كان الإخوان المسلمون على مدى أيام الثورة ولياليها في خندق واحد مع الشعب المصري الثائر بكل قواه السياسية. فكانوا في قارب واحد مع الأحزاب القديمة والحركات السياسية غير الحزبية من كل التوجهات والمشارب الفكرية. والحق أن مشاركتهم كانت قوية ومؤثرة. حتى أننا عندما كان يشتد بطش النظام عبر قواته الرسمية وغير الرسمية – البلطجية - كان الواحد منا تحدثه نفسه: "أين الإخوان المسلمين إذن؟" وكأننا نستنجد بالإخوان لحماية الثورة من عدوان نظام مبارك، وذلك فقط لأن الإخوان أكثر تنظيما من أفراد الشعب العاديين، ولهم خبرة في التعامل مع بلطجية مبارك، وبالطبع ليس حبا في الإخوان أو رغبة في ظهورهم واستحواذهم على مشهد الثورة. وللأمانة لم يشق الإخوان صف الثورة عندما رفضوا الحوار مع عمر سليمان التزاما منهم بالموقف الواحد. لكن لماذا يشق الإخوان هذا الصف حاليا ويؤيدون الاستفتاء على التعديلات الدستورية؟ إن المتابع للجدل السياسي في مصر في هذه اللحظة يعرف بسهولة أن الإخوان المسلمين هم الفصيل المنظم الوحيد الذي يؤيد التعديلات الدستورية، بالطبع من بين الحركات التي شاركت في الثورة، لأن هناك آخرين يؤيدون الاستفتاء لكنهم لم يشاركوا في الثورة، بل وكانوا معادين لها، مثل "بعض" وجوه مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. لكن أن يؤيد الاستفتاء أناس كانوا ضد الثورة وكانوا من "طبالة" مبارك شيء، وأن يؤيدها الإخوان دون كل الحركات والفعاليات التي شاركت في الثورة شيئ آخر. لا يخفى على أحد أن مصر التي جففها نظام مبارك من السياسة والسياسيين لا يوجد فيها اليوم على المستوى القاعدي إلا الإخوان المسلمين وبقايا نظام مبارك، وهم كُثر. وربما يراهن الإخوان على أن الوصول سريعا إلى الانتخابات البرلمانية سيعطيهم أكبر عدد ممكن من مقاعد البرلمان، إن لم يعطهم الأغلبية. وإذا كان الإخوان، كما صرحت بعض قياداتهم، لن يسعوا للحصول على الأغلبية في البرلمان - هكذا وكأنهم إن أرادوا لحصلوا – فلماذا إذن يشقون الصف ويعملوا "أبواقا" لخارطة الطريق التي يتبناها المجلس الأعلى للقوات المسلحة؟ فإما أن تصريحهم الاستعلائي هذا للاستهلاك الإعلامي فقط، أو أن هناك صفقة لا نعلمها بين الإخوان والمجلس العسكري. وأيا كانت النوايا التي تكنها الصدور والاتفاقات التي حوتها الغرف المغلقة، فإن المحصلة واحدة، وهي أن الإخوان المسلمين هم التنظيم الوحيد في مصر، من خارج دوائر النظام السابق، الذي يؤيد إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية ويطالب الناس صراحة بالتصويت ب"نعم" على التعديلات. وحيث أن الإخوان هم الوحيدون الذين يؤيدون التعديلات، فإن الاستفتاء عليها سيكون بالتبعية استفتاء على قوة جماعة الإخوان المسلمين ومدى نفوذها وتأثيرها وانتشارها على مستوى القاعدة. لذلك أدعوا المصريين إلى المشاركة في الاستفتاء على التعديلات لرفضها، وبالتعبية إظهار الحجم الحقيقي لجماعة الإخوان المسلمين. لطالما أكدت القوى السياسية "غير الإخوانية" أن الإخوان ليسوا بالانتشار الذي يصوروه هم لنا، أو كان يصوره النظام السابق. ولطالما أكدت هذه القوى أن قوة الإخوان كانت تنشأ من ضعف الأحزاب والقوى الأخرى، أو إضعافها. لكن لم يكن ثمة وسيلة لقياس تغلغل الجماعة داخل الشعب. فهي على كل كانت "محظورة" ولا مجال لمعرفة عدد أعضائها. وها نحن أماما اختبار حقيقي لقوة الإخوان المسلمين في الشارع المصري. أعلم أن هذه الدعوة تضع القوى السياسية "غير الإخوانية" في اختبار صعب، أكثر مما تضع الإخوان أنفسهم. لكن المراهنة على المصريين ووعيهم أثبتت أنها في محلها. وسيخرج المصريون يوم السبت – إن شاء الله - ليرفضوا التعديلات - بما يعنيه ذلك من ضرورة إعداد دستور جديد بالكامل اليوم وليس غدا – وليبرهنوا معها أن جماعة الإخوان المسلمين "بعبع من ورق".