(أرِحْ نَفْسَك من التدَبير، فما قام به غيرُك عنك لا تقُمْ به أنت لنفسك) التدبير في اللغة: هو النظر في الأمور وأواخرها. وفي الاصطلاح: هو كما قال الشيخ زروق رضي الله عنه: تقدير شئون يكون عليها في المستقبل بما يخاف أو يرجى بالحكم لا بالتفويض، فإن كان مع تفويض وهو أخروي فنية خير، أو طبيعي فشهوة، أو دنيوي فأمنية. إن التدبير على ثلاثة أقسام: قسم مذموم، وقسم مطلوب، وقسم مباح. فأما القسم المذموم: فهو الذي يصحبه الحزم والتصميم سواء كان دينياً أو دنيوياً لما فيه من قلة الأدب وما يتعجله لنفسه من التعب، إذ ما قام به الحي القيوم عنك لا تقوم به أنت عن نفسك، وغالب ما تدبره لنفسك لا تساعده رياح الأقدار، وتعقبه الهموم والأكدار، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله جعل الروح والراحة في الرضى واليقين)، وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي: (لا تختر من أمرك شيئاً، واختر أن لا تختار، وفر من فرارك، ومن كل شيء إلى الله تعالى. (وربك يخلق ما يشاء ويختار). وقال أيضاً: إن كان ولا بد من التدبير فدبر أن لا تدبر، وقيل: من لم يدبر دبر له. أما القسم المطلوب، فهو تدبير ما كلفت به من الواجبات، وما ندبت إليه من الطاعات، مع تفويض المشيئة والنظر إلى القدرة، وهذا يسمى بالنية الصالحة. وقد قال عليه الصلاة والسلام: نية المؤمن خير من عمله. وقال أيضاً حاكياً عن الله سبحانه: (إذا هم عبدي بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة)، وهذا مفهوم قول الشيخ فما قام به غيرك، إذ ما لم يقم به عنك وهو الطاعة لا يضرك تدبير. وأما القسم المباح: فهو التدبير في أمر دنيوي أو طبيعي، مع التفويض للمشيئة والنظر لما يبرز من القدرة، غير معول على شيء من ذلك، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم: (التدبير نصف العيش). بشرط أن لا يردده المرة بعد المرة، فالقدر المباح منه هو مروره على القلب كالريح يدخل من طاق ويخرج من أخرى، وهذا هو التدبير بالله، وهو شأن العارفين المحققين. وعلامة كونه بالله أنه إذا برز من القدرة عكس ما دبر لم ينقبض ولم يضطرب.