«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حمدى قنديل يكتب: قررت مساندة البرادعى .. بين الشرشحة والغلوشة والمرمطة

على المستوى الشخصى حيّرنى إعلان الدكتور محمد البرادعى ترشيحه لمنصب الرئاسة، وتلميح عمرو موسى للترشيح.. عمرو موسى زميل الدراسة الثانوية الذى اكتشفت ذكاءه المتوهج منذ زمن، تربطنى به علاقة إعزاز، وصحبة ممتعة وإن كانت لقاءاتنا متباعدة، وإعجاب شخصى يفوق الحد، ثم إنك تلمس فيه بعضاً من آثار نسيم ناصرى يستهوى أمثالى.. فى المقابل لم يتح لى أن ألتقى بالدكتور البرادعى إلا عبر الأقمار الصناعية فى مقابلة تليفزيونية قصيرة، لكن الثقاة من أصدقائى الذين يعرفونه يجمعون على رزانته ولطفه وتواضعه وحكمته وقوة شخصيته، أما هويته السياسية فهى على النقيض منى ليبرالية قد تكون جامحة.
منذ اليوم الأول الذى أثير فيه ترشيح الاثنين فى الصحف، أدركت أن موسى فى موقف أضعف.. يومها كان الدكتور البرادعى على وشك أن يتحرر من أثقال منصبه الرسمى، فى حين أن موسى أمامه أكثر من عام حتى تتجدد انتخابات أمين عام الجامعة العربية التى يمكن أن يخوضها مرة ثالثة.. موسى فى موقف أضعف لأنه من صلب النظام، عزل من منصبه كوزير للخارجية إلا أن الحكم واصل تدليله له،
وواصل هو فى المقابل الإخلاص للخط السياسى المصرى المحافظ حتى ولو ظل يصوغه فى أسلوب براق أكثر إغواء لعموم الناس، أما البرادعى فلا يمكن لأحد أن ينسبه للنظام وهو الذى لم يعمل بوزارة الخارجية سوى سنوات معدودة قضى بعدها جل عمره فى الأمم المتحدة، بل إن النظام عاداه بوضوح عندما رشح نفسه لرئاسة وكالة الطاقة النووية، فلم يكتف بالامتناع عن مساعدته، وإنما رشح أمامه سفيراً من الخارجية.
موسى فى موقف أضعف بسبب أدائه فى منصبه.. صحيح أن وكالة الطاقة لم تحقق إنجازاً مبهراً يلمسه العامة إلا أن الجامعة العربية كيان فاشل فى نظر الأغلبية، وصحيح أن كلا من الاثنين واجه أزمات مع أعضاء منظمته، إلا أنه لا يزال هناك فارق.. موسى تعرض لانتقادات عربية موسمية، أما البرادعى فتعرض لضغوط دائمة من قوى عظمى تقودها الولايات المتحدة، وتحداها خاصة عند غزو العراق وفى ملف إيران النووى.
موسى فى موقف أضعف لأنه من المرجح أن يكون أوهى عزماً فى مقارعته لمرشح الوطنى إذا ما دخل انتخابات الرئاسة.. فى ظن كثيرين أنه إذا ترشح الرئيس مبارك فإن موسى سيجد حرجاً كبيراً فى الوقوف أمامه، وإذا كان المرشح هو الرئيس الابن فإن تصريحات موسى حتى وإن كان يشتم منها أنه قد يكون معارضاً للتوريث إلا أنها تشى بتردد فى اتخاذ قرار المواجهة. موسى فى موقف أضعف،
إذ فى حين أنه لم يوجه أى انتقاد علنى للأوضاع فى مصر إلا أن حديث البرادعى فى «العاشرة مساء» منذ شهور كشف عن استيائه البالغ من هذه الأوضاع. بكل ثقة يمكننا إذن أن نتنبأ بأن البرادعى سيكون خصماً صريحاً عنيداً إذا ما أتيح له أن يخوض الانتخابات، أما بالنسبة لموسى فلا أحد يدرى.. من ناحية فهو قد عرف بصلابة لا تلين، ولكنه عرف أيضاً بأنه داهية المساومات والصفقات الدبلوماسية.
