رابط نتيجة وظائف البريد المصري لعام 2025    هل يقود حسن عبد الله اجتماع البنك المركزي القادم؟    أسعار الذهب في مصر اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025    ارتفاع سعر اليورو اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025 أمام الجنيه بالبنوك المصرية    ارتفاع مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات جلسة الإثنين    11 شهيدا بنيران جيش الاحتلال في غزة منذ فجر اليوم    قوات الاحتلال تعتقل 12 فلسطينيا من محافظة بيت لحم    الخارجية الفلسطينية ترحب بقرار أستراليا منع عضو بالكنيست من دخول أراضيها 3 سنوات    استشهاد 4 فلسطينيين فى غزة.. واعتقال ما لا يقل عن 49 من الضفة الغربية    موعد مباراة النصر والاتحاد في كأس السوبر السعودي    النيابة تأمر بضبط وإحضار المتهمين بقتل سائق توك توك في السلام    المصابتان في حادث مطاردة الفتيات بطريق الواحات يحضران أولى جلسات محاكمة المتهمين    محافظ المنوفية يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية الدور الثانى بنسبة نجاح 87.75%    إخماد حريق داخل منزل فى البدرشين دون إصابات    انطلاق الموسم الخامس من مسابقة «مئذنة الأزهر للشعر العربي» وتخصيصه لدعم القضية الفلسطينية    نشأت الديهي: شباب مصر الوطني تصدى بكل شجاعة لمظاهرة الإخوان فى هولندا    نشأت الديهى: أنس حبيب طلب اللجوء لهولندا ب"الشذوذ الجنسي" وإلإخوان رخصوا قضية غزة    مجرد أساطير بلا أساس علمي.. متحدث الصحة عن خطف الأطفال وسرقة أعضائهم (فيديو)    طب قصر العيني تبحث استراتيجية زراعة الأعضاء وتضع توصيات شاملة    نصائح لحمايتك من ارتفاع درجات الحرارة داخل السيارة    للأسبوع الثالث .. تخفيضات الأوكازيون الصيفي 2025 تنتشر فى الأسواق    بكم العدس والفاصوليا؟.. أسعار البقوليات في أسواق الشرقية اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    حكيم يشعل أجواء الساحل الشمالي الجمعة المقبلة بأجمل أغانيه    "2 إخوات أحدهما لاعب كرة".. 15 صورة وأبرز المعلومات عن عائلة إمام عاشور نجم الأهلي    دعه ينفذ دعه يمر فالمنصب لحظة سوف تمر    كل ما تريد معرفته عن مسابقة توظيف بريد الجزائر 2025.. الموعد والشروط وطريقة التسجيل    مصرع سيدة في حادث سير ب شمال سيناء    مراد مكرم عن رحيل تيمور تيمور: «مات بطل وهو بينقذ ابنه»    مصرع مواطن صدمه قطار أثناء مساعدته لسائق ميكروباص مصاب في أسوان    رئيس الأركان الإسرائيلي يصادق على خطط احتلال غزة: معركة طويلة متعددة الجبهات    إساءات للذات الإلهية.. جامعة الأزهر فرع أسيوط ترد على شكوى أستاذة عن توقف راتبها    أرتفاع الحديد.. أسعار مواد البناء اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    ترامب يهاجم وسائل الإعلام الكاذبة بشأن اختيار مكان انعقاد قمته مع بوتين    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    قد يكون مؤشر على مشكلة صحية.. أبرز أسباب تورم القدمين    الرئيس اللبناني: واشنطن طرحت تعاونًا اقتصاديًا بين لبنان وسوريا    "لا يصلح"... رضا عبدالعال يوجه انتقادات قوية