الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
25 يناير
الأخبار
الأسبوع أونلاين
الأهالي
الأهرام الاقتصادي
الأهرام العربي
الأهرام المسائي
الأهرام اليومي
الأيام المصرية
البداية الجديدة
الإسماعيلية برس
البديل
البوابة
التحرير
التغيير
التغيير الإلكترونية
الجريدة
الجمعة
الجمهورية
الدستور الأصلي
الزمان المصري
الشروق الجديد
الشروق الرياضي
الشعب
الصباح
الصعيد أون لاين
الطبيب
العالم اليوم
الفجر
القاهرة
الكورة والملاعب
المراقب
المساء
المستقبل
المسائية
المشهد
المصدر
المصري اليوم
المصريون
الموجز
النهار
الواقع
الوادي
الوطن
الوفد
اليوم السابع
أخبار الأدب
أخبار الحوادث
أخبار الرياضة
أخبار الزمالك
أخبار السيارات
أخبار النهاردة
أخبار اليوم
أخبار مصر
أكتوبر
أموال الغد
أهرام سبورت
أهل مصر
آخر ساعة
إيجي برس
بص وطل
بوابة الأهرام
بوابة الحرية والعدالة
بوابة الشباب
بوابة أخبار اليوم
جود نيوز
روزاليوسف الأسبوعية
روزاليوسف اليومية
رياضة نت
ستاد الأهلي
شباب مصر
شبكة رصد الإخبارية
شمس الحرية
شموس
شوطها
صباح الخير
صدى البلد
صوت الأمة
صوت البلد
عقيدتي
في الجول
فيتو
كلمتنا
كورابيا
محيط
مصراوي
مجموعة البورصة المصرية
مصر الآن
مصر الجديدة
منصورة نيوز
ميدان البحيرة
نقطة ضوء
نهضة مصر
وكالة الأخبار العربية
وكالة أنباء أونا
ياللاكورة
موضوع
كاتب
منطقة
Masress
استمرار إضراب محامي 9 نقابات فرعية لليوم الثاني احتجاجًا على زيادة الرسوم القضائية
فرق طبية للحالات الطارئة.. انتظام امتحانات الفصل الدراسي الثاني بجامعة الإسكندرية -صور
الكاتب الصحفي كامل كامل: تقسيم الدوائر الانتخابية يضمن العدالة السياسية للناخب والمرشح
بدر الدين للبترول تستهدف ضخ 350 مليون دولار استثمارات خلال 2025-2026
الإحصاء: 2.1 مليار دولار صادرات مصر لأعلى خمس دول خلال فبراير 2024
محافظ الفيوم يوجه بتوفير مساعدات مالية ومعاشات للحالات الأولى بالرعاية بلقاء خدمة المواطنين
المركزي يتوقع تباطؤ متوسط التضخم العام بين 14% و15% في 2025
أبو الغيط: نقدر دعم الصين للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني
إيران: شرط أمريكي يهدد بفشل المحادثات النووية
أمر ملكي بإعادة تشكيل مجلس الخدمة العسكرية في السعودية
إعلان الأهلي الأخير.. لميس الحديدي: إيه المشكلة شوية تحفيل.. خلوا روحكم رياضية
سيراميكا: لا نمانع إلغاء الهبوط.. ولكن هل سيُطبق الأمر نفسه على أندية الشركات؟
وزير الرياضة يُشيد بتنظيم البطولة الأفريقية للشطرنج ويعد بحضور حفل الختام
وكيل تعليم قنا يتفقد سير امتحانات الثانوي بقفط الثانوية المشتركة
إخلاء سبيل مشجع نادي مالية كفر الزيات بضمان مالي ألف جنيه
بسبب مشاجرة أطفال.. الإعدام ل3 متهمين والسجن لرابع في جريمة ثأر بأسيوط
احتفاء باليوم العالمي للمتاحف.. فعاليات ثقافية وتوعوية متنوعة بثقافة الفيوم