تنتهى المقارنة بنقطة لصالح موسى، هى أن له قاعدة شعبية عريضة بهرها كلامه وطلته، فى حين أن البرادعى يكاد يكون لغزاً مجهولاً للناس بسبب إقامته الطويلة فى الخارج، ومنصبه البعيد عن الاهتمامات العادية اليومية، وبخله فى الظهور على شاشات التليفزيون.
لكن هذه المقارنات جميعاً إن انتهت لصالح هذا أو ذاك، أو حتى إن تساوت نتائجها، فإن الذى يحسمها فى النهاية أمر واحد فائق الأهمية، هو اتخاذ قرار علنى صريح بالترشيح يفصح عن جدية وإرادة.. البرادعى اتخذ هذا القرار..
يومها حسمت أنا الآخر ترددى.. الأمر لا يحتمل مفاضلة بين ناصرية وليبرالية، ولا بين شخص نعرفه عن قرب وآخر عن بعد.. مصر فى توق إلى التغيير، وها هو رجل محترم من أبنائها يتصدى لتغييرها بالمشاركة معنا.. رجل قد يكون أمكر ما فى ترشيحه أنه يصعب على السلطة أن تمارس ألاعيبها الملتوية معه وإلا فضحت فى العالم كله.. لذلك أعلن البرادعى قراره من خلال أكبر شبكة إخبارية عالمية، CNN، فى حديثين متتاليين، عرّى فيهما خطط تزوير الانتخابات وترويع الناخبين.
فرش باشكتبة النظام الملاية للبرادعى لأنه أعلن ترشيحه من الخارج وليس من مصر، وكأنما إذا كان قد فعل ذلك كانوا بمباحث أمن دولتهم سيسمحون له بالاجتماع بالصحفيين، أو سيذيعون خبر الترشيح فى التليفزيون الرسمى.. الذين أصدروا الأوامر بدفن الخبر فى ثنايا صحفهم التى يلقبونها بالقومية لم يكونوا ليدعوا مجالاً للبرادعى ليعلن ترشيحه إلا على سلم نقابة الصحفيين محاطاً بفيالق الأمن المركزى..
بهذا انطلقت الحملة الإعلامية المأفونة مسلحة بمعلومات كاذبة وحجج خائبة ومراوغة سوداء ونفاق مخجل، وانفجرت بالوعة الشرشحة والردح بكل ما فيها من عفن. قال الباشكتبة إن البرادعى لديه جنسية سويدية بعد أن كانوا قد أشاعوا أن الجنسية نمساوية، فارتد كيدهم إلى صدورهم عندما عادت إلى السطح حكاية لم يكذبها أحد تقول بأن أمين سياسات الحزب الوطنى ذاته يحمل جنسية بريطانية وحكايات عن مسؤولين آخرين فى الحكم جنسياتهم مزدوجة.
