والطعام لم يكن يشكل اي مشكلة لأي انسان في النوبة الغريقة فلم يكن هناك بيت يخلو من الدواجن والبط والوز والارانب والحمام وكذلك المواشي ولكن الابقار كانت في بيوت محدودة بالاضافة الي ان الارض الطيبة كانت تهبنا ما لذ وطاب من خيراته وكان الغالبية يطبخون (الاتر) الذي كان يطبخ من ورق البسلة الرفيعة (اوري) او اللوبيا الرفيعة (دينغتي) وكان يطلق عليه (غانتي ) وذلك بعد اضافة مسحوق البامية الجاف وفي الحقيقة كان يعتبر غذاء العامة وهو غذاء صحي للغاية وحتي الان يطبخ في البيوت النوبية سواءا في النوبة المستنسخة او في المدن وفي خارج البلاد ايضا وشخصيا احب (الاتر) وخاصة في شهر رمضان لانه خفيف علي المعده وكذلك في العشاء مع البيض المقلي ..والخضروات مثل الكوسا والباذنجان والفاصوليا فكانت متوفرة ايضا اما الملوخية فقد كان ينمو وبكثرة بدون تدخل بشري وكنا نقوم بتجفيفه وبطريقة مختلفة عن تلك التي تباع في الاسواق ولكن البطاطس لم تكن تزرع في النوبة الغريقة .. كان يباع في المحلات وجدي رحمه الله كان يستورد منها من اسوان واحيانا كنا نستهلك معظمها وكان العفن يصيب بعضها من عدم الاقبال عليه لانه من النادر اننا كنا نشتري ما ناكله والبطاطس كان يقبل عليه الموظفين فقط ..وقبل المشاريع الزراعية كان الشتاء يمثل مشكلة حيث تغمر مياه النيل اراضينا الزراعية وبالتالي كنا نلجأ الي ما حفظناه من الاطعمة بالتجفيف مثل البامية بعد سحقه وكان يسمي (توربي) وايضا كنا نقوم بتجفيف الطماطم ثم طحنه وتنعيمه ويذاب ملعقة منه في نصف كوب ماء ويضاف عند الطبخ ..وما من مائدة كانت تخلو من اللحوم الداجنة والحمام والفطار دائما كان من البيض مع الفول لانه متوفر او من الشعيرية التي كانت تصنع يدويا من دقيق القمح بعد اضافة الحليب والسكر والزبد اما العشاء فكان اما فتة من شوربة الحمام وطبعا الحمام المحمرولم يكون معروفا الحمام المحشي بالفريك رغم ان الفريك كان متوفر وبكثرة وفتة اللبن الرايب مع السكر كان مفضلا للكثيرين في العشاء وقد كان ذلك خفيفا للغاية علي المعدة وكما اشرت من قبل الاسماك لم تكن من الوجبات التي كنا نقبل عليها ولم تكن سيد المائدة كما هو الحال في المدن الساحلية ولم تكن من الاشياء التي كنا نقدمها في (العزايم) لضيوفنا وقد يكون السبب في ذلك رائحة السمك بالاضافة الي انه كان متاحا للجميع وبدون قيمة ومن العيب ان نقدم للضيوف ما ليس له قيمة ….#يحيي_صابر