ليس من مثقف أو جاهل أو أمي في بلاد العرب ، إلا و طرق مسامعه ذلك النشيد القومي و الوطني الذي تتوارث الأجيال في كل بلد عربي حفظه و ترديده بمشاعر مفعمة بالحماس الوطني و القشعريرة القومية ، و مصحوب كذلك بالإيمان العميق بالله و التاريخ و الأرض و الإنسان ، و بالثقة المطلقة بالأمة العربية و رسالتها الحضارية الخالدة ... و هذا النشيد هو : " بلاد العرب أوطاني " فكم يحمل هذا النشيد وراء كلماته النابضة و الجزلة من إشراقات نفسية وروحية و من شحنات عاطفية تدفع الإنسان العربي إلى تعزيز التمسك بقضايا أمته المصيرية فضلا عن التمسك بتراب أرضها ، و تاريخ أمجادها في الماضي و الحاضر و المستقبل ... و ربما إن كان من أصحاب الكفاءات و المواهب يهب لبناء صرح حضارتها الحديثة على وجه يواكب حضارة الغرب .. أو إذا كان من ذوي المهارات الجسدية ينتفض لنصرتها ، و لمقاومة العدو المحتل الغاشم و الجاسم فوق ترابها و مقدساتها ... كما لا يمكن أن يراودنا أدنى شك ، بمقدرة هذا النشيد العظيم على إثارة الرعب ، و زرع الرهبة ، في قلوب أعداء هذه الأمة الذين يتربصون بها الدوائر ، و ينصبون لها بين الحين و الآخر المكائد و يدسون لها الدسائس ، بطرق و أساليب و أدوات شتى ..! و نحن نقول هذا الكلام في هذا الوقت بالذات ... رغم أن عشرات السنين تفصلنا عن اليوم الذي كتب فيه هذا النشيد و لحن و غني بحناجر عربية صافية تأبى الضيم ، و تكره أن تعيش تحت رحمة الأعداء أو ما شابههم ... ! فليس لأننا نريد أن نعيش لبعض الوقت في ظلال ألحان الماضي المجيد ، أو لأننا نبغي أن نسترجع ذكريات الماضي العتيد لأمتنا و لانتصاراتها ... بل لأننا نود لو أن رياح الشك و الارتياب و المؤامرات و المكائد أن تنجلي من الأفاق التي عكرت صفو سماء أمتنا العربية الأبية ... و لأننا نود أن لا ندع العدو يشمت بنا و بمقدراتنا على بناء مستقبل واعد و مستقر لأبنائنا و أجيالنا التي تتسابق مع الزمن ، و تتصارع مع الشمس و القمر من أجل الحفاظ على هويتها القومية ، و من أجل صيانة مقوماتها و خصائصها الذاتية التي تمييزها عن الأمم الأخرى .. فالأمة العربية لها ميزات حية و خالدة لا يوجد لها مثيل في الأمم الأخرى ... و في مقدمة هذه الميزات .. صفة السماحة و المودة ... و رسالة المحبة و الإخاء التي تحملها الأمة العربية .. و تبشر بها ... و تدعو إليها كل البشر فوق ظهر هذه الأرض .... " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله " .. و من أصدق من الله قيلاً ... ! و لكن ربطا للنتيجة بالمقدمة ... و حكاية بلسان الحال عن الأحوال .. أعود فأقول بكل إصرار و عزيمة و تأكيد : أين افلت تلك المشاعر و الأحاسيس القومية و الوطنية عن قلوبنا و أفئدتنا ... حتى بتنا نمارس الكراهية و البغضاء في حياتنا و في علاقاتنا مع بعضنا البعض ، و عدنا نبني استنادا إلى هذه المشاعر و الأحاسيس مواقف و اتجاهات تفرق و لا تقرب ، و تباعد لا تقارب ... فاختلط الحابل بالنابل ، و لم تعد قلوبنا كما كانت بالأمس تفوح محبة و مودة ... و السلاح .. السلاح الذي كنا نعده منذ سنوات ... و سنوات .. و نقدمه على طعامنا وشرابنا .و نبذل لأجله أحلامنا و أحلام أطفالنا من أجل أن نواجه به عدونا .. فما بالنا اليوم نشهره في وجوه بعضنا البعض و نتباهى بأن يقتل بعضنا بعضا به ..! و نتسابق بهذا إلى نيل الرضى و الثناء من أعدائنا الذين يستيقظون و ينامون على السخرية منا تارة .. و على الضحك على ذقوننا تارة أخرى ..! و يتظاهرون بالود إلينا في الوقت الذي يجمعون فيه أمرهم على إلقاء يوسف في غياهب الجب ..! و كلامنا هذا موجه إلى جميع العرب أينما كانوا و لا نخص به قوم بعينهم ..! فهل هذا هو الوطن الذي شدا من أجله العرب الغيورون على الأمة و