راحوا يسمون البرادعى «الرئيس المستورد» وإن كانوا قد تباروا فى قياس مدة غيابه فى الخارج، ففى حين اكتفى أحدهم ب27 عاماً سحقه آخر بأن الغياب طال 40 سنة. سواء كان الأمر على هذا النحو أو ذاك، فلم يكن له صدى إلا أن هيج شجن المصريين الذين حمدوا الله أن مرشحهم كان بمعزل عن الفساد والقمع والصفقات والأزمات والنصب والنهب والتردى الذى أصاب كل من عاش تحت سماء مصر،
وأعادت الاتهامات إلى الأذهان زيارة البرادعى لاسطبل عنتر، وتبرعه بجانب من جائزة نوبل المالية لمواطنيه الفقراء، ودرايته بأحوال البلد التى وصفها فى دريم بأنها أدنى من المستوى الإنسانى وفى CNN بأنها ليست على ما يرام خاصة فيما يتعلق بالسلام الاجتماعى المهدد بالخطر. وذكرتنا الاتهامات بأننا إن كنا نطلق على البرادعى الرئيس المستورد، فأحرى بنا أن نلقب الرئيس الابن الذى لا يعرف مصر بالرئيس المستوطن.. إن كان البرادعى لم يزر مسقط رأسه فى أبيار كما يقولون فيا ترى كم مرة زار جمال كفر المصيلحة؟
لم تترك مدينة الشرشحة شيئاً إلا واستغلته حتى إنها وجدت صيداً ثميناً فى حملات الفيس بوك المؤيدة للبرادعى، فراح الباشكتبة يسخرون منها متناسين أن الدعوة لأوباما بدأت على الإنترنت مهما كانت الفروق بين البلدين، متجاهلين أن الحزب الحاكم نفسه لا يزهو بشىء اليوم قدر زهوه باستخدام الشبكة الإلكترونية فى الحشد لانتخاباته ومؤتمراته وتمجيد مفجر ثورة تجديده، أو ربما هى ثورة تجديد البلد برمته.
انطلقت الماكينة الرعناء تنال من خبرة الدكتور البرادعى التى زعموا أنها لا تتناسب مع موقع الرئاسة بحساسياته وتعقيداته، الأمر الذى أيقظ ذكريات نائمة طاولت الرئيس ذاته، إذ ماذا كانت خبراته عندما نصب نائباً للرئيس، وما هى خبرات ولده غير خبرته المصرفية وخبرته الحزبية المعلبة فى قفص السلطة الذهبى وأمنها وحملة مباخرها، ومن من مرشحى السلطة يمكن أن ترقى قامته إلى قامة مرشح حائز على جائزة نوبل وعلى 13 دكتوراه فخرية من جامعات العالم المختلفة، له خلفية قانونية معتبرة وصلات ممتدة مع أبرز حكام العالم ومنظماته الدولية.
انحدرت المباراة بين الباشكتبة إلى درك أسفل حينما دخلت منافسة أخرى بين من قال إن البرادعى كان ترتيبه قبل الأخير فى دفعته فى الخارجية، فى حين جزم آخر بأنه كان الأخير، فما كان منا إلا أن تساءلنا عما إذا كانت الخارجية تعين موظفاً بهذه البلادة فى بعثتين من أهم بعثات مصر بالخارج فى نيويورك وجنيف، ومن المسؤول عندئذ، الموظف نفسه أم الذى عينه، وثار سؤال آخر فرعى عن الباشكتبة أنفسهم الذين يتولون مناصب المسؤولية فى صحف كبرى، وأى ترتيب فى دفعتهم أهلهم لمناصبهم.
أخذت الاتهامات الجزافية منحى أخطر عندما أدانت البرادعى بأنه مطية للأجنبى، وأنه وقف ضد بلاده لمصالح غربية، وأنه محسوب على الأمريكيين، وأنه كان له دور فى دعم قرار أمريكا بغزو العراق، فخرج كوم أسئلة من عقاله عمن هو الحليف الاستراتيجى لأمريكا البرادعى أم نظام الحكم، وإذا كان البرادعى هو العميل «الذى يحمل ضغينة لمصر» كما قالوا فلماذا قلده الرئيس قلادة النيل وهى أرفع وسام مصرى، وهل هو حقيقة عميل لأمريكا أم أنه عميل لإيران كما قال البعض «رسونا على بر»، وإذا ما كان متهماً لأنه كان يعمل بمنظمة دولية، فما هو الاتهام يا ترى الذى يمكن توجيهه للرئيس الابن، وهو الذى عمل ببنك أجنبى ؟
فى اتجاه آخر ذهبت الحملة الإعلامية الخائبة إلى حد اتهام البرادعى بأنه بشروطه الخمسة المعروفة لقيام انتخابات نزيهة فهو لا يحترم الدستور، إن لم يكن قد انقلب عليه.. ذكرنا ذلك بأن أهل الحكم الذين يتباكون اليوم على الدستور كانوا هم أنفسهم الترزية الذين عدلوه من قبل ليحكموا حصر ترشيحات الرئاسة بين الرئيس والرئيس الابن ومن حاباهما، وأن التعديل تم مرتين فى أقل من سنتين بانقلاب بارد تناول بجرة قلم 34 مادة بكاملها تم تمريرها فى مجلس الشعب فى لمح البصر..
رغم ذلك راح الدكتور على الدين هلال يقول إنه ليس من المعقول إدخال تعديلات جديدة على الدستور «علشان مادة أو مادتين»، وهو الذى يعرف بداهة أن هاتين المادتين ليستا كأى مواد أخرى، ويعرف أنه علشان هاتين المادتين بالذات يجب أن يعدل الدستور، لكن الدكتور هلال يتمادى فى منتدى حضره فى واشنطن فيتوجه للدكتور البرادعى بسؤال كأنما جاب به الديب من ديله: هل من حق شخص فى أمريكا أو فى أى دولة أن يطالب بتعديل الدستور كشرط للترشيح؟..
وهو سؤال يجتر سؤالاً آخر: وهل دستورك يا دكتور كدستور أمريكا، وهل هناك فى أى دستور فى العالم مادة كمادتنا رقم 76 تكاد تنص على أن اسم المرشح يجب أن يبدأ بحرف الجيم ولقبه بحرف الميم؟
لكن جعبة الألاعيب لا تنتهى ذخيرتها، إذ لاتزال لديها رصاصة ظنوا أنها قاتلة، أن البرادعى مرشح بلا برنامج، رغم أن الكل قد شاهده وهو يكشف عن خطوط برنامجه الرئيسية لمنى الشاذلى، فيعلن أنه يسعى إلى حكم رشيد قائم على احترام القانون ومشاركة الشعب، ويعلن عن ضرورة قيام لجنة تأسيسية لوضع دستور يضمن التوازن بين السلطات، ويعلن أن الرئاسة يجب أن تحدد بفترتين، ويعلن أن النظام السياسى يجب أن يقوم على أساس الحرية والأداء الديمقراطى، ويعلن أن النهضة تقوم على تعليم جيد يتيح التفكير بعقلانية واعتدال، ويعلن أن الشعب له حق فى التعليم والعلاج والأمل، ويعلن أن قوة مصر فى انتمائها وريادتها للعالم العربى.
هى بدايات واضحة إذن لبرنامج مفصل، ونية مؤكدة لترشيح جاد، خبطته الكبرى أنه عرى النظام، وكشف كذبة الانتخابات التى نعيشها بكل مخازيها، وبين للشعب بوضوح لا لبس فيه أنه فى ظل الدستور القائم والحكم القائم عليه لا مجال لترشيح رئاسى إلا إذا أتى من حضن السلطة.. خبطته الكبرى أنه أيقظ من لم يستيقظ بعد على الحقائق المرة، وعلى ضرورة أن يشارك عموم الناس فى النضال من أجل تحرير إرادتهم.. خبطته الكبرى أنه استدرج الإعلام الحكومى إلى حملة هوجاء.. تساوى فيها العقلاء مع الدهماء، أدت كالعادة إلى عكس المراد منها تماماً.
هذا ما أزعج السلطة وبطانتها، وإن كان بعض أقطابها كالدكتور حسام بدراوى والدكتور محمد كمال وغيرهما أكثر حكمة وذكاء.. على النقيض كان غيرهم من أعضاء مجلس السياسات.. قال أحدهم: «إحنا حنهد كل ده علشان راجل بيعمل غلوشة؟».. هكذا أضحى ترشيح الدكتور البرادعى مجرد غلوشة عند صاحبنا هذا بالذات الذى عرف عنه أنه كبير مهرجى سيرك الغلوشة فى برامج الفضائيات.. إلا أنه مع ذلك لا يرقى إلى مكانة كبير الكهنة الدكتور مفيد شهاب، الذى نجده بالغ الانزعاج من ترشيح البرادعى..
