ولقد ساعد علي الحياة التكافلية في النوبة الغريقة ..طبيعة الحياة هناك وطبيعة العلاقات التي تربط بين ابناء القرية الواحدة ...فكما ذكرت سابقا فتقريبا جميع اهل القرية اقارب وينتسبون لقبيلة واحدة وأقرب الاقارب كانوا يسكنون في شارع واحد بل في نجع واحد . وبالتالي لم يكن احد يهنأ بطعام بدون جاره وكنا والجيران دائما نتناول طعامنا معا وقد كانوا يشعرون ببعض وكانت جدتي تضع (الفالكا) قصعة الطعام الخزفية علي رأسها وتقول (حنروح) نتغدي مع فلانة النهاردة .. وهكذا .. وحتي ملابسنا هناك كانت تقريبا واحدة فلم يكن هناك فرق بين ما يلبسه العمدة او الغفير والصبية كانوا يرتدون الجلابيات من قماش الزفير والكبار من قماش البوبلين ..وحتي الطعام تقريبا كان واحدا وكان مألوفا ان تجد العمدة يتناول طعامه مع الخفر ..فلم تكن هناك فوارق اجتماعية ظاهرة .. وممكن وكما اسلفت طبيعة الحياة هناك ساعد علي ترسيخ التكافل حيث المجتمع كان مجتمعا لم يعرف المدنية الزائفة غير البريد والتلغراف فلا كهرباء ولا طرق مسفلته ولا سيارات وبالتالي لااجهزة ..فمن كان يحلب بقرته لايستطيع الاحتفاظ بالحليب فترة طويلة فكان يقوم بتوزيعها علي جيرانه ومن كان يذبح كان يحتفظ ببعض اللحم علي هيئة ما كان يسمي (اسللاد) اي طهي اللحم بطريقة خاصة كانت تتحدي العفن والفساد ..والباقي كان يتم توزيعه ... واذكر ان اسرتي (الوالد والوالدة وشقيقاتي) كانت تقيم في القاهرة وكانوا يرسلون لي طرد يحتوي علي كل شئ وخاصة تلك التي لم تكن متوفرة في النوبة الغريقة واذكر ان جدتي كانت تقوم بتوزيع محتوي الطرد علي الجيران الذين هم اقاربنا وتحتفظ بالجزء اليسيرلنا .. وكذلك كان يفعل جيراننا نفس الشئ حينما يرد لهم طرد من القاهرة او الاسكندرية .واذكر ان جدي رحمه الله لم يكن يرد احدا يدخل دكانه سواءا كان معه نقودا ام لا واذكر انه كان يقبل المقايضه . واتذكر ان سيده جاءت ومعها ثلاث بيضات لشراء جاز او كيروسين وكان ثمن الثلاث بيضات في ذلك الوقت تساوي قرش صاغ وقلت لجدي عندنا بيض كتير في البيت فنهرني بشده وكأنه يقول لي لا تتدخل فيما لايعنيك وفي نفس الوقت رسالة عرفت محتواها فيما بعد رحمه الله...حياتنا كانت قائمة علي محبة وتعاون وتكافل كاملة..... يحيي صابر