ليانيك فيريرا    أحمد شوبير يكشف موعد عودة إمام عاشور للمشاركة في المباريات مع الأهلي    رئيس "حماية المستهلك": وفرة السلع في الأسواق الضامن لتنظيم الأسعار تلقائيًا    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025 في القاهرة والمحافظات    تعليم الإسكندرية يتابع المنهج المطور لمادة العلوم للصف الأول الإعدادي    احتجاجات غاضبة أمام مقر نتنياهو تتحول إلى مواجهات عنيفة    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    أوسيم تضيء بذكراه، الكنيسة تحيي ذكرى نياحة القديس مويسيس الأسقف الزاهد    بدء اختبارات كشف الهيئة لطلاب مدارس التمريض بالإسكندرية    التحقيق في مقتل لاعبة جودو برصاص زوجها داخل شقتهما بالإسكندرية    أمير هشام: الأهلي سيقوم بتحويل قيمة جلب حكام اجانب إلى الجبلاية    حضريها في المنزل بمكونات اقتصادية، الوافل حلوى لذيذة تباع بأسعار عالية    السكة الحديد: تشغيل القطار الخامس لتيسير العودة الطوعية للأشقاء السودانيين    أشرف صبحي يجتمع باللجنة الأولمبية لبحث الاستعدادات لأولمبياد لوس أنجلوس    أمسية دينية بلمسة ياسين التهامى فى حفل مهرجان القلعة    وزير الثقافة ومحافظ الإسماعيلية يفتتحان الملتقى القومي الثالث للسمسمية    مواجهة مع شخص متعالي.. حظ برج القوس اليوم 18 أغسطس    بداية متواضعة.. ماذا قدم مصطفى محمد في مباراة نانت ضد باريس سان جيرمان؟    رضا عبد العال: فيريرا لا يصلح للزمالك.. وعلامة استفهام حول استبعاد شيكو بانزا    تنسيق الثانوية العامة 2025 المرحلة الثالثة.. كليات التربية ب أنواعها المتاحة علمي علوم ورياضة وأدبي    هل يجوز ارتداء الملابس على الموضة؟.. أمين الفتوى يوضح    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطّائفيّة وارتداداتها في العقلية والسّلوك اليوميّ
نشر في شموس يوم 04 - 01 - 2020

من الإشارات الّتي تؤكّد أنّنا ما زلنا دون مستوى التقدّم العلميّ والإنسانيّ بشكل عامّ، حديث غالبيّتنا عن الطّوائف والمذاهب. فهذا الفكر المنغمس في القوقعة والعبوديّة لشعارات سخيفة تبرهن على ثقافة المجتمع الّتي يمكن أن نسمّيها ثقافة التّفاهة. فالّذين ما زالوا ينتفضون ويتجمهرون كلّما أحسّوا بخطر اهتزاز عرش الطّائفة يعبّرون عن جهل مقيت حتّى وإن كانوا يعتدّون بعلمهم وثقافتهم. فالمسألة سطحيّة وتعبّر عن عقل فارغ إلّا من الاستعداد لفعل أيّ شيء من أجل المحافظة على الطّائفة والعقيدة. ولئن غرق العقل في مستنقع التّعصّب الطّائفيّ والمذهبيّ تعذّر عليه تبيّن عناصر التّقدّم الفكريّ؛ لأنّه منشغل دائماً في البحث عن دفاع واهم عمّا يمكن تسميته بالحصن الطّائفيّ. وفي كلّ مرّة يعبّر الإنسان عن دفاعه عن طائفته، فذاك يعني أنّ طائفته ملجأه الوحيد، وأنّه لا يملك قراراً ذاتيّاً ومنطقاً سليماً يمكّنه من اتّخاذ قرارته الشّخصيّة بمعزل عن سجن الطّائفة. ولا ريب في أنّ مبدأ التّعصّب يترادف والجهل. فالمتعصّب شخص جاهل لعمق المفاهيم ومتعلّق بالقشور. يتصرّف بردّات فعل غرائزيّة دعمها الجهل واستدعى قعر الدّائرة الإنسانيّة، فيستخدم أبشع الوسائل لما يعتقده دفاع عن الطّائفة.