رئيس الوزراء يتابع مشروعات صندوق التنمية الحضرية وخطط تطوير القاهرة التاريخية
وزير الصحة يتسلم من منظمة الصحة العالمية شهادة قضاء مصر على انتقال جميع طفليات الملاريا البشرية دخل حدود البلاد
وزير الإسكان يشارك في افتتاح معرض ومؤتمر عُمان العقاري وأسبوع التصميم والبناء العشرين
حبس طرفى مشاجرة عنيفة بمنطقة المطرية
السعودية: إطلاق المعرض التفاعلي للتوعية بالأمن السيبراني لضيوف الرحمن
إيلي كوهين اللغز في الحياة والممات.. ومعركة الأرشيف والرفات
المجلس الأوروبي: عقوبات جديدة ضد روسيا إذا لم توقف العدوان على أوكرانيا
داكوتا جونسون تتألق في جلسة تصوير Splitsville بمهرجان كان (صور)
«لا نقاب في الحرم المكي».. عضو مركز الأزهر توضح ضوابط لبس المرأة في الحج
الفجر بالإسكندرية 4.19.. جدول مواعيد الصلوات الخمس في محافظات مصر غداً الثلاثاء 20 مايو 2025
روسيا تحظر منظمة العفو الدولية وتصنفها" منظمة غير مرغوب فيها"
وقفة عيد الأضحى.. فضائلها وأعمالها المحببة وحكمة صيامها
بينهم أم ونجلها.. إصابة 3 أشخاص في تصادم ملاكي وتوك توك بطوخ
رئيس الطائفة الإنجيلية: الاحتفال بمرور 17 قرنًا على مجمع نيقية يعكس روح الوحدة والتقارب بين الكنائس الشرقية
توسعات استيطانية بالضفة والقدس.. الاحتلال يواصل الاعتقالات وهدم المنازل وإجبار الفلسطينيين على النزوح
تنطلق يوليو المقبل.. بدء التسجيل في دورة الدراسات السينمائية الحرة بقصر السينما
إلهام شاهين عن المشروع X: فيلم أكشن عالمي بجد
محافظ الدقهلية يكرم عبداللطيف منيع بطل إفريقيا في المصارعة الرومانية
رئيس الوزراء الهندي يشن هجوما لاذعا ضد باكستان
وزيرة البيئة تشارك في فعاليات المعرض العربي للاستدامة
مجلس الوزراء: لا وجود لأي متحورات أو فيروسات وبائية بين الدواجن.. والتحصينات متوفرة دون عجز
قوافل طبية متكاملة لخدمة 500 مواطن بكفر الدوار في البحيرة
وزير الثقافة يجتمع بلجنة اختيار الرئيس الجديد لأكاديمية الفنون
«الشيوخ» يستعرض تقرير لجنة الشئون الاقتصادية والاستثمار
الزمالك يُنفق أكثر من 100 مليون جنيه مصري خلال 3 أيام
تعرف على طقس مطروح اليوم الاثنين 19 مايو 2025
ضبط 5 أطنان أرز وسكر مجهول المصدر في حملات تفتيشية بالعاشر من رمضان
"تبادل الاحترام وتغطية الشعار".. كوكا يكشف سر مشاركته في الجولة الأخيرة من الدوري الفرنسي
بعد تشخيص بايدن به.. ما هو سرطان البروستاتا «العدواني» وأعراضه
مسابقة الأئمة.. كيفية التظلم على نتيجة الاختبارات التحريرية
صندوق النقد يبدأ المراجعة الخامسة لبرنامج مصر الاقتصادي تمهيدًا لصرف 1.3 مليار دولار
"الإدارة المركزية" ومديرية العمل ينظمان احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية
محافظ الإسماعيلية يتابع انطلاق فوج حجاج الجمعيات الأهلية للأراضى المقدسة
أسطورة مانشستر يونايتد: سأشجع الأهلي في كأس العالم للأندية 2025
نائب وزير الصحة يتابع ميكنة خدمات الغسيل الكلوي ومشروع الرعايات والحضانات
