منذ عدة سنوات وبينما كنت أتأهب للسفر إلى المملكة العربية السعودية للعمل ، وبينما أقوم بتجهيز أوراقي وإذا بصديق لي مصري يعمل هناك يهاتفني ويطلب مني أن اشتري له عدد من " فوانيس رمضان" ،وكنا على أبواب الشهر الفضيل وكما تعلمون أن ثقافة فانوس رمضان ثقافة مصرية بحته . ولما كنت بالقاهرة فكرت في أفضل الأماكن التي يمكن أن أحصل منها على هذا الفانوس ووجدتني أذهب إلى أسواق الفجَّالة العامرة ،وهناك ترى أنواع كثيرة وأشكال عديدة من الفوانيس، ولم يطل بي البحث عن الفانوس الذي أرتضي شكله ومضمونه فقد وجدت فانوساً من الحجم الصغير ذوشكل جذاب متميز، وعليه من أغاني التراث المصري ما أعجبني وأطربني منها أغاني للفنان محمد عبد المطلب ، وأخرى بصوت الفنان سيد مكاوي ، وبعض الأغاني الرمضانية التراثية كأغنية "وحوي يا وحوي" وغيرها . وسررت جداً لأنني أيقنت أن هذا الفانوس ذو السعر الزهيد ، والشكل الأنيق حتماً سيلاقي إعجاب صديقي ومن سيهدي لهم تلك الفوانيس ، ولكن لم تدم فرحتي كثيرا فقد تفحصت الفانوس ووجدته مكتوباً عليه " MADA IN CHINA " فحزنت كثيراً، وتمنيت لو أن هذا الفانوس صناعة مصرية خاصة وأن هذه البضاعة تلقى رواجاً منقطع النظير ، وقلت لم لا يكون مصرياً هل فيه شيء معجز ؟؟ حتى ولو كان كذلك فالصينيون ليسوا أبرع منا ، ثم واسيت نفسي وقلت لو أن هذا الفانوس صناعة مصرية قد لا يكون بنفس هذا الثمن الزهيد ، ولكن ظل هذا السؤال يراودني كثيراً كلما رأيت لعبة ووجدتها صينية الصنع ، ولكم أن تتخيلوا كم تدر هذه الصناعة على الصين من مليارات الدولارات سنوياً ...!! وقد تذكرت هذه القصة منذ أيام وأنا أطالع في إحدى الصحف الإلكترونية خبر أعجبني عن قيام فريق أبناء النيل التابع لجامعة المنصورة عن بدء العمل رسمياً في مشروع لتصنيع فانوس رمضان صناعة مصرية بحتة ، وحمدت الله أن أمنيتي تحققت في أن أجد الفانوس الذي ارتبط لدينا بالشهر الكريم مكتوب عليه " صنع في مصر " ، وأتمنى أن يكون هذا الفانوس ذو جودة عالية وسعر معقول ليكون قادراً على المنافسة وحتى يكتب للتجربة النجاح ، كما علينا أن نشجع هذه التجربة بأن نقوم بشراء المنتج من الأسواق ، ولا نقبل على المنتج الصيني طالما أن البديل المحلي موجود . كما سرَّني خبراً آخر عن تصنيع سيارة سباق بجامعة حلوان في زمن قياسي أيضا بأيادي وخبرة مصرية ، فهذه هي الثورة الحقيقية أن نثور على أنفسنا ، ونستخرج طاقاتها التي كبتها النظام السابق فنحقق ما كنا نظنه بالأمس مستحيلاً ، كما كنا نظن أن سقوط النظام نفسه المستحيل.