لو بحثنا في تاريخ نشوء الطّوائف لوجدنا أنّها نتجت عن خلافات ونزاعات ونتج عنها أحقاد تأصّلت في النّفس، وقتال بغيض تربّى من خلاله الإنسان على العنف أدّى إلى إراقة الدّماء من أجل اللاشيء. ولا نجد في الانشقاقات الطّائفيّة إلّا استئثاراً بالعقل الإنسانيّ وتحكّماً بقدراته الفكريّة وإغراقه بالمزيد من الجهل. هذا الاختراع الإنسانيّ الفاشل الّذي هو الطّائفة يعيق التّقدّم الإنسانيّ فيتعثّر في مساره الطّبيعيّ في النّموّ والتّطوّر ويجعله أسير المتمسّكين بهذا الاختراع، ليستحكموا ويتحكّموا ويغذّوا الفكر الإنسانيّ بمبدأ العداء للآخر فيعزّزوا الصّراعات والخلافات المؤدّية إلى مزيد من الانشقاقات. فالإنسان المتعصّب طائفيّاً عدائيّ في عمقه وفي أسلوب تفكيره وفي سلوكه تجاه الآخر المختلف عنه حتّى وإن تحدّث ونادى بشعارات التّخلّي عن الطّائفة. كما أنّه يُعلي الطّائفة على الانتماء الدّينيّ، لأنّه يجهل المعنى العميق للرّسالة الدّينيّة. فهو ضمناً يدافع عن جماعة يعتقد أنّها تؤمّن له الأمان؛ لأنّه غير قادر على الاندماج في مفهوم المجتمع الّذي ينطلق من مساهمة الفرد في تقدّمه وتطوّره. وهو غير فاعل في هذا المجتمع، لأنّه يسعى عبر طائفته للانخراط فيه، ما يؤدّي إلى خلل يضرّ بالمصلحة العامّة. فالطّائفة أو المجموعة الطّائفيّة تسعى للمصلحة الخاصّة وللحماية الخاصّة. وفي خضمّ الأزمات تتقوقع على ذاتها أكثر فأكثر وتخلق حصوناً إضافيّة فيتباعد أفراد المجتمع حدّ اغتراب الواحد عن الآخر. فتعيش مجموعات مختلفة ضمن المجتمع الواحد. وكلّ حديث عن تخلٍّ عن الطّائفة غير مرتبط بالوعي الثّقافيّ والفكريّ شعارات ما تلبث أن تذوي مع أوّل خلاف.
يفترض التّخلّي عن الطّائفة وعياً بالمفهوم الإنسانيّ والمفهوم الإيمانيّ على حدّ سواء. في ما يخصّ المفهوم الإنسانيّ وجب تعزيز الوعي وإرسائه على جميع المستويات، وإعادة بناء مفهوم الانتماء، والتّحرّر من الخوف المتجذّر في الفكر والنّفس من الآخر، وإعادة بناء الوعي الإنسانيّ المعتمد على المنطق والفهم والقدرة على إبداء الرأي بشكل شخصيّ وبمعزل عن الزّعيم الإله. ما يقودنا إلى إعادة بناء مفهوم الإيمان. فالزّعيم الطّائفيّ إله الشّخص الطّائفيّ؛ كلامه منزل وشخصه منزّه وقراراته لا جدال فيها، ما يعني أنّ الشّخص الطّائفيّ غارق في عبوديّة الجهل الإيمانيّ حتّى وإن ادّعى التّديّن والالتزام الدّينيّ. كما أنّه منغمس في ازدواجيّة مخيفة. يعبد إلهاً من منطلق دينيّ ويعبد إلهاً آخر من منطلق طائفيّ، ويكون الولاء للإله الثّاني أقوى وأشرس. وتكون العبادة لإله الطّائفة عبادة مطلقة، وكأنْ لا مثله شيء، وكأنّ خلاصه لا يأتي إلّا منه.
بالمقابل يعزّز الفكر الطّائفي فكرة الإعلاء الوهميّ للذّات، فيتهيّأ للشّخص الطّائفي أنّه دائماً على حقّ، وأنّه معرّض دائماً للاضّطهاد. وكلّ فكرة أو حديث يهدّد طائفته حرب معلنة عليه، فيتشدّد ويستعد دوماً للدفاع عن نفسه انطلاقاً من الدّفاع عن الطّائفة. وأمّا إله الطّائفة فجالس على عرشه، لا تهمّه طائفة ولا يبالي لمفهوم إنسانيّ أو إيمانيّ. كلّ ما يكترث له المزيد من تأجيج الصّراعات والنّزاعات ليضمن بقاءه وربّما خلوده.
“ويل لأمّة تكثر فيها المذاهب والطّوائف وتخلو من الدّين” (جبران خليل جبران)، فهذه الأمّة المتخمة بالطّوائف، المترعة بالأفكار المتشدّدة والمتعصّبة، أشبه بمعتقل للإنسانيّة، لأنّها تسهم في قمع الفكر والتّقدّم وتعزّز الصّراعات وإهدار الدّماء واستدعاء الموت من أجل “لا شيء”. والتّاريخ الطّائفيّ حافل بالمجازر والعنف المدمّر والحقد الأعمى.
من المؤسف، بل من المعيب أنّنا ما زلنا نتحدّث عن النّزاعات والصّراعات الطّائفيّة في حين أنّ العالم يتقدّم علميّاً وفكريّاً وثقافيّاً. يبدو أنّنا ما زلنا في القعر، ولا نملك إلّا أن نسلّط الضّوء بكثافة على هذا المرض المزمن، لعلّنا نعالجه بإعمال المنطق والعقل، وتهذيب الفكر والنّفس، والتّثقيف العام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.