قبل أيام من مواجهة الأهلي.. ميسي يثير الجدل حول رحيله عن إنتر ميامي بتصرف مفاجئ
على فخر: لا مانع شرعًا من أن تؤدي المرأة فريضة الحج دون محرم
فرنسا تدعو اسرائيل لإدخال المساعدات إلى غزة دون عائق
أحكام الحج والعمرة (2).. علي جمعة يوضح أركان العمرة الخمسة
نجل عبد الرحمن أبو زهرة لليوم السابع: مكالمة الرئيس السيسي لوالدي ليست الأولى وشكلت فارقا كبيرا في حالته النفسية.. ويؤكد: لفتة إنسانية جعلت والدي يشعر بالامتنان.. والرئيس وصفه بالأيقونة
هل يجوز أداء المرأة الحج بمال موهوب؟.. عضوة الأزهر للفتوى توضح
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
الانزياحُ والتّغريبُ في ديوان (سلامي لكَ مطرًا)/ للشّاعرة: آمال عوّاد رضوان
كريم عبد الله
نشر في
شموس
يوم 11 - 03 - 2019
تحتَ الضّغوطاتِ وبسببِ المِحَنِ وتراكُمِ الآهاتِ، يلجأُ الإنسان إلى طرقٍ عديدةٍ للتّفريغِ عمّا يَعتريهِ، أو يبتكرُ عالَمًا آخرَ مِن الخيالِ، بعيدًا عن الواقع المأزوم، ليهربَ إليه، أو يسقطُ صريعًا تحتَ وطأةِ المُعاناةِ النّفسيّةِ، تجلدُهُ سياطُ الصّعوباتِ والآلام، فإنّ ما يُعانيهِ الإنسان في هذا الواقعِ وصِراعِهِ المستمرّ، سينعكسُ أثرُهُ في عالمِهِ الدّاخليّ، وسيظلّ يبحثُ عن نافذةٍ، مِن خلالِها يُعبّر عن هذه الصّراعاتِ وغليانِها بشتّى الطُّرقِ والأساليب، فتكونُ هناكَ في أعماقِهِ مشاعرُ مُتأجّجةٌ، وعواطفُ مُتدفّقةٌ مُستترةٌ في النّفس، ولا بدّ من عمليّةِ تفريغٍ يُمارسُها للخلاصِ مِن هذهِ الشّحناتِ السّلبيّة، وبطُرُقٍ خلّاقةٍ، يُحاولُ مِن خلالِها أن يجدَ نفسَهُ في هذا الكون، ويُحقّقَ ما يصبو إليه.
هنالكَ طُرُقٌ عديدةٌ وقابليّاتٌ مختلفةٌ يُمارسُها الإنسانُ مثل: الرّسم، الموسيقا، النّحت، الرّقص، الرّياضة، الكتابة، والشّعرِ بالخصوص لإثباتِ الذّات، وتفريغًا لكلّ ما يَعتريهِ، فالشّعرُ يحتاجُ إلى موهبةٍ حقيقيّةٍ، وفطرةٍ نقيّةٍ في روحٍ تتسامى دومًا على كلّ هذا الخرابِ والقُبحِ، وبالإمكانِ صقلُ الموهبةِ عن طريقِ التّجربةِ الشّخصيّةِ، والتّراكُمِ الثقافيِّ والمعرفيِّ لدى الشّاعر، حينها يستطيعُ الشّاعرُ إعادةَ تشكيلِ الواقعِ المريرِ، وتصويرَهُ بأبهى صورةٍ، ويحاولُ مِن خلالِهِ ردْمَ الخرابِ، وأن يرفعَ صوتَهُ عاليًا بوجهِ الطّوفانِ والظلام، فيرسمُ الجَمالَ والسّلامَ على هذهِ الأرض.
إنّ قيمةَ الشّاعرِ الحقيقيِّ بقيمةِ ما يُقدّمُهُ للمُتلقّي، فهو رسولٌ بعثَهُ اللهُ لنشْرِ المَحبّةِ والخيرِ، رسالتُهُ الكلمةُ الصّادقةُ النّابعةُ مِنَ الذّاتِ النقيّةِ، فعليهِ أن يُنمّي الإنسانَ في داخلِهِ، وأن يُطوّرَ تفكيرَهُ، حتّى يستطيعَ الغوْصَ عميقًا، ويستخرجَ الكنوزَ مِن أعماقِهِ،
وإلباسِها حُلّةً جديدةً زاهيةً عذبةً صافيةً تُسحِرُ المُتلقّي، وتُثيرُ في نفسِهِ الدّهشةَ، والإحساسَ بالجَمالِ، والنّقاءَ والبهجة.
