وكيل كلية الهندسة للدراسات العليا والبحوث – جامعة بنها – زميل كلية الدفاع الوطني – أكاديمية ناصر العسكرية العليا منذ بداية الدولة المصرية لعبت المرأة دوراً مُهماً في المجتمع المصري، وكان لها مكانة خاصة ودور فعال حيث تساوت مع الرجل وتقلدت أمور السياسة والحكم، فقد حكمت حتشبسوت مصر، وكان لها دور تاريخي في تعضيد أركان الدولة في ميادين الدين والتجارة والسياسة الداخلية والخارجية، وعلى هذا النهج سارت نفرتيتي وكليوباترا .وعندما رزق الله المصرين بدخول الدين الاسلامي عام 20ه نظم بشريعته الغرّاء مكانة المرأة المسلمة عموماً، حيث رد الله للمرأة مكانتها وحقق لها ذاتيتها وشخصيتها المستقلة، وأعطاها من الحقوق ما لم تحظ بها المرأة في العالم المعاصر إلا في القرن العشرين. ولكن رغم كل ما أعطاه الدين الإسلامي وجميع الأديان السماوية من حقوق للمرأة، واجهت المرأة المصرية الكثير من القمع والتهميش لفترات دامت الى قيام الدولة الحديثة في عهد محمد علي، حيث رجع دور المرأة يبرز مرة اخري عندما أنشئت مدرسة الممرضات، حيث كانت النواة الأولى التي مهدت لخروج المرأة المصرية إلى العمل. وفي أوائل القرن العشرين أسست مجموعة من النساء المصريات أول تنظيم غير حكومي للخدمات ليكون ايذاناً بمشاركة أوسع للمرأة المصرية في العمل العام. وفي ثورة 1919 ظهرت المشاركة الإيجابية النسائية في صورة لم يعتدها المجتمع لفترة طويلة، وذلك بخروجها لأول مرة في المظاهرات. ومنذ عام 1919 والمرأة المصرية تناضل للحصول على حقوقها السياسية وحقها في تقلد الوظائف العامة والعليا، وفي الاعتراف بها كقوة انتاجية على قدم المساواة مع الرجل. وقد كانت هناك محاولات على استحياء لتمكين المرأة، منها مثلا تعيين د. حكمت أبو زيد كأول وزيرة للشئون الاجتماعية في مصر عام 1962. واستمر منذ ذلك التاريخ إسناد مناصب وزارية للمرأة في جميع الحكومات المصرية. صحيح أنها كانت قليلة وفي وزارات غير حيوية، لكنها كانت نتيجة لنضالها المستمر ولدعم بعض القيادات السياسية لها. لكن في اخر ست سنوات حصل طفرة نوعية في تمكين المرأة المصرية، فقد أكد الرئيس السيسي على تقديره واحترامه للمرأة حتى قبل أن يحكم، وثمن دورها في 30 يونيو، وأكد أن الوعي والحرص لدى المرأة المصرية جعله يراهن عليها في المظاهرات التي تطالب برحيل النظام الإخواني وأنها ستقود الأسرة للنزول. وقد كان، نزلت في مصر وخارجها تدافع عن وطنها وهويتها. هذا ما دفع القيادة السياسية التأكيد في العديد من المواقف على ضرورة الاهتمام بقضايا المرأة وتوجيه الضوء نحو المشاكل التي تعاني منها، الأمر الذي جعل وللمرة الأولى قضية تمكين المرأة ليست مطلبا فئويا، بل هدفاً عاماً أمام القيادة السياسية للدولة تسعى إلى تحقيقه بشكل كبير ومثمر. وقد جاء دستور 2014 لينصف المرأة وليُرسّخ قيم العدالة والمساواة، فقد اشتمل على أكثر من 20 مادة دستورية لضمان حقوق المرأة في شتى مجالات الحياة. وأقر الدستور بأحقية مشاركة المرأة بمعيار منصف ليصل لنسبة 25% من الشباب والسيدات وهي بما يعادل ربع المقاعد من إجمالي عدد الأعضاء ويعد هذا تقدم مرتفع في تاريخ المشاركة في الحياة العامة للسيدات المصريات لم تشهده من قبل. وبعدها جاء اعتماد الرئيس عبد الفتاح السيسى للإستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2030، لرسم خارطة طريق للحكومة نحو تنفيذ كافة البرامج والأنشطة الخاصة بتمكين المرأة. تلك الاستراتيجية التي أعلن عنها في مناسبة تخصصية عام 2017 (عاما للمرأة المصرية) والذي يعد سابقة تاريخية في مصر، إن انطلاق هذه الاستراتيجية أعاد لمصر مجد الصدارة في الإهتمام بحقوق المرأة، خاصة أنه جاء متوافقا مع أهداف التنمية المستدامة التي أقرها المجتمع الدولي، بما عكس إيمان الدولة قيادة وحكومة بالدور الرائد للمرأة المصرية في النهوض بالمجتمع وضرورة تمكينها. كما أنها كانت إيذاناً بتسريع الخطوات نحو تمكين المرأة، بالإضافة إلى حماية حقوقها الدستورية التي اعتبرها الرئيس " واجبا وطنيا "، وذلك إيمانا منه بأهمية دور المرأة التي تشكل نحو 48.8% من تعداد السكان، ودعمها واعطاءها الفرصة التي تستحقها لإثبات ذاتها ومكانتها وقدرتها على العمل والكفاح من اجل مستقبل ورفعة وطنها. كما أكد الرئيس في أكثر من مناسبة بأنه لن يوقع على قانون ينتقص من حقوق المرأة. كذلك بعد ثورة 30 يونيو وُضعت تشريعات لصالح المرأة منها عقوبة الختان، وتغليظ بعض التشريعات مثل عقوبة التحرش، ووجود قانون يعاقب على التجني على المرأة بشكل من أشكال العنف، وخروج قانون المجلس القومي للمرأة. كما فتحت للمرأة آفاق جديدة لم تتاح لها من قبل، مهدت لها الطريق لمشاركة واسعة النطاق في كافة القطاعات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. مثال ذلك: لأول مرة في تاريخ مصر ربع أعضاء الحكومة من السيدات (8 وزيرات في حكومة واحدة). 90 نائبة تحت قبة البرلمان بالإضافة إلى 6 وكيلات لجان بالبرلمان. تعيين لأول مرة امرأة كمحافظ (البحيرة ودمياط) وتعين نائبات للمحافظ. وتعيين أول نائبة لمحافظ البنك المركزي، ورئيسة لهيئة النيابة الإدارية، ووكيلة محافظ البنك المركزي للرقابة والإشراف على البنوك وقطاع مكتب المحافظ. وارتفاع عدد القاضيات وتعيين سيدات نائبات لرئيس هيئة قضايا الدولة لأول مرة. ومن ضمن أهم المكتسبات تعيين أول مستشارة الأمن القومي لرئيس الجمهورية بعد غياب هذا المنصب أربعين عاما. ولضمان تمكين المرأة اقتصاديا، والذى يندرج تحت مظلته الملايين من النساء المصريات، حققت المبادرات المتواصلة للرئيس نجاحات على المستويين الشعبي والاجتماعي، في إطار سعيه لاتخاذ اللازم من إجراءات الحماية الاجتماعية للحد من الظواهر التي تؤثر سلباً على الاستقرار المجتمعي، فقد أطلقت مصر أكبر برنامج للتضامن الاجتماعي " تكافل وكرامة" تحت عنوان "مصر بلا عوز" لتطوير شبكات الأمان الإجتماعي، كما تم العمل على دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتمثلت الإرادة السياسية بإعلان الرئيس أولويات الدولة المصرية للمشروعات متناهية الصغر ودعم أسر المرأة المعيلة والأسر الفقيرة، كما أتاحت الدولة أيضا خدمات الطفولة المبكرة بما يسمح للأم المصرية بالخروج للعمل. كذلك قامت الدولة بعمل برامج عديدة لدعم المرأة والاسرة المحتاجة، مثل برنامج مستورة لدعم وتمكين المرأة المعيلة عن طريق قروض متناهية الصغر تساعدها كي تصبح عنصراً منتجاً وفاعلاً في المجتمع بدلاً من متلقية للدعم. ومبادرة مصر بلا غارمين وهي مبادرة لسداد ديون الغارمين والغارمات والإفراج عنهم. وبرنامج مودة لتدريب وتعريف الشباب المقبل على الزواج بالطرق الصحيحة لحماية الأسرة ومواجهة ظاهرة تفككها. كذلك قامت الدولة بإنشاء مراكز تنمية المرأة الريفية من خلال إشراكها في مشروعات إنتاجية ومساعداتها في تسويق إنتاجها، ودفعها لاستكمال تعليمها وهي بالمنزل، أو فتح فصول دراسية لمحو أمية النساء اللاتي لم يلتحقن بالتعليم. كل هذا غير إطلاق ثلاث استراتيجيات وطنية هي الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الختان والإستراتيجية الوطنية لمناهضة الزواج المبكر. هذا غير المبادرات التي تهتم بصحة المرأة مثل مبادرة الكشف المبكر على سرطان الثدي وتقديم العلاج للمرضى وهي من أهم المبادرات التي اهتمت بصحة المرأة، على اعتبار أن صحة المرأة تحافظ على المجتمع. الخلاصة ان مصر شهدت خلال الآونة الأخيرة تقدما إيجابيا كبيرا وملحوظا في مجال دعم وتمكين المرأة المصرية، جعل العالم كله يشهد بذلك التقدم، وما يؤكد ذلك اختيار الوزيرة غادة والي بعد اختبارات عديدة ومنافسة شرسة لتتقلد منصب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والمدير التنفيذي لمكتب الأممالمتحدة للمخدرات والجريمة.