وكانت من امتع الأوقات التي كنا نقضيها في النوبةالغريقة (العصرية)اي بعد صلاة العصر مباشرة حيث كنا نجتمع ونحن صبية عند جرف النيل نلهو ونسبح عرايا تماما مستغلين التيار القوي بالغوص فيه والخروج في مكان اخرمرددين (الليلة واكي) ولم نكن نخرج من النيل إلا علي اصوات الاهل تنبهنا للعودة الي البيوت وكانت مياه (الدميرة) اي الفيضان كانت تأتي الينا محملة بالطمي او الغرين وكانت صفحة النيل تكتسي باللون البني الفاتح من جراء ذلك ومع هذا كنا نشرب ولا نبالي وكانت الازيار في البيوت تقوم بعملية التنقية .. وها شمس الآصيل باتت تلملم خيوطها وحمرتها تكسوالوادي والبيوت وتنسحب رويدا رويدا وجمال حمرتها تبدو واضحة علي قمم الجبال الشاهقة وكانها المشاعل المتناثرة هنا وهناك تنبهنا بضرورة العودة الي البيوت حاملين معنا العلف لمواشينا لان اليوم كان ينتهي بغروب الشمس بالنسبة للصبية امثالي وتستعد الاسر بطبخ طعام العشاء وفور انتهاء صلاة العشاء حيث تكتسي القرية حلة سوداءكنا نتناول طعام العشاء علي ضؤ لمبة الجاز .. والرجال كانوا يجتمعون في مضيفة جدي والنساء امام البيوت فوق المصاطب في الصيف اتقاءا من العقارب وافتراشا الارض شتاءا واشعال الحطب للتدفئة (ايكا كاكينتاني ) وكنت انا وابن عمتي (انور ابراهيم ) نتوسد ارجل جداتنا وكانت جدتي تقوم بتغطيتي بالشال الصوف الخاص بها وكنا نسمع تسامرهن وحكايتهن والتجاوز من بعضهن كحال كل النساء في كل زمان وكل مكان علي اساس اننا صبية ونيام وسمعت واستمتعت بقصص وروايات واحداث واسرار لايمكنني ان ابوح بها وستبقي في ذاكرتي وستدفن معي وهذه طبيعة تربينا عليها فليس كل ما نسمعه قابلة للنشر . وكذلك كل ما نشاهده . ولا زلت اتذكر حينما تناولت طعاما عند احد اقاربي واردت ان اقول لجدتي ماذا تناولت فنهرتني بشدة وقالت اياك ان تقول ماذا اكلت عند احد وماذا رأيت في بيوتهم ويبدو ان هذه الخاصية ترسبت في داخلي حتي الآن فلم انقل شيئا يمكنه ان يتسبب في خصومة او عداوة وحتي اثناء فترة عملي في القطاع العام ورغم الصراعات الخفية ورغم قربي من من كان يملك اتخاذ القرار وثقته في رأيي لم انقل له شيئا يضر زميل والله علي اما اقول شهيد وعندما كنت في السعودية طلبت علاوة لاحد زملائي فقال لي صاحب العمل سبحان الله انت تطلب له علاوة وهويتكلم عليك فقلت له (معلش) كل اناء ينضح بما فيه .. وقد حملني البعض من الاقارب رسائل لو كنت نقلتها كما هي كنت تسببت في احداث شروخ في العلاقات قد تصل الي القطيعة بين عائلات احبهم وتربطنا بهم صلة الرحم .. والحمدلله علي هذه النعمة....يحيي صابر