في أوائل العام 1953 إكتسح رياض السنباطي مصر كلها بلحنه الشعبي (على بلد المحبوب وديني) وصارت الأغنية على كل فم ولسان، بفضل اللحن الشعبي البسيط الصادق و العميق ، وبفضل الأداء الممتع الذي أداه المطرب عبده السروجي قبل أن تؤديه ثانية أم كلثوم ، وتسجله على أسطوانات لشركة أوديون ، فما قصة هذه الأغنية ، ولماذا غناها عبده السروجي قبل أم كلثوم؟! إذا ألقينا نظرة على ألحان السنباطي في تلك الفترة من حياته ، نجدها تائهة تفتقر إلى الشخصية الفنية ، بإستثناء الألحان الدينية التي أعطى ، ومونولوج النوم يداعب ..... كان كغيره من الملحنين الذين يبدؤون حياتهم عادة بتقليد الكبار ، غير أننا لا نعرف له لحناً واحداً نحى فيه منحى سيد درويش في التلحين ، أو نهج أبي العلاء محمد في القصيدة . صحيح أنه تأثر بمحمد القصبجي و احمد صبرى النجريدى في بعض أعمالهما ، ولكنه لم يخضع طويلاً لهذا التأثير الذي لم يكن من القوة كي يطبع أعماله بطابعهما ، وإن لمس فيه التجديد الذي يتوق إليه ، ودلّه في الوقت نفسه على الطريق التي يجب أن يسلكها وعلى الأسلوب الحديث الذي عليه أن ينتهجه . وبصورة عامة فإن شخصية رياض السنباطي لم تتبلور فنياً ولم تتخذ مساراً واضحاً إلا بعد 1935 بالالحان ،. و إلتزامه منذ بداية حياته الفنية كهاو في المنصورة ثم كمحترف ، لوجدنا أن (ليتو باروخ) وكيل شركة أوديون للأسطوانات هو الذي إتصل به ، وهو الذي طلب اليه أن يلحن لعبد الغني السيد ، وأحمد عبد القادر ، ومحمد صادق و نجاة علي و من ثم توسعت رقعة إتصالاته ، عندما طلبت نادرة امين ومنيرة المهدية وفتحية أحمد وحياة محمد ، أن يلحن لهن . وكان الرجل الديناميكي الذي يقف وراء كل هذا هو (ليتو باروخ) الذي إكتشف مبكراً موهبته ، والذى ارشده مدحت عاصم ودلّه على موهبة رياض السنباطي . وكما لجأ المطربون و المطربات إليه يلتمسون ألحانه ، لجأت إليه أيضاً أم كلثوم . ويمكن القول إن البداية (ولادة أغنية على بلد المحبوب وديني) بدأت منذ أن قام بنك مصر بتأسيس ستوديو مصر للسينما في العام 1935 ، فأراد أن يستهل إنتاجه بفيلم تاريخي ضخم تكون بطلته أم كلثوم . فعهد إلى الشاعر أحمد رامي بتإليف القصة وأغاني الفيلم ، وإلى المخرج الألماني (فريتز كرامب بالإخراج ، على أن يساعده في ذلك المخرج الشاب القادم حديثاً من باريس أحمد بدرخان. وهكذا ولدت قصة (وداد) التي تجري حوادثها في عصر المماليك ، لتغدو فيلماً و ليلعب دور البطولة فيه إلى جانب أم كلثوم الممثل القدير أحمد علام ، أما أغاني الفيلم فقد عهد بتلحينها إلى القصبجي و زكريا و السنباطي. وزيادة في الإيضاح فإن أستوديو مصر إتفق مع أم كلثوم على أجر محدد لقاء التمثيل و الغناء ، وإتفق مع كل الفنيين الآخرين عن طريق المشرف على الإنتاج ، الأستاذ أحمد سالم الذي غدا فيما بعد نجماً سينمائياً معروفاً ، كما إتفقت مع شركة أوديون على تسجيل صوت الفيلم وأغانيه في أستديوهاتها ، ولما كانت أم كلثوم تعتمد على زكريا و محمد القصبجي في تلحين أغانيها ، ومازالت مشككة في قدرة رياض السنباطي في التلحين لها ، فقد تم الإتفاق على أن يلحن رياض السنباطي أغنيتين فقط ،هما : نشيد (حيوا الربيع) و (على بلد المحبوب وديني) ، ويقول رياض السنباطى ان "جاءه أحمد سالم ومعه كلمات أغنية (على بلد المحبوب وديني) لأحمد رامي ، معتذراً بأنها الأغنية الوحيدة التي سيلحنها في الفيلم .. فيلم وداد ... وبعد أيام انتهى من تلحينها ، وسلمها لأحمد سالم ، ليعود اليه في إليوم التإلى ليقول أن اللحن لم ينل الرضى ، ولم يحظ بقبول أم كلثوم . وطلب منه يعيد تلحينه ، فرفض ، وأعطي اللحن لعبده السروجي ....وحدث إفتتان (باروخ) باللحن ، فسجله بصوت عبده السروجي ، وقبل أن ينتهي الفيلم ظهرت اسطوانة الأغنية ونجحت نجاحاً شعبياً كبيراً ، وزادها نجاحاً على نجاح ظهورها صوت وصورة عبده السروجي في الفيلم و بعد نجاح الأغنية وإقبال الناس عليها ، طلبت أم كلثوم أن تسجلها بصوتها لحساب شركة أوديون ،وكان اللحن من مقام بياتى فإشترطت إرضاء عبده السروجي أولاً ، ولكن عبده السروجى غضب من تلك اللعبه الغير سليمه واصر على عدم التعامل طيلة حياته مع الحان رياض السنباطى وغنى من الحان احمد صدقى واحمد عبد القادر وحسين جنيد وروؤف ذهنى ومرسى الحريرى ومحمد هاشم وكامل احمد على ومحمد قاسم وغيرهم ولكن هذا اللحن لحن جماهيرى ولذلك إجتاحت تلك الاغنيه الوطن العربي من أقصاه لأقصاه ولتصبح أغنية تراثية فلكلورية، إذ ما زال الناس يتعايشون معها في كل المناسبات وبذلك فرضوا ديمومتها، لتظل شاهداً على العطاء الفني السخي ، وعلى عظمة هذا العطاء ، واتمنى ان احظى باهتمام محبى زمن الفن الاصيل \ المؤرخ والباحث فى التراث الفنى وجيه ندى وللتواصل 0106802177 [email protected]