«ما معنى أن يخرج بيان والدنيا تنقلب عليه؟».. ثم يتماسك آخذاً دور الناصح الأمين فيوصى الدكتور البرادعى بأن يشتغل بالعمل الحزبى والسياسى لمدة حدد بدقة بالغة أنها يجب ألا تقل عن 8 أو 9 سنوات قبل أن يفكر فى رياسة مصر، وهى مدة تتساوى، يا إلهى، تماماً مع المدة التى قضاها الرئيس نائباً لأنور السادات وكذلك المدة التى قضاها جمال فى أروقة الحزب الوطنى..
ويعود الدكتور شهاب الذى تمرمط فى سجون السلطة عندما كان معارضاً وتمرمط فى خدمة بلاطها من بعد لينقض على البرادعى يسأله «إنت تعرف إيه عن مصر.. تعرف إيه عن شعبها.. لا اتمرمطت مرمطة أهلها.. ولا عندك خبرة سياسية ولا علاقات دولية تؤهلك لأن تصبح رئيساً».. ولا علاقات دولية؟! إلى هذا الحد وصلت الغلوشة على البرادعى الذى إن أنكرنا عليه أى ميزة، فإن العلاقات الدولية تبقى الميزة التى تتوج ما عداها.
لكن اللافت فى كلام شهاب هو اعترافه الصريح بأن الشعب تمرمط.. عين الصواب.. الشعب تمرمط فعلاً فى البطالة والفقر والأمية والفساد والقمع والفشل الكلوى.. والأسعار، والموت فى قوارب الهجرة وعبارات البحر الأحمر وحوادث القطارات والطرق، وشرب مياه الصرف الصحى، ومحاصيل الغذاء المروية بالمجارى، وعشوائيات السكن وعشوائيات القرار، وأزمات الخبز والبنزين والبوتاجاز، وانعدام التربية والتعليم،، وتمزق الوحدة الوطنية، والجباية بالضرائب، والعنف والجريمة.
مرمطة حقاً يا دكتور شهاب، جاء الدكتور البرادعى ليحاول إنقاذنا منها.. وهو يعرف ونحن نعرف أن الأمر ليس سهلاً وأن الطريق طويل لن يخلو من مرمطة لنا وله. قال لى أحد الخبثاء إن مرمطة الدكتور البرادعى يمكن أن تصل إلى حد أن يدسوا له عند وصوله إلى المطار قطعة حشيش فى جيبه وهم الذين فعلوا ما فعلوا بأيمن نور ونعمان جمعة.. لكننى أكدت أن النظام أكثر ذكاء ورقياً..
ظنى أنه ربما يكتفى بإصدار أوامره إلى المراقبين الجويين فى المطار بأن يطلبوا من طائرة البرادعى أن تعود من حيث أتت لأن الأجواء فى عموم مطارات مصر ملبدة بالغيوم لفترة لا يمكن التنبؤ بها، ولن يكون فى هذا أدنى مبالغة لأن الأجواء فى مصر بالفعل ملبدة بالغيوم وبالسحاب الأسود والهباب..
الأرجح أن يلجأ النظام إلى حيلة أخرى قد تكون أكثر تهذيباً بأن يسمح لطائرة البرادعى بالهبوط، ثم يكتشف ضباط الحجر الصحى أنه مصاب بأنفلونزا الخنازير، فيعزل فى مستشفى الحميات أو تفرض عليه كالحجاج إقامة جبرية فى منزله حتى تنتهى انتخابات الرئاسة فى 2011!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.