الشّاعرُ لديهِ مقدرةٌ كبيرةٌ على تحويلِ القُبحِ إلى جمالٍ، ويمتلكُ خيالًا خصبًا، وقلبًا يَطفحُ بالمشاعرِ والأحاسيسِ، ولغةً غريبةً غيرَ مألوفةٍ، يَستطيعُ بحِرَفيّتِهِ تَطويعَها، لغةً كما يُعبّرُ عنها كونيتليان: (تُعبّرُ عن الحركةِ والتّجديدِ والحياةِ، على العكسِ مِنَ اللّغةِ العاديّةِ الدّالِّة على السّكونِ والنّمطيّةِ المُملّة). إذًا؛ فاللّغةُ الأدبيّةُ عندَ الشّاعرِ هي الجَناحُ الّذي مِن خلالِهِ يُحلّقُ عاليًا، ويأخذُنا معَهُ إلى منابعِ الإبداع والتّجلّي والفرح، يُبدّدُ لنا الألمَ والعناءَ، ويرتفعُ بنا عن الواقعِ وتعاستِهِ.
منذُ الوهلةِ الأولى، وأنا أطالعُ ديوانَ الشّاعرةِ آمال عوّاد رضوان، انتابَني شعورٌ عميقٌ ورهبةٌ مِن لغةِ الدّيوانِ؛ لغةٌ غريبةٌ لا تشبهُ لغةَ أهلِ الأرض، حِيكَتْ بطريقةٍ مختلفةٍ، جعلتْني أقفُ مَصعوقًا أمامَ طوفانِها ورهبتِها، لغةٌ عذبةٌ، لكنّها جامحةٌ لا تَنقادُ إليكَ بسهولةٍ، بل تجعلُكَ تقفُ مُتحيّرًا كيفَ تَلِجُ إليها، ومِن أيّ الأبوابِ تدخُلُها، لغةٌ لا يُجيدُها إلّا القليلُ القليلُ ممّنِ اكتشفوا سِرَّ اللّعبةِ، وأجادوا صياغتَها بحِرَفيّةٍ عالية، وسأقتصرُ هنا على الانزياحاتِ اللّغويّةِ في هذا الدّيوان، لِما لها مِن جَماليّةٍ أخّاذةٍ تُقلقُ، وسِحرٍ أنيقٍ يَستفزُّ، ويُثيرانِ الدّهشةَ والتّأمُّلَ والتّأويلَ.
مِن عتبةِ العنوانِ (سَلَامِي لَكَ مَطَراً) تبدأُ رحلةَ هذهِ الانزياحاتِ المُثيرة، حيثُ ابتدأتْ بالسّلامِ والأمانِ والسِّلمِ والصُّلحِ، والتّحيّةُ مُقترنةٌ بهطولِ المطرِ؛ رمزِ الحياةِ والنَّماءِ والخيرِ والخصب، حيثُ الرّحمةُ الإلهيّةُ تَطردُ الجُدبَ والجَفافَ، وتبعثُ البَشائرَ، فرسالةُ الشّاعرةِ آمال عوّاد رضوان عبارةٌ عن سلامٍ يَقهرُ ما حَلَّ مِن جفافٍ بينَ النّفوسِ، نتيجةً لنَوازعِها المختلفةِ وغاياتِها ونَزواتِها، إنّهُ السّلامُ بكلِّ ما يَعني الحُبُّ، والانتظارُ، واللّهفةُ والتّرقُّب.
