فاجأنا المستشار طارق البشرى في مؤتمره الصحفي بالتعديلات الدستورية المقترحة ، ورغم شبه الإجماع على ما أتت به هذه التعديلات من مزايا ، فإن ما يثير دهشتي تلك الصياغة القانونية لإحدى الفقرات المتعلقة بشروط الترشح لمنصب الرئاسة وهى "ألا يكون قد حمل جنسية مزدوجة..." فقد صيغت هذه الفقرة في زمن الفعل الماضي " قد حمل" وليس في زمن الفعل المضارع " ألا يحمل جنسية مزدوجة " . وفى الصياغة القانونية نجد أن الآثار المترتبة في صياغة هذه الفقرة لا تعنى سوى شيئين أولا : أنه لا يحق لعلماء مصر أمثال زويل والبرادعى والباز ويعقوب وغيرهم ممن يعتبروا قدوة ونموذج يحتذي به لفئات عريضة من الشباب أن يتشرحوا لمنصب رئاسة الجمهورية ثانيا : أن هؤلاء العلماء لا يمكنهم الترشح حتى وان تنازلوا عن الجنسية الأجنبية ، وهو يحمل مغزى خطير يتعلق باتهام ضمني لهم بالعمالة للغرب وعدم الانتماء ،وطعن في مصريتهم. ما الذي تريده لجنة ترقيع الدستور ؟ هل نحن نسعى للتهدئة أم لإشعال الشارع ؟. لقد حصل البرادعى مثلا على مليون توقيع من الشباب يؤيدونه مرشحا لمنصب رئاسة الجمهورية وأتصور أن هذا الشرط من شأنه إثارة حالة من السخط وعدم الرضا بل والشك في نواياه القائمين على المرحلة الانتقالية . إن علم التاريخ يقر بان محمد على الكبير هو مؤسس مصر الحديثة وهو " الباني الجنسية" ، وان الخديوي إسماعيل المصري الهجين هو محدث مصر الحديثة ، ولا ننسى ماله من انجازات مثل تحديث القاهرة وجعلها باريس الشرق بعدما ظلت لأعوام مرتعا لاستابلات الخيل والماعز، ومثل افتتاح قناة السويس والتي تظل إيراداتها حتى يومنا هذا رغدا للاقتصاد المصري وخيرا على المجلس الأعلى للقوات المسلحة . كما لا ننسى أن الخديوي إسماعيل هو من أسس ميدان الإسماعيلية والذي سمى فيما بعد بميدان التحرير والذي انطلقت منه ثورة الشباب العظيمة . لم يكن الخديوي إسماعيل مصريا أصيلا ولم يكن محمد على الكبير مصريا بالمرة ، ورغم ذلك لا ينكر التاريخ ما لهم من انجازات لخصت في عبارة " مؤسس مصر الحديثة " ومحدث مصر الحديثة " ، على حين كان مبارك "المصري الأصيل" هو مؤسس إمبراطورية الفساد في مصر . لا أدعو لاستيراد خواجة لحكم مصر ، ولكنى أتساءل ، ما الضرر في إتاحة الفرصة لعلماء مصر الشرفاء ممن هاجروا طلبا للعلم – أطلبوا العلم ولو في الصين - وارتقوا أعلى المناصب بالخارج وأصبحوا فخرا للشباب المصري في الترشح – مجرد الترشح – لانتخابات الرئاسة ؟ ومع استبعاد العلماء ، وفى ضوء إعلان الإخوان المسلمون عدم نيتهم في الترشح لانتخابات الرئاسة القادمة ، وكذلك عدم نية المؤسسة العسكرية في ترشيح احد قياداتها لانتخابات الرئاسة ، وفى ضوء هشاشة الأحزاب الحالية ، هل يعنى ذلك أن هذه الفقرة قد فصلت لتصعيد عمرو موسى كامتداد للنظام القديم لاعتلاء منصة الرئاسة في مصر ؟ . عندما شاهدنا الطائرات "أف16" تطوف سماء التحرير ، وشاهدنا الدبابة "ام 60" و"ابرامز" تجوب شوارع القاهرة ، تذكرنا كيف أن القوات المسلحة المصرية تعتمد على أسلحة أمريكية حديثة أتت إلينا من فائض ميزانية الدفاع الأمريكية . ورغم ذلك لم نتهم القادة المصريين بالعمالة والتحالف مع الأمريكان بل قدرنا فيهم القدرة على استمالة الأمريكان والحصول منهم على أفضل الأسلحة للدفاع عن مصر وبذلك فهم وطنيون . وعلى نفس المنال كان من الأحرى أن ينظر لمن طلب العلم من الولاياتالمتحدة على انه وطني يساهم في بناء بلده بدلا من معاقبته بمنعه من مجرد الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية بحجة انه يحمل جنسية مزدوجة قد يكون لجأ إليها كوسيلة لتيسير الحصول على العلم . وفى النهاية أتساءل ، هل تفضل أن يحكم مصر شخصية علمية ليبرالية موالية للغرب من أن يحكمها متطرف يدخلنا في نزاع مسلح مع اليهود . إن اوباما الذي ينحدر من أصول زنجية قد حكم اكبر دولة في العالم . يبدو أن رسالة الإصلاح لم تصل بعد . سمير زين العابدين باحث اقتصادي وسياسي