لم أكن أنوي كتابة هذه السطور. فقد عبّرت عن رأيي الرافض للاستفتاء على التعديلات الدستورية ومبرراته في أكثر من مقال فيما سبق، وراهنت في آخرها على أن الشعب المصري سيكشف حجم الإخوان المسلمين في استفتاء الغذ، وأنه سيكون استفتاء على حجم الجماعة، فضلا عن كونه استفتاء على التعديلات. لكن أثارني تصريح الدكتور عصام العريان الذي خوّن فيه الرافضين للتعديلات ووصفهم بأنهم على علاقة بالولايات المتحدة وأنهم ينفذون أجندة أجنبية. وزادني حماسا للكتابة في الموضوع مقال كتبه الدكتور أحمد زينهم ليتغزل في التعديلات الدستورية ويغني أنشودة تضحيات الإخوان المسلمين. إننا أمام منعطف خطير، إذن، لا يتمثل في استخدام لغة التخوين، بقدر ما يتمثل في مَنْ يستخدمها وضد مَنْ. فقد دأب الإخوان المسلمون أيام ضعفهم، فيما يشبه فقه التقية لدى الشيعة، على رفض لغة التخوين بين القوى السياسية الوطنية. فكانوا يردون على من يربطهم بالجماعات الجهادية أو الأجندات الخارجية بأن التخوين مرفوض بين القوى السياسية. لكن ها هم الإحوان يستخدمون لغة التخوين ويصفون المخالفين لهم بالعمالة والعلاقة مع قوى وجهات أجنبية. تجلى ذلك في تصريح الدكتور عصام العريان يوم الخميس الموافق 17 مارس 2011 بأن الرافضين للتعيلات ينفذون أجندة أمريكية. فالإخوان، مع أنهم هم الذين شقوا صف القوى السياسية الصانعة لثورة 25 يناير، بعد أن انفصلوا عن هذه القوى واصطفوا على عدوهم التقليدي وعدو مصر شعب والتحول الديمقراطي فيها -الحزب الوطني- هم الذين بدأوا باستخدام لغة التخوين. فالطرف الآخر أقصى ما ذهب إليه في وصف موقف الإخوان قال بأنهم "يتملقون" المجلس الأعلى للقوات المسلحة. لكن أحدا لم ينعت الإخوان بالخيانة أو العمالة أو يصفهم بتنفيذ أجندات أجنبية. ولعل الأسوأ من التخوين هو التشويش على موقف الطرف الآخر. فقد كتب الدكتور أحمد زينهم أن الإخوان يقولون "نعم" للتعديلات لأنها تحدد مدد الرئاسة إلى اثنتين وتضمن انتخابات حرة وزيهة تحت إشراف وإدارة القضاء، هكذا وكأن من يقولون "لا" للتعديلات يقولونها لأنهم أدمنوا الرئاسة مدى الحياة، أو لأنهم لا يتخيلون حياتهم دون تزوير إرادتهم. ولا يرد على المبررات الحقيقية التي يرفعها الطرف الآخر. لكن لا عجب فهذا دأب الإخوان دائما: يحجمون عن الحركة، كما حدث عندما رفضوا الخروج يوم 25 يناير، وبعد أن يتأكد نجاح المسعى، تجدهم يركبون الموجة ويصورون أنفسهم وكأنهم صانعي الثورة. وهكذا دأبهم أيضا في رفض الاختلاف ورفض الآخر، كما يتجسد في رؤيتهم وشعارتهم السياسية-الدينية التي تجعلهم المسلمون الوحيدون، ومن عداهم المسلمين غير الحقيقيين، أو حتى غير المسلمين. وليذهب الإخوان إلى آخر المدى في تعويق بناء الدولة الديمقراطية في مصر. فبعد أن استخدمهم نظام الاستبداد السابق كفزاعة للداخل والخارج، فزاعة أخرّت الثورة والتحول وحالت دون دعم الغرب لقوى التحول الديمقراطي الليبرالي على مدى عقود، ها هم يتحالفون مع الحزب الوطني ليشكلا القوتين الأساسيتين الوحيدتين المؤيدة للتعديلات التي من شأنها أن تقزّم أحلام المصريين بدولة ديمقراطية حقيقية.