شكلت اتفاقية كامب ديفد المصرية أخطاراً مصيرية على حق الشعب الفلسطيني في وطنه – حقه في العودة وحقه في تقرير مصيره بما يتناقض مع الشرعية الدولية. فقد نصت الاتفاقية على انجاز مشروع الحكم الذاتي للسكان خلال سنة واحدة من توقيع المعاهدة (حكم ذاتي للسكان دون السيادة على الأرض) وحصر التمثيل الفلسطيني لشخصيات من الضفة وقطاع غزة دون القدس. وقد رفض المجلس الوطني الفلسطيني في الدورة (14) بالجزائر عام 1983م اتفاقية كامب ديفد وعدم اعتبارها أساس لحل عادل ودائم – كما تبنت قرارات القمة العربية في الرباط 1974م تبني البرنامج الوطني الفلسطيني وصولاً إلى تسوية سياسية تقوم على الشرعية الدولية الضامنة لحق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير والدولة المستقلة وعاصمتها القدس والعودة وفقاً للقرار الأممي 194 وانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة إلى ما وراء خطوط 04/06/1967م. فشلت مفاوضات الحكم الذاتي بعد عام من المفاوضات بين مصر وإسرائيل لتراجع إسرائيل عن الحكم الذاتي (الكامل) ورفضها تجميد الاستيطان ولعدم اعتراف م.ت.ف بحق إسرائيل في الوجود. بدأت عمليات تأهيل م.ت. ف والأنظمة العربية لشروط التسوية الأمريكية والإسرائيلية بإحداث انقلابات سياسية وإخراج م.ت.ف من لبنان – وقدم (ريغن) عام 1982م مشروعاً باعتبار إطار كامب ديفد للحكم الذاتي إطاراً مناسباً (إدارة ذاتية وسلطة فلسطينية منتخبة في (المناطق) تتولى الإدارة بما لا يهدد أمن إسرائيل ووقف (مؤقت) للاستيطان والاعتراف بحق اليهود في الحياة في أي مكان من (يهودا والسامرة) – أما الوضع النهائي يتقرر بعد فترة انتقالية مدتها خمس سنوات وقف قرار مجلس الأمن 242 وأن يتوافق انسحاب إسرائيل من أية أراضي مع ضمانات الأمن والتطبيع مع كل جيرانها بالإضافة إلى تعهد أمريكي بضمان أمن إسرائيل. وقد اعترض (بيجن) على جملة (الوقف المؤقت للاستيطان) واعتبر أن المشروع ولد ميتاً وتمسك بإطار كامب ديفد الذي لا ينص على وقف الاستيطان ولا يشير إلى أي انسحاب من أراضي الضفة وأغفل القدس وحصر الحكم الذاتي بالسكان دون الأرض لقد تم إعداد مشروع (ريغن) أثناء حصار بيروت بالتفاهم مع عدد من العواصم العربية. استمرت مشاريع مفاوضات الحلول الثنائية حتى اندلاع الانتفاضة الأولى حيث تقدمت الحكومة الإسرائيلية بمشروع شامير 04/05/1989م وأهم عناصره: ? حكم ذاتي للسكان استناداً إلى اتفاقية كامب ديفد. ? انتخاب مجلس فلسطيني في الضفة وقطاع غزة يتحمل مسؤولية الحكم الذاتي. ? مرحلة انتقالية مدتها خمس سنوات. ? مفاوضات الحل النهائي مع بدء السنة الثالثة. ? وقف الانتفاضة عند الاتفاق على مبادئ الحكم الذاتي. لقد أثار اندلاع الانتفاضة خشية الأقطار العربية مما دفع القيادة المصرية للقيام بدور بالتنسيق مع الولاياتالمتحدة حيث تقدم الرئيس المصري (مبارك) بمشروع النقاط العشرة أبرزها: ? إجراء انتخابات في الضفة وقطاع غزة و(سكان القدس). ? أساس العملية قبول الأطراف لقراري مجلس الأمن (242 – 338). ? تقوم التسوية الدائمة على أساس (مناطق مقابل السلام). ? حقوق سياسية للفلسطينيين والأمن لجميع الأطراف. ? انسحاب الجيش الإسرائيلي من مناطق صناديق الاقتراع. ? تجميد إقامة المستوطنات خلال فترة المفاوضات. من الملاحظ أن كل مشاريع التسوية كانت تصب في الاتجاهات التالية: ? مفاوضات ثنائية فلسطينية إسرائيلية تستند لاتفاقية كامب ديفد المصرية ومشروع شامير. ? عدم استنادها لقرارات الشرعية الدولية والأممالمتحدة. ? المفاوضات حول الحكم الذاتي (لسكان) الضفة والقطاع. ? مناطق مقابل السلام وليس (المناطق المحتلة مقابل السلام). ? فك علاقة الأقطار العربية بالفضية الفلسطينية. ? عدم