إنّ جون كوهن يرى (أنّ الشّرطَ الأساسيَّ والضّروريَّ لحدوثِ الشّعريّةِ هو حصولُ الانزياحِ، باعتبارِهِ خرقًا للنّظامِ اللّغويِّ المُعتاد)، إذًا؛ لا شِعرٌ دونَ لغةٍ، ولا لغةٌ شعريّةٌ دونَ انزياحٍ لغويٍّ، يَرتفعُ بهذهِ اللّغةِ إلى عوالمَ أخرى مُحْكمةِ البناءِ والشّكل، تمتلكُ طاقةً نَغميّةً وإيقاعاتٍ مُتجانسةً، رَنينُها يُسحِرُ الأذن.
الانزياحاتُ اللّغويّةُ في ديوان (سَلامي لَكَ مَطَرًا):
1* الانزياحُ اللّغويُّ الّذي يُجسّدُ صورةً شعريّةً جديدةً مُختلفةً عن الواقع، حيثُ نجدُ هنا رسمًا قَوامُهُ الكلماتِ، يمتلكُ إدراكًا حِسّيًّا يَنفُذُ إلى أعماقِ الأشياء، وكأنّه حالةُ استرجاعٍ ذهنيٍّ محسوسٍ، كما في هذا المقطعِ مِن قصيدة (خُرّافَةُ فَرَحٍ): براءةُ الفَجْرِ/ تُسْدِلُها عُيونُ المَلائِكَةِ/ مِنْ/ قُبَّةِ العَدْلِ/ عَلى/ هَديلِ يَمامِ الرّوحِ!
وكذلك في هذا للمقطع من قصيدة (اُسْكُبِيكِ في دَمِي): نَسائِمُ شُرودٍ.. تُحَلِّقُ/ تَصْفَرُّ أَعْوادُها.. تَصْفِرُ ناياتُها/ و.. تَسْفَحُ غَمامَ مُنىً/ عَلى.. أُفُقِ الصَّباحاتِ البِكْر/ أَمِنَ المُنْتَهى.. تَنْقَشِعُ طُفولَةٌ/ غافِلَةٌ.. عَارِيةٌ/ تَخْتَبِي../ في أَغْلِفَةِ العَبَقِ العُذْرِيِّ؟
إنّها اللّغةُ الشّاذّةُ غيرُ المألوفةِ، تعتمدُ التّحريفَ والإغرابَ، وطغيانَها وتدميرَها لنِظام الواقع.
2* الانزياحُ اللّغويُّ الّذي يُجسّدُ العاطفة: فالعاطفةُ هي هذا الكمُّ مِنَ المَشاعرِ والأحاسيسِ الّتي تنتابُ الشاعرَ في لحظةٍ مُعيّنةٍ، وتُكوّنُ انفعالاتٍ وجدانيّةً، ومن خلالِ القصيدة يُحاولُ التّخلُّصَ منها، وإسقاطَها على الورق، إذ تنبعُ مِن ينابيعِ الرّوحِ البعيدةِ دونَ تَكلُّفٍ أو تزييفٍ، وتَتمثّلُ هذه العواطفُ على مساحةٍ واسعةٍ في ديوان (سَلامي لَكَ مَطَرًا)، كما في قصيدة (حورِيَّةٌ تَقْتاتُ مِنْ ضِرْعِ النُّجومِ):
نَحْنُ المَجْبولونَ بِالحُبِّ كَرَمْلِ حَنينٍ/ تَخارَقَهُ زَبَدُ اشْتِهاء../ أَلا تُنْقِذُنا أَمْواجُ بَراءَةٍ/ مِنْ خَطايانا؟!/ أَلا تَرْحَمُ بَقايانا/ نَواقيسُ مِنْ أَلَق؟
وكذلكَ تتمثّلُ في قصيدةِ (شاهِدَةٌ فَوْقَ لَحْدِ النَّهار): كأنَّما حَدَقاتُ آمالي/ كانَتْ أَرْحَبَ مِنْ فِرْدَوْسِ يَقينٍ/ وَكَأنَّما مَيْدانُ صَمْتِكِ/ صارَ أَضْيَقَ مِنْ ثَقْبِ شَكٍّ؟!
