حصلت على كتاب لم أتوقع أنني سأقرأه في يوم ما لقلة أهميته -في وجهة نظري-، وهو "بروتوكولات حكماء صهيون"، وقد قام بترجمته: محمد خليفة التونسي، وقدم له: عباس محمود العقاد. والذي جعلني أتصفحه ثم أشتريه هو أن فيه كثيرًا من المبادئ والتأصيلات يدعو إليها بعض من يسمون ب"الدعاة الإسلاميين"، مع أن هذه التأصيلات فاسدة، وبعيدة كل البعد عن الإسلام! وقبل أن أدخل في محتوى الكتاب وتفاصيله، لا بد من تعريف عن الكتاب للقارئ الكريم. قال الدكتور سعود الخلف في كتابه "دراسات في الأديان" ص127 إن البرتوكولات هي: وثائق محاضرة ألقاها زعيم صهيوني على مجموعة من الصهاينة ليستأنسوا بها، ويسيروا عليها في إخضاعهم للعالم والسيطرة عليه. اه. إذن هذا الكتاب عبارة عن خطة خطط لها اليهود في كيفية الانتصار على أعدائهم والسيطرة عليهم بنشر داء يضعف أعداءهم، فيبغض بعضهم بعضًا حتى يحصل الخلاف في الأمة فيحصل التفرق! وهذا الداء الذي نشروه في العالم كان باسم الإصلاح، وألبسوه لباس الورع! ومن أبرز تلك الشعارات: (الحرية، الدستور، الثورة، الأغلبية)! وكل من قرأ الكتاب، أو على الأقل قرأ هذا المقال، ينتبه ويلحظ هذا. فمن آثار خطط اليهود التي ظهرت في واقعنا الحالي، وقد كان في مقدمة تنفيذ هذه المخططات بعض كبار من يسمون ب"الدعاة الإسلاميين": أولًا: صرحوا أن "بدعة" الثورات جاءت من قبلهم باسم التحررية، حتى أسقطوا ما أرادوا، وهي الحكومات، كي يقودوا الأمم من خيبة إلى خيبة، وهذا مصداق لواقعنا المعاصر! قال في ص161: لقد أقنعنا الأمميين -غير اليهود- بأن مذهب التحررية سيؤدي بهم إلى مملكة العقل وسيكون استبدادنا من هذه الطبيعة لانه سيكون في مقام يقمع كل الثورات ويستأصل بالعنف اللازم كل فكرة تحررية من كل الهيئات. حينما لاحظ الجمهور أنه قد اعطى كل أنواع الحقوق باسم التحرر تصور نفسه أنه السيد، وحاول أن يفرض القوة. وأن الجمهور مثله مثل كل أعمى آخر قد صادف بالضرورة عقبات لا تحصى، ولأنه لم يرغب في الرجوع إلى المنهج السابق وضع عندئذ قوته تحت أقدامنا. تذكروا الثورة الفرنسية التي نسميها "الكبرى" ان أسرار تنظيمها التمهيدي معروفة لنا جيداً لأنها من صنع أيدينا. ونحن من ذلك الحين نقود الأمم قدماً من خيبة إلى خيبة، حتى انهم سوف يتبرأون منا، لأجل الملك الطاغية من دم صهيون، وهو المالك الذي نعده لحكم العالم. ونحن الآن -كقوة دولية- فوق المتناول، لأنه لو هاجمتنا احدى الحكومات الأممية لقامت بنصرنا اخريات. اه. وفي الحقيقة ليس هناك شئ في الإسلام اسمه "مظاهرات" أو "ثورات". فالخروج على ولاة الأمور حرام بالإجماع. والوسائل لها أحكام المقاصد، فإن كانت الوسيلة تفضي إلى حرام، فحكمها حرام. وقد ذكر العلامة ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين تسعًا وتسعين دليلًا على قاعدة "الوسائل لها أحكام المقاصد". وقال عليه الصلاة والسلام: (سترون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) رواه البخاري. قال ابن حجر في الفتح: اصبروا إلى يوم القيامة. اه. والثورة مقدمة لتغيير الحاكم المسلم الذي أُمرنا بالصبر على جوره، وهذه الثورات تنافي الصبر وتنافي السمع والطاعة التي أمرنا بها نبينا صلى الله عليه وسلم. ثانيًا: شعارهم الماسوني: "الحرية والمساواة والاخاء". وقد استطاعوا أن ينشروا شعارهم في العالم، لأن هذا الشعار يجعل الناس يشعرون بالظلم والنقص وأنهم مسلوبوا الحقوق! وهذا الشعار انتشر كانتشار النار في الهشيم في المجتمعات الاسلامية، وأصبح كثير من المسلمين يرددون هذا الشعار ولا يعلمون حقيقته. أما الحرية؛ فلا حرية في الشريعة الاسلامية إلا مقيدة بالشرع، بمعنى: أنت حر بشرط ألا تعارض الشرع، وإلا فأين الانقياد لله؟ وأين من يدعو إلى هذا الفكر من المسلمين من قوله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). وأين هم من قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا). والصحابة رضي الله عنهم ضربوا أروع الأمثلة في الانقياد لله سبحانه وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. ففي صحيح البخاري: اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتمًا من ذهب فنبذه وقال: (لن ألبسه أبدًا). قال الراوي وهو ابن عمر -رضي الله عنهما-: فنبذ الناس خواتيمهم. وقال أبو جعفر محمد الباقر -رحمه الله-: (كان عبد الله بن عمر بن الخطاب إذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا لم يعده ولم يقصر دونه) رواه ابن ماجه. وأما المساواة فكل واحد له وعليه واجبات وحقوق، فالرجل يتحمل من المشقة والتعب والنصب ما لا تتحمله المرأة، وهذا ظاهر شرعًا وعقلًا وعرفًا. قال تعالى: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى). وأما الإخاء فلا يعقل أن نجعل الكافر أخًا للمسلم، ولا المسلم أخًا للكافر! قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). وقال عليه الصلاة والسلام: (المسلم أخو المسلم) متفق عليه. وسيأتي الكلام في هدفهم وراء نشر شعار "الإخاء". قال في ص178-179: ان الكلمات التحررية لشعارنا الماسوني هي "الحرية والمساواة والاخاء" وسوف لا نبدل كلمات شعارنا، بل نصوغها معبرة ببساطة عن فكرة، وسوف نقول: "حق الحرية، وواجب المساواة، وفكرة الاخاء". وبها سنمسك الثور من قرنيه، وحينئذ نكون قد دمرنا في حقيقة الأمر كل القوى الحاكمة إلا قوتنا. اه. وقيدوا الحرية بالقانون، لماذا؟ قال في ص198: ان كلمة الحرية التي يمكن أن تفسر بوجوه شتى سنحدها هكذا (الحرية هي حق عمل ما يسمح به القانون) تعريف الكلمة هكذا سينفعنا على هذا الوجه: اذ سيترك لنا أن نقول أين تكون الحرية، وأين ينبغي أن لا تكون، وذلك لسبب بسيط هو أن القانون لن يسمح إلا بما نرغب نحن فيه. اه. ومن هنا نشأت الفتن وعمت البلوى بين الناس حيث صرح في ص189: الدستور كما تعلمون ليس أكثر من مدرسة للفتن والاختلافات والمشاحنات والهيجانات الحزبية العقيمة، وهو بايجاز مدرسة كل شئ يضعف نفوذ الحكومة. اه. ولهذا السبب ظهرت لنا الحزبيات والجماعات المتنوعة. لماذا؟ بسبب ترك الشرع والذهاب إلى آراء البشر التي تخالف الشرع. قال تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ). فذم الله الخلاف الذي يورث التفرق مع وجود آيات بينات في المسألة المختلف فيها. وهذه الأحزاب سبب في المشاحنات والفتن، وهذه المشاحنات والفتن تضعف نفوذ الحكومة، حتى وصل الأمر إلى منازعة الحاكم في حكمه وسلطته، وخرجوا في مظاهرات واعتصامات وثورات -في دول مجاورة-، وهذا هو الداء الرئيسي الذي سعوا في تحقيقه! وكما قيل: إذا عرف الداء عرف الدواء، والدواء بتطبيق شرع الله ومنع كل قانون يخالف شرع الله، ومنها منع قانون الأحزاب والجماعات والأفكار المنحرفة. ثالثًا: الإخاء بين المسلم والكافر: لماذا يسعون إلى الإخاء بين المسلم والكافر؟ لأن هذا المنهج يثمر مجتمعًا غير متعلم، فيحصلون على أغلبية جهلة -كما صرحوا بذلك- تخدم مخططاتهم. لأن الجهل يضعف جانب الولاء والبراء، فيجتمعون مع العدو باسم الاصلاح ظاهرا، أما "باطنا" فإن العدو يستغلهم لتنفيذ مخططاتهم. قال في ص186: (ولكي نحصل على أغلبية مطلقة يجب علينا أن نقنع كل فرد بلزوم التصويت من غير تمييز بين الطبقات. فإن هذه الأغلبية لن يحصل عليها من الطبقات المتعلمة، ولا من مجتمع مقسم إلى فئات). قال تعالى: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ). اذا أخبر الله أمرًا يجب التصديق به، فكيف لا نصدقه بقوله أن طاعة واتباع أكثر من في الأرض (الأغلبية) سبب في الضلال؟! ولهذا خوفوا العالم باسم "الأغلبية"، وزعموا أن بيدهم القوة والسيطرة. قال في ص202: (ستكون لنا جرائد شتى تؤيد الطوائف المختلفة: من أرستقراطية وجمهورية، وثورية، بل فوضوية أيضا). وهذا يضعف الأمة، فكلما انتشرت في الأمة عقائد وأحزاب مختلفة، فإن هذا يضعف عقيدة المسلم، وهي في الأصل محاولة في زعزعة العقيدة السليمة عند المسلم، وثانيا: يكون سببًا في منازعة الحاكم في ملكه. وفي هذا تنبيه لأصحاب الصحف ألا ينشروا إلا ما يوافق الحق، فالحق واحد وهو ما وافق "قال الله" و"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"، ولا يجوز نشر الرأي المخالف للكتاب والسنة من باب عرضه على الناس، أو قبول الرأي الآخر! رابعا: الحكومة مدبر ينوب عن المالك: وهذا ذكرني بأحد "الدعاة" حين قال: "ليس الحاكم سوى أجير عند الشعب". تشابهت قلوبهم! قال في ص152: ان تجرد كلمة "الحرية" جعلها قادرة على اقناع الرعاع بأن الحكومة ليست شيئاً آخر غير مدبر ينوب عن المالك الذي هو الأمة، وان في المستطاع خلعها كقفازين باليين. وان الثقة بأن ممثلي الأمة يمكن عزلهم قد أسلمت ممثليهم لسلطاننا، وجعلت تعيينهم عملياً في أيدينا. اه. روي عن أبي مسلم الخولاني أنه قال لمعاوية: (أنت أجير عند الله). وأجير على وزن فعيل، وفعيل تأتي بمعنى مفعول، أي: مأجور. فالراعي أجير عند الله كما أن كل واحد من الرعية أجير عند الله. وأما القول بأن الأمير أجير عند الشعب، يفسخه الشعب متى شاءوا "كالقفازين"، فهو باطل. هل عند أهل السنة تغيير الحاكم متى ما شاءت أهواؤهم؟ أم أنهم يغيرونه كما أوصانا نبينا عليه الصلاة والسلام برؤية الكفر البواح مع القدرة؟ ضحكوا على الأمة وجعلتها تخرج على ولاة أمرها، ومع هذا، فإنهم يغيرون حكامهم بمن؟ بحكام يتم تعيينهم بأمر من الصهاينة كما صرحوا بذلك! والواقع خير شاهد، فهل هذه الثورات أتت بحكام تطبق شرع الله؟ أو تقلل المخالفات الشرعية؟ هذا بغض النظر عن الخسائر التي حصلت في الأرواح، واغتصاب الحرائر، ودمار البلاد، وتخويف العباد، وخروج المجرمين من السجون، وغيرها من المفاسد. نسأل الله العافية. عبدالله بن خالد شمس الدين [email protected] @Ashamsalden