الإقرار المسبق بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. ? عدم وقف الاستيطان. لقد أعلن الدكتور (حيدر عبد الشافي) وممثلي الجبهة الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب في جولة اللقاءات الثالثة مع (جيمس بيكر) تعليق المشاركة حول مؤتمر مدريد بدون ضمانة لوقف الاستيطان وتحسين شروط المشاركة الفلسطينية في العملية السياسية بينما استمر ممثلو فتح بالتعاطي مع جولات بيكر رغم تأكد الجميع أن مفتاح مؤتمر مدريد في يد الفلسطينيين وعدم قدرة أي وفد عربي للذهاب إلى مدريد بدون الفلسطينيين. لقد صدرت قرارات عن المجلس الوطني الفلسطيني في دورته العشرين سبتمبر 1991م باستعداد م.ت.ف للمشاركة في مؤتمر السلام على الأسس التالية: ? الالتزام بتطبيق قرارات الشرعية الدولية على قاعدة الأرض مقابل السلام والحقوق الوطنية والسياسية للشعب الفلسطيني. ? وقف الاستيطان كشرط لبدء عملية السلام. ? ضمان حضور القدس موضوعاً وتمثيلاً بوصفها جزء من الأرض الفلسطينية المحتلة. ? استبعاد الحلول الجزئية والمنفردة. إلا أن القيادة الفلسطينية أخذت تتخلى عن مقررات المجلس الوطني تدريجياً وصولاً إلى التسليم بالشروط الأمريكية وشروط شامير – وتم إبلاغ بيكر بالموافقة على المشاركة في مؤتمر مدريد وتشكل الوفد الفلسطيني المفاوض بدون إستراتيجية تفاوضية موحدة ولا مرجعية موحدة – كانت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير مغيبة وبعيدة عما كان يجري ويدور في القنوات السرية. طرح (السادات) مشروع (غزة أولاً) على (كارتر) في 07/03/1979م ونشطت القناة السرية الفلسطينية ممثلة (بابي مازن وقريع) واستمرت القيادة المصرية بمتابعة ما يدور في أوسلو ومشاركة بعد ذلك كل من تونس والمغرب وأخيراً وافقت القناة السرية الفلسطينية بمناقشة إتقافية إعلان المبادئ حول الحكم الذاتي دون التطرق إلى موضوع القدس. قام الكنيست الإسرائيلي بمناقشة اتفاقية أوسلو في دورات ثلاث بينما رفضت القيادة الفلسطينية دعوة المجلس الوطني للانعقاد إلا بعد ثلاث سنوات من توقيع الاتفاقية حيث انعقد المجلس في غزة بتاريخ 22/04/1996م بعد إعادة تركيب المجلس وإغراقه بأكثر من (250) عضو جديد. على صعيد الانتفاضة انسحبت فتح وحزب الشعب من القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة وهكذا جري تنفيسها وإنهائها. على صعيد قضية اللاجئين فقد أسقطت اتفاقية أوسلو المرجعية الدولية ممثلة بالقرار 194 وتركت القضية إلى لجنة اللاجئين المتعددة الأطراف للبحث في تأهيل وإسكان اللاجئين باعتبارها قضية اجتماعية إنسانية - لقد كانت الولاياتالمتحدة دائماً تصوت في الأممالمتحدة منذ عاما 1948م إلى جانب القرار (194) حتى اتفاقية أوسلو بعدها أخذت تمتنع عن التصويت أما إسرائيل فقد كانت تمتنع عن التصويت حتى اتفاقية أوسلو انتقلت بعدها إلى التصويت على رفض القرار. لقد برز أحد المؤشرات لتخلي القيادة الفلسطينية عن حق العودة على أساس القرار (194) بعد اتفاقية أوسلو بقرار الانتخابات البلدية في قطاع غزة والضفة – (بدلاً من انتخاب مجالس شعبية لمخيمات اللاجئين تتحمل مسؤولية تقديم الخدمات بالتنسيق مع الأونروا للحفاظ على حالة اللجوء) قررت القيادة الفلسطينية تحويل المخيم إلى بلدية وانتخاب مجالس للبلديات على طريق إنهاء صفة اللجوء وتحويل اللاجئين إلى مواطنين. إن أي متتبع لمسلسل مشاريع التسوية حتى خارطة طريق (بوش) ومواقفه من المستوطنات والقدس وحق العودة وحدود 1967م وتركيزه على الأمن أولاً وتخليه عن قرارات الأممالمتحدة يدرك أن الثوابت الإسرائيلية هي المؤكدة أما الثوابت الوطنية الفلسطينية فهي خاضعة لمتغيرات والمساومات. بقلم أ. عبد الله الجبور