إنّها اللّغةُ الّتي تبتعدُ عنِ الخطابةِ، تتفرّدُ بما تَحملُ مِن طاقاتٍ، وكأنّنا نتلمَّسُ هذهِ المَشاعرَ والأحاسيسَ، ونستنشقُ عبيرَها الطّاغيَ في جوٍّ شاعريٍّ، ونتذوّقُ حلاوتَها.
3* الانزياحُ اللّغويُّ الّذي يُجسّدُ الخيالَ الخصبَ: فالخيالُ هو القوّةُ التّركيبيّةُ السّحريّةُ، مِن خلالِهِ يَنقلُنا الشّاعرُ إلى عالمِهِ الغريبِ، حيثُ نجدُ اللّغةَ المُتوهّجةَ حاضرةً في طُغيانِها، بحيثُ تكونُ هي الواقعُ الحاضرُ والعيشُ العميقُ فيهِ، حينما تَتخلّى المُفرداتُ عن مرجعيّاتها، فنجد هذا الخيالَ في قصيدة (سَلامي لَكَ مَطَرًا):
في دُروبِنا العَتيقَةِ/ تُعَتِّقينَ خَواطِري فَرادَةً بِكِ/ إلامَ تَطْفو ذِكْراكِ عَلى وَجْهِ النِّسْيانِ؟/ بِغاباتِ فَرَحي المَنْذورِ لَكِ/ تَتَسَوَّلُكِ أَنْهارُ حُزْني../ ظِلالَ بَسْمَةٍ تَدْمَعُ بِكِ!
وكذلكَ في قصيدة (إِلَيْكِ أَتوبُ غَمامًا)، حيثُ تقولُ الشّاعرةُ في بعضِ مقاطعِها: أُطارِدُ مَسافاتِكِ المُتَسافِكَةِ/ في انْعِطافاتِ عَطْفِكِ/ وَعَلى/ إيقاعِ جِهاتِكِ/ مُتَماهِيًا بِي/ يُشاكِسُني حَريرُ خَريرِكِ!
استطاعتْ هذهِ اللّغةُ أن ترسمَ لنا لغةً كالحُلم، واستطاعت الاستغناءَ عنِ الواقعِ المَرير، وأن تُشكّلَ لنا كلَّ هذا الجَمالَ.
4* الانزياحُ اللّغويُّ الّذي يُجسّدُ الاستعارةَ: حيثُ نجدُ أنّ هناكَ وسيلةً عُظمى، تَجمعُ بينَ أشياء مختلفة لا توجدُ بينَها علاقةٌ مِن قبل، لأجلِ إحداثِ تأثيرٍ في المواقفِ والواقعِ، ويَتجلّى هذا كما في قصيدة (سَلامي لَكَ مَطَرًا): يا مَنْ/ عَلى/
عَتَباتِ خافِقي المَهْجورِ/ تَنْبُتينَ أَشْجارَ زينَةٍ/ تَفوحُ بِزَهْرِ صَوْتِكِ/ يَزْدانُ بِكِ فِرْدَوْسُ نِداءاتي/ أَتَقولينَ:/ سَلامي لَكَ َمطَرًا!؟
وكذلك نجد هذا كما في قصيدة (شاهِدَةٌ فَوْقَ لَحْدِ النَّهار): كأنَّما حَدَقاتُ آمالي/ كانَتْ أَرْحَبَ مِنْ فِرْدَوْسِ يَقينٍ/ وَكَأنَّما مَيْدانُ صَمْتِكِ/ صارَ أَضْيَقَ مِنْ ثَقْبِ شَكٍّ!
لغةٌ هادئةٌ امتلكتْ مقدرةً على صُنعِ هذا العالمِ الزّاخرِ مِنَ الاضطرابِ، ومَزْجِهِ، وإعادةِ تَدويرِهِ بالسِّحرِ اللّغويّ.
