15% زيادة في أسعار الدواجن بالأسواق المحلية رغم استقرار أسعار العلف    وزير العمل يقرر رفع الحد الأدنى لأجور العاملين بمجلة الوزارة ل6000 جنيه    رئيس "المركزى للتعمير": الجهاز نفذ 450 كم طرق بالساحل الشمالى الغربى    محافظ بني سويف يتابع انتظام العمل بسوق بيع السيارات    الإسكان تتابع جهود قطاع المرافق لتعظيم الاستفادة من الحماة المنتجة من محطات معالجة الصرف الصحي    قصف إسرائيلى مكثف على غزة.. وكارثة صحية بعد توقف محول مستشفى شهداء الأقصى    إيران تكشف اللحظات الأخيرة فى حياة الرئيس الإيرانى.. تحقيقات الجيش تنفى شبهات المؤامرة ضد رئيسى وعدم رصد أى نشاط مشبوه فى مسار الرحلة.. النيران اندلعت بالمروحية بعد ارتطامها بالأرض.. والحادث لا يزال قيد التحقيق    واشنطن تدرس تعيين مسئول أمريكى للإشراف على قوة فلسطينية فى غزة بعد الحرب    "حان وقت الشباب".. جيرو يعلن اعتزاله دوليًا بعد يورو 2024    تشافي يستعد للرحيل.. موعد الإعلان الرسمي عن تعاقد برشلونة مع المدرب الجديد    أشرف بن شرقي يقترب من الدوري السعودي    إقبال على شواطئ الغردقة فى أول ويك إند بعد الامتحانات.. فيديو    ضبط المتهمين بإجبار مواطن على سحب أموال من صراف آلى تحت تهديد السلاح    التعليم: 815 ألف طالب يؤدون امتحانات الدبلومات الفنية غدا.. و3100 طالب بمدارس التكنولوجيا التطبيقية    عاجل.. أنباء عن العثور على آخر ضحايا حادث معدية أبو غالب    ضبط 4 أشخاص بحوزتهم 7 كيلو مخدرات من الحشيش والآيس بالقليوبية    المرصد الأورومتوسطى: وثقنا عددا كبيرا من حالات تعذيب الفلسطينيين بسجون الاحتلال    4 أفلام تتنافس على جوائز الدورة 50 لمهرجان جمعية الفيلم    الإسلام الحضاري    وزارة الثقافة تحتفي بأعمال حلمي بكر ومحمد رشدي بحفل ضخم (تفاصيل)    تجديد ندب أنور إسماعيل مساعدا لوزير الصحة لشئون المشروعات القومية    الأكاديمية العسكرية تنظم زيارة لطلبة الكلية البحرية لمستشفى أهل مصر    تعرف على مباريات اليوم في أمم إفريقيا للساق الواحدة بالقاهرة    مجلس أمناء جامعة الإسكندرية يوجه بضرورة الاستخدام الأمثل لموازنة الجامعة    موعد ومكان تشييع جنازة شقيق الفنان مدحت صالح    نقل شعائر صلاة الجمعة المقبلة من ميت سلسيل بالدقهلية    وزير العمل يشهد تسليم الدفعة الثانية من «الرخص الدائمة» لمراكز التدريب    العنب لمرضى القولون العصبي- هل هو آمن؟    رئيس الأركان يتفقد أحد الأنشطة التدريبية بالقوات البحرية    بوتين يصحّح لنظيره لوكاشينكو تعليقه على محادثاته مع ملك البحرين في موسكو    الشرطة الإسبانية تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    سويلم يلتقى وزير المياه والري الكيني للتباحث حول سُبل تعزيز التعاون بين البلدين    مصرع 14 شخصاً على الأقلّ في حريق بمبنى في وسط هانوي    اليابان تجمد أصولا تابعة لكيانات مرتبطة بصادرات الأسلحة الكورية الشمالية إلى روسيا    «الأهلى» يتمسك بالنجمة ال 12    عائشة بن أحمد تروي كواليس بدون سابق إنذار: قعدنا 7 ساعات في تصوير مشهد واحد    هشام ماجد: الجزء الخامس من مسلسل اللعبة في مرحلة الكتابة    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على محاور القاهرة والجيزة    «المعلمين» تطلق غرفة عمليات لمتابعة امتحانات الدبلومات الفنية غدًا    حملات توعية لترشيد استهلاك المياه في قرى «حياة كريمة» بالشرقية    الصحة العالمية: شركات التبغ تستهدف جيلا جديدا بهذه الحيل    "صحة مطروح" تدفع بقافلة طبية مجانية لخدمة أهالي قريتي الظافر وأبو ميلاد    حظك اليوم برج العقرب 24_5_2024 مهنيا وعاطفيا..تصل لمناصب عليا    «الإفتاء» توضح مناسك الحج بالتفصيل.. تبدأ بالإحرام    «الإفتاء» توضح نص دعاء السفر يوم الجمعة.. احرص على ترديده    «العدل الدولية» تحاصر الاحتلال الإسرائيلي اليوم.. 3 سيناريوهات متوقعة    مقتل مُدرس على يد زوج إحدى طالباته بالمنوفية    الحج بين كمال الإيمان وعظمة التيسير.. موضوع خطبة اليوم الجمعة    مدرب الزمالك السابق.. يكشف نقاط القوة والضعف لدى الأهلي والترجي التونسي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا    نقابة المهندسين بالغربية تنظم لقاء المبدعين بطنطا | صور    جهاد جريشة: لا يوجد ركلات جزاء للزمالك أو فيوتشر.. وأمين عمر ظهر بشكل جيد    أوقاف الفيوم تنظم أمسية دينية فى حب رسول الله    شخص يحلف بالله كذبًا للنجاة من مصيبة.. فما حكم الشرع؟    نقيب الصحفيين يكشف تفاصيل لقائه برئيس الوزراء    هيثم عرابي: فيوتشر يحتاج للنجوم.. والبعض كان يريد تعثرنا    اليوم.. الأوقاف تفتتح 10 مساجد بالمحافظات    سورة الكهف مكتوبة كاملة بالتشكيل |يمكنك الكتابة والقراءة    وفد قطرى والشيخ إبراهيم العرجانى يبحثون التعاون بين شركات اتحاد القبائل ومجموعة الشيخ جاسم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حمدى قنديل يكتب: قررت مساندة البرادعى .. بين الشرشحة والغلوشة والمرمطة

على المستوى الشخصى حيّرنى إعلان الدكتور محمد البرادعى ترشيحه لمنصب الرئاسة، وتلميح عمرو موسى للترشيح.. عمرو موسى زميل الدراسة الثانوية الذى اكتشفