتراث القيم والعادت الأصيلة قبل أن تدهمها أحماض العصرِ وإفرازت شياطين الإنس والجنّ بالأفكارِ والمعتقدات، وتعبيد دروب الهلاك وتزيينِها لِمن حقّت عليهم الضلالة وعدم الهدى واعتناق الهوى بعيداَ عن سبلِ الرشاد و يأتي الإهداء تبياناً عاماً "إلى كل من بحث عن الإيمان فسار في طريق الشيطان إلى كل من بحث عن الهداية فسار في طريق الغواية إليكم جميعاً روايتي " إحتراق الفراشات " يبدأ مُحدّثنا والرواي للأحداث كما سمِعها – دون تقديم لِنفسهِ – عرض نص حديث الفراشة المكلومة وهما في مكتبهِ لنُدرِك في النهاية أنه ضابط شرطة شارك وعايش أحداث نهاية "مذبحة إحتراق الفراشات" بعينيه واعترف بعجزهِ ومن خلال جهاز عملهِ المنوط بهِ أن يوقف قبل أن تبدأ ما إنتهت