5* الانزياحُ اللّغويُّ الّذي يُجسّدُ الأحاسيس: وهو ردُّ فِعلٍ لا إراديٍّ لِما نتأثّرُ بهِ مِنَ المحيطِ الخارجيّ، وهو الّذي يُهفهفُ بأعماقِنا، ويمنحُنا المتعةَ، والشّعورَ بالجَمال، والنّقاءَ والصّدقَ، ونجدُ ذلكَ كما في قصيدة (سَماوِيَّةُ غُوايَتي):
في ضَبابِ الأُفُقِ الهارِبِ مِنْكِ/ تَتَناغَمُ فُصولُ الحُزْنِ الفَرِحِ/ بَيْنَ لِقاءِ الغِيابِ.. وَ.. بَيْنَ غِيابِ اللِّقاءِ/ يَلُوحُ مَعْبَدُ روحِكِ تُحْفَةً/ تَحُفُّهُ هالَةٌ مِنْ سُكونٍ/ يَفوحُ في انْسِكابِ نَدًى../ شَوْقٍ.. عَطِرٍ/ وَفي مِحْرابِ اللَّحْظَةِ/ تَجْثو أَحْلامُ كافِرٍ/ تَتَزاحَمُ في غَفْلَةٍ مِنْ غُروبِ إيمان!
وكذلكَ نجدُ ذلكَ كما في قصيدة (زَغَبٌ شَمْعِيّ): أشْواكُ رَحيلِكَ/ تَخِزُ أَعْصابَ الزَّنابِقِ/ سَتائِرُ ماضٍ تَتَمَرَّغُ لَوْعَةً/ في جَنَباتِ اللَّيْلِ/ تَتَذاءَبُ عُيونُ خَيالي/ مَوْجَةُ ماءٍ تُشْعِلُها/ مَوْجَةُ نارٍ تُطْفِئُها/ وَفي خِباءِ الأبْجَدِيَّةِ/ تَسْتَأْنِسُ بِحِضْنِ ضَوْئِكَ
لغةٌ تفرضُ السّعادةَ، تستمدُّ قوّتَها مِن قوّةِ المُفردةِ وتَشظّيها، وامتلاكِها طاقةً تنسكبُ في النّفوسِ، وتجعلُها تتغنّى بشلّالِها المُتدفّقِ حيويّةً وصِدقًا.
6* الانزياحُ اللّغويُّ الّذي يُجسّدُ التّجسيمَ: وهو إضفاءُ الطّابعِ الحِسّيِّ على المعنويّاتِ، بدرجةٍ تجعلُنا نرى المعانيَ وقد جُسِّمتْ، أي أنّ الشّاعرَ يُجسّمُ لنا
الإحساسَ، لا أن يُخبرَنا عنه، كما في قصيدة (سَماوِيَّةُ غُوايَتي): أَيا راعِيَةَ حُقولِ القَلْبِ: أَما حانَ القِطافُ؟/ عَلى سُفوحِ التَّرَقُّبِ/ تونِعُ ابْتِساماتُ بَراعَتِكِ يَراعًا/ تَتَدَحْرَجُ/ ثِمارَ فَرَحٍ/ إلى/ سِلالِ اللَّحَظات!
وكذلك في قصيدة في (مَلاجئ البَراءَة): نحْنُ مَنْ تَلاشَيْنا/ مُنْذُ أَنْ/ هَبَطْنا/ مِنْ جَنَّتِنا/ أَقَدَرٌ أَنْ نظلَّ نَتَهاوى/ إلى غابَةٍ مُلَوَّثةٍ بِالحَرْبِ وَالعِصْيانِ؟/ أَكَأنَّما نَحِنُّ لِرَحْمَةٍ طرَدَتْنا/ حينَ عَصينا المَعْرِفَة؟!
إنّها اللّغةُ الإنسانيّةُ الصّادقةُ الخارجةُ للتّوّ مِنَ الحطامِ الواقعيِّ، مُحمّلةً برفيفِ الشّعرِ النّاصع.
