(مَتَى أعْطَاك أَشْهَدكَ بِرَّهُ، ومتى منعك أَشْهَدكَ قَهْرَهُ، فهو في كلِّ ذلك مُتَعَرِّفُ إليك، وَمُقْبِلُ بوجود لطفه عليك). من أسمائه تعالى (اللطيف والرحيم) فهو تعالى لطيف بعباده رحيم بخلقه في كل وقت وعلى كل حال، سواء أعطاهم أو منعهم، وسواء بسطهم أو قبضهم، فإن أعطاهم أو بسطهم أشهدهم بره وإحسانه، فعرفوا أنه سبحانه بار بعباده لطيف بخلقه، رحيم كريم جواد محسن، فتعظم محبتهم فيه ويكثر شوقهم واشتياقهم إليه ويكثر شكرهم، فيزداد نعيمهم، وفي هذا ما لا مزيد عليه من البر والإحسان، والجود والامتنان، وإن منعهم أو قبضهم أشهدهم قهره وكبرياءه فعلموا أنه تعالى قهار كبير عظيم جليل، فخافوا من سطوته، وذابوا من خشيته، وخضعوا تحت قهره، فدامت عبادتهم، وقلت ذنوبهم، ومحيت مساويهم، واضمحلت خطيئتهم، فوردوا يوم القيامة خفافاً مطهرين فرحين مبهجين، إذ لا يجمع الله على عبده خوفين ولا أمنين، فمن أخافه في الدنيا أمنه يوم القيامة، ومن أمنه في الدنيا فأغتر أخافه يوم القيامة. فلا تتهم ربك أيها العبد في المنع ولا في العطاء، فإنه متى أعطاك أشهدك بره ورحمته وكرمه، فعرفت بذلك أنه بر كريم رءوف رحيم، فتتعلق بكرمه وجوده دون غيره فتتحرر من رق الطمع، ويذهب عنك الغم والجزع وتتخلق أيضاً بوصف الكرم والرحمة والإحسان، فإن الله يحب أن يتخلق عبده بخلقه. ومتى منعك أو قبضك أشهدك قهره وكبرياءه فعرفت أنه قهار جبار، فيعظم خوفك وتشتد هيبتك وحياؤك منه، فلا جرم أن الله يعظمك ويكرمك ويحفظك ويستحي منك كما أستحييت منه، فإن الله ينزل عبده على قدر منزلته منه، وإنما يطيع العبد ربه على قدر معرفته به وخوفه منه، فهو سبحانه في كل ذلك من إعطاء ومنع وقبض وبسط متعرف إليك: أي طالب منك أن تعرفه بصفاته وأسمائه، وما من اسم من أسمائه تعالى إلا اقتضى ظهور ما يطلبه. فاسمه الكريم اقتضى الإعطاء والإحسان وهو ظاهر في خلقه. واسمه المانع اقتضي ظهور المنع فظهر في عباده أيضاً. واسمه المنتقم أقتضي ظهوره في قوم وجههم لمخالفته. واسمه القهار أقتضي ظهوره في قوم يقهرهم على ما يريد من منع أو غيره. وظهر قهره أيضاً في عباده بالموت، فهو من مقتضي اسمه القهار. وهكذا كل اسم يقتضي ظهوره في الوجود، وكلها في بني آدم، فإذا تحققت هذا في حالة الإعطاء والمنع علمت أيضاً أنه تعالى مقبل بوجود لطفه وإبراره عليك.