" صفاء" فتاة رقيقة ، معتدلة الطول ونحيفة الجسد، وشخصيتها واقعية جداً يملئها الأمل والتفاؤل تحاول إدخال البهجة على الجميع وتحب كل من حولها ، فلا تسمعها أبداً تقول لفظاً على أحد، لكنها في كثير من الأحيان يصاحب مرحها ألفاظاً معبرة عن الضحك ، قد لا ترضي البعض. تعمل معيدة في أحدي الأقسام وقد تعرفت على صديقتها " حبيبة" في ذلك الوقت عندما بدأ في عمل دراستهما العليا. اقتربا الاثنان من بعضهما أكثر من اللازم وأصبحا روحاً واحدة، ظنت " حبيبة" القصيرة القامة ومعتدلة الجسد، بأن هذه الصداقة ليس قبلها شئ ولا بعدها، كانا أصدقاء رغم اختلافهما الشديد بين الشرق والغرب ف" حبيبة" شخصية رومانسية جداً تري الواقع من منظورها الفاضل الشبيه بالمدينة الفاضلة وتري الأمل والتفاؤل نبراس للحياة رغم عبوسها في أحيان كثيرة،كل تحركاتهما كانت معاً، في بداية تعارفهما كانت " حبيبة" تردد لفظ " الدكتورة" على " صفاء" حتى لا تسبب إحراجاً لها، حتى أخبرتها بأنها لا تريد هذا اللقب ، لأنه لا ألقاب بين الأصدقاء تمنيت " حبيبة" الاقتراب منها أكثر وأن تظل صداقة باقية أبد الدهر، لأنها تمنت صداقة حقيقية منذ زمن بعيد. بدأت تقترب منها شيئاً فشيئاً وتحاول أن تُبعث فيها الأمل والحب وتحاول أن تفعل شيئاً لتظهر لها ذلك الحب، ومرت أوقات كثيرة بهذه السعادة كانت صديقتها دوماً تردد لها أنها مصباح للأمل والضحك وإدخال البهجة على الجميع وتتمني أن تراها دائماً، حيث تتمتع" حبيبة" بروح المداعبة والمرح لمن حولها. وذات يوم حدث أمراً لم يكن في الحسبان، عندما ازدادت الصداقة أكثر بين الاثنان ، تكرر من " صفاء" لفظ معين لم تكن " حبيبة " تحبه على الإطلاق وأخبرتها مراراً وتكرارا أن الصداقة تبني على الاحترام بين الطرفين والحب ومراعاة المشاعر والبعض عما يجرح الآخرين. وأن هذا لا يليق بأستاذة جامعية، إلا أن صديقتها كانت تري الأمر عادياً وليس فيه ما يسئ ، وأنها تعودت على ذلك، وظلت هكذا حتى ضاقت " حبيبة" من ذلك ذرعاً وقررت إخبارها بأن هذه هي المرة الأخيرة. لم تقتنع صديقتها بذلك ولم تكن " حبيبة" من النوع الكاره للضحك، بل ترى أن الضحك دون تهكم أو ألفاظ جارحة هي أساس السعادة بين الطرفين وقررت الانفصال عنها لأنها لم تراعً ذلك، في اليوم التالي لم يتحدث الاثنان، فلا " صفاء" تعلم أن "حبيبة" تتحاشاه من أجل لفظ ولا الآخري تعلم أن صديقتها لا تعلم شيئاً ومرت شهور كثيرة عليهما وكلاً من الآخر يعتقد أنه على صواب وعلم بما فعله الآخر. لم يشعر الجميع بفرق، فلم تكن صداقتهما علناً للدرجة التي يشعر بها البعض ولكنهم علموا بعد ذلك ، عندما قصت " حبيبة" عليهم الأمر ورغم ذلك اتهمها الجميع بالجمود وعدم المرونة فآثرت عدم التحدث معهم لأنهم لن يفهموها. الغريب أن باقي الزملاء تحاشوها دون سبب وأصبح الجميع لا يعرف ماذا يحدث. كان الاثنان يمران من جانب بعضهما دون أن يلقيا سلام أو ابتسامة ، لكن ثمة تغير حدث في قصتهما الرائعة، فكلاً منهما تغيرت في المعاملة فلا المرح أصبح مرح ولا الواقعي أصبح واقعي ولم تعد الروح المرحة التي يرسلها الاثنان أثناء محاضراتهما موجودة ، بل خيم الصمت والركود وأصبحت أيام مملة. وكلاً منهما يأبي الاعتراف أو طلب المصالحة.