7* الانزياحاتُ اللّغويّةُ الّتي تُجسّدُ التّراسُلَ: فأيُّ اشتراكٍ أكثرُ مِن حاسّةٍ في المَقطعِ الشّعريِّ، كما في قصيدة (سَماوِيَّةُ غُوايَتي): بَلِ انْهَمِري حَنانًا/ يَنْضَحُني بِطُهْرِكِ/ فَأبْرَأُ مِنْ يَبابي/ رَحْمَةً بِاليَتَسَرْبَلُ أرْجُوانَ الوَجَعِ/ تَخيطُهُ إبْرَةُ الشَّغَبِ بِخُيوطِ الشَّغَفِ../ لا تُرَتّقي جِراحَ نَرْجِسي/ بِشَوْكِ التَّمَنّي/ لا تُزْغِبي أجْنِحَةَ صَلَواتي/ بِأَرْياشِ الحَسَراتِ/ أُمْسُسي واحاتِيَ الذَّابِلَةَ/ بِخُشوعِ هَمْسَةٍ/ وَلا تَعْبَثي بي/ بَلِ ابْعَثي أَعْراسَ الزَّقْزَقَةِ / زَغاريدَ فَرَحٍ / في مَناقيرِ فِراخِ الحَنينِ!
لغةٌ نشتاقُ إليها دائمًا، نستحمُّ بينابيعِها، ونتمشّى على سواحلِها مُتراميةِ الأطراف.
8* الانزياحاتُ اللّغويّةُ الّتي تُجسّدُ الإيقاعَ في اللّغةِ: وهو حالةُ التّواترِ المُتتابعِ ما بينَ التّوقّفِ وحالةِ الصّوتِ، أو الإبطاءِ والإسراعِ، أو الحركةِ والسّكونِ، وهناكَ إيقاعٌ يعتمدُ على قافيةِ ووزنٍ خارجيّ، وهناكَ إيقاعٌ داخليٌّ يعتمدُ على ما في النّصِّ مِن قوافٍ داخليّةٍ، وبديعٍ، وحروفِ مَدٍّ أو همسٍ، وهذا نجدُهُ في قصيدة (نَدًى مَغْموسٌ بِغَماماتِ سُهدٍ): عَلى ضِفافِ القَصائِدِ/ تَتَناثَرُ محاراتُ الهَوى/ وَمِنْ ذاكِرَةِ الهرُوبِ/
تَتَسَلَّلُ أَسْرارُ الجَوى/ فَلا نُمْسِكُ بِالمَحارِ/ وَلا نَلْحَقُ بِالأَثَرْ/ وَهَيْهات.. هيهات.. يُسْعِفُنا الوَتَرْ!
لغةٌ مُحمّلةٌ بالأسرارِ، تأخذُنا رغمًا عنّا إلى عالمٍ فسيحٍ مِنَ التّوافُقِ بينَ المُفرداتِ وصياغتِها، وتوحي بالمَزيدِ مِنَ الطّاقاتِ الموسيقيّةِ المُتجانسةِ، وبالمقدرةِ على الإيحاءِ والتّوصيل.
إنّ ديوانَ (سَلامي لَكَ مَطَرًا) للشّاعرة آمال عوّاد رضوان يمتلكُ مقدرةً فائقةً، على تغريبِ اللّغةِ والانزياحاتِ العظيمة، منَ العنوانِ إلى آخرِ مفردٍة فيهِ، فالمُتلقّي يجدُ نفسَهُ مِن خلالِ دلالاتِهِ النّصّيّةِ، وجهًا لوجهٍ أمامَ لغةٍ صادمةٍ، حقّقتْ جَماليّتَها الشّكليّةَ والمعرفيّةَ والتّعبيريّةَ، وخروجًا عن قواعدِ اللّغةِ والمعتادةِ، وخرقًا لهذهِ القواعد. إنّ هذهِ الإطلالةَ حاولنا مِن خلالِها، إثباتَ قيمةِ الانزياحاتِ اللّغويّةِ في الشّعر، وأنّ الشّعرَ العظيمَ لا يكونُ عظيمًا بغيرِها.
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
اللغة المتموّجة في القصيدة السرديّة التعبيرية
اللغة الهامسة في السرديّة التعبيريّة
تحليلُ قصيدة "بِرْفِيرُ غُرُوبِكِ"! للشاعرة آمال عوّاد رضوان
الموروث الديني في قصيدة "طَعْمُكِ مُفْعَمٌ بِعِطْرِ الآلِهَة"
ظاهرة الغموض في الشعر العربي المعاصر.
أبلغ عن إشهار غير لائق