مصالحها في الأمس القريب ، و بذلوا لأجله مهج نفوسهم ، و فلذات أكبادهم ، و ضحوا بأعمارهم و دمائهم لأجله ، و بنوه لنا بدموعهم التي لم تنضب ... و عرق جباههم الذي لم يجف و بسواعدهم التي لم تفتر ... و سلمونا الراية من بعدهم بيضاء نقية ظاهرها كباطنها ،، فلطخناها بدماء الأبرياء ، و لوثناها بالأوحال و الغبار المتصاعدة من أنانيتنا و نوايانا الخسيسة ..! و الحقد .. الحقد الذي أحرقنا به عدونا بالأمس ، نشتريه اليوم ، و نستورده من أسواق عدونا و نبذل لأجل استحواذه خيرات بلادنا ، و صروح حضارتنا التي ورثناها عن آبائنا و أجدادنا ... و ..و .. و حتى شجر التين و الزيتون و البلد الأمين ضيعناهم و أتلفناهم ..! و ليت أننا نحقق بذلك هدفا واحداً فقط من أهداف الأمة المنشودة ماضياً و حاضرا ..! بل إننا على العكس من ذلك نثأر من أنفسنا لعدونا المتربص لنا وراء كل أكمة ... و بهذا الصدد أرى من المناسب و الحال هكذا أن أورد في هذا المقام ، ما ذكره الكاتب و الباحث المصري " محمد جلال كشك " في كتابه "القومية والغزو الأمريكي " عن الحقد ألأعمى الذي كان يحمله الجنود الإيطاليون في قلوبهم تجاه أمتنا وديننا ، و يدفعهم نحو التسابق إلى غزو ليبيا منذ أكثر من ستين سنة أو يزيد ..! و مازال هذا الحقد يحرض عقول كل الغربيين و الأمريكيين الصليبيين على غزو بلادنا أو خلق الفتنة في أوصالها ... يقول كاتبنا في كتابه المذكور ما نصه : لوحظ في السنوات الأخيرة ارتفاع نبرة الإساءة إلى الإسلام والهجوم على رموزه في الأوساط الثقافية والفكرية بل والسياسية في الغرب. وفي الحقيقة فإن الكيد للإسلام والإساءة له ليس أمراً جديداً على الغرب ، الجديد فقط هو ارتفاع تلك النبرة والأمر لا يرتبط هنا بحالة رد الفعل المزعومة بسبب أحداث 11 سبتمبر ولكنه يضرب في جذور تلافيف العقل الغربي قبل سبتمبر 2001 وبعده ، فالجندي الإيطالي الذي كان يذهب إلى ليبيا لاحتلالها كان ينشد لأمه: أماه.. أتمي صلاتك.. لا تبك، بل أضحكي وتأملي، أنا ذاهب إلى طرابلس، فرحاً مسروراً سأبذل دمي في سبيل سحق الأمة الملعونة سأحارب الديانة الإسلامية سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن . و إننا هنا لسنا في معرض الحديث عن مكائد الغرب علينا و على ديننا ، فهذا الجانب له حديث آخر إن شاء المولى القدير ... و لكننا نشير إلى أن العرب و المسلمون يقتلون بعضهم بعضاً اليوم بنفس السلاح و الشراسة و العنفوان و الحقد الذي كان الجندي الغربي المستعمر يقتل بها أجدادنا و أباءنا بالأمس ، و بنفس الشراسة و الحقد الذي يقتل به الأمريكيون أهلنا في العراق ، و كذلك نفس فعل الصهاينة المحتلون بأهلنا و إخوتنا و أبنائنا في الأرض المحتلة دونما نكير من أحد ، و إن كان الشيء بالشيء يذكر ... و استشعارا بكلمات النشيد الخالد بلاد العرب أوطاني ، نسأل فنقول : أين هو الوطن العربي المنشود اليوم ؟ و أين هو الحد الذي لا يباعد بين العرب .. حتى داخل أقطارهم المجزأة ..! أين هم العرب ؟ وأين هي جامعة الدول العربية ... ؟ هل هي في إجازة سياحية تقضيها في ليالي لندن أو باريس .. أوهي تقضي إجازتها في هوليود تتابع إحدى أفلام" الكابوي " ...!؟ بل ربما غرقت في بحر خليج عدن أو في البحر الأحمر ، أو تاهت صحراء ليبيا هروبا من قصف حلف الناتو ..؟ بل .. أين هو الخليفة المعتصم الذي سير الجيوش لمعاقبة الرومان لمجرد الاعتداء على سيدة واحدة مسلمة ، والتي هتفت في عمورية " وامعتصماه " فاستمع إليها الخليفة المعتصم في بغداد على بعد مئات الأميال ، واستجاب لندائها ولكن حكام العرب والمسلمين لم يعد فيهم معتصم ولا عزة قومية ، و لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . بقلم : عبد الرزاق كيلو سوريا [email protected]