ولم يحاول أحد مصالحتهما ، جاءت أشهر الدراسة في الصف الدراسي الثاني ونفس الوضع كما هو لم يتغير ، بل كانت " حبيبة" تتضايق عندما تسمع أن صديقتها فعلت شيئاً أو أبلغت الزملاء بشئ لم تبلغه لها ولم تعمل خاطر لهذه الصداقة، وظلت غاضبة وأصبحت صديقتها بمثابة عدوتها في ذلك الوقت ، فهي شخصية لا وسط فيها. مر عيد ميلادها وفي الأسبوع الثاني وإذ بتليفون البيت يرن ترد" حبيبة" في البداية لم تعلم من يتحدث ، لكنها عرفت بعد ذلك. - ألو من المتحدث؟ -حبيبة؟ أنا صفاء ولو الحديث سيغضبك ممكن تغلقي الخط وكأن شيئاً لم يحدث. - لالا ... كيف حالك صفاء؟ -الحمد لله.... تمام ....حبيبة... ما نهاية ما موضوعنا؟ - تعجبت بشدة وقالت: أي موضوع؟ -صداقتنا ، أنا غير مرتاحة لما نفعله وخاصة أنتِ ، كيف تتحول صداقتنا لهذا الشكل الحاد وأنتِ لم تفعلِ بي شيئاً ولم أفعل بك شيئا ولا أعرف ماذا حدث لنتخاصم كل هذه المدة؟ -ألم تفعلِ بي شئ؟ -نعم وجدتك بعدتي ولم أحب أن أجبرك على شئ وتركت لنا فرصة لنريح أعصابنا لكن الوقت طال وهذا غير محتمل -صفاء.. لا أحب أن أبعثر أوراق الماضي ، لكني أعرف أن الصديق الوفي هو من يحترم حقوق الآخرين ويبعد عما يؤذيهم. -أنا آسفة لو كنت ضايقتك في أي شئ يا حبيبة ولم أقصد أي شئ ولكني تعودت الضحك بهذه الطريقة ، لكن من اليوم نريد فتح صفحة جديدة في صداقتنا وننسي الماضي ضحكا الاثنان وظلا يحكيان عن الأيام الماضية والحاضرة وشعرا الاثنان بسعادة لأن كلاً منهما أراح ضميره وأخبر عما بداخله وعادت الصداقة من جديد. في اليوم التالي ذهبت " حبيبة" واشترت وردة حمراء وكارت أحمر وكتبت بداخله الآتي: " صديقتي العزيزة.... اليوم أرسل إليك هذه الوردة ليس كرد جميل أو كلام معسول، لكن لأنه يعبر عن فتح صفحة جديدة لصداقتنا، هذه الصداقة التي اعتبرها رباط مقدس بيننا لا يصح أن نتحاشاه،وأطلب منكِ ألا يتكرر ذلك بيننا ثانية ، لأنه جرح كبير لا أحب أن أتجرح به من الأصدقاء وكم أنا سعيدة اليوم لعودتنا معاً وأحمد الله علي ذلك وتقبلي صداقتي وحبي. صديقتك : حبيبة" وذهبت إليها للكلية وأخبرتها بأنها تريد إعطائها شيئاً رغم أنها لا تعترف بالورود بحكم واقعيتها الشديدة وطلبت منها أن لا تفتحها حتى تذهب للمنزل وتتمعن في كل كلمة فيها. وفي اليوم التالي أتت " صفاء" بوردة فقط وقالت لها: أنا أتيت لك بوردة دون كارت ، لأنني أعرف أنك محبة للورود وأنها معبرة عن كل شئ ولم أتي بكارت لأني لم أعرف ماذا أكتب فيه ، فاهمي ما تريدين من هذه الوردة. أجابتها بضيق: أنا لا احتاج الوردة لأن صداقتنا ليست بوردة بل بحب وتفاهم وأنا عندما أرسلت لك وردة ، فهذا لأنني أعرف قيمتك التي أقريتِ بها عند أخذك لها. ظلت صديقتها تفهمها أنها عبرت بكلامات عجزت هي عن أن تعبر بها فعبرت بوردة واحتضنا الاثنان بعضهما البعض وكادت " حبيبة" أن تبكي لكنها تمالكت أعصابها ومن يومها وكلاً منهما يحترم الآخر وإن حاول إحدهما التطاول ثانية تذكر وقت الخصام المرير وعاد لثوابه وأصبحا روحين في جسد واحد لا يستطعان الفرقة عن بعضهما ويحاولان بأقصى جهد الحفاظ عليها... إهداء مني إلي صديقتي العزيزة صديقتك المخلصة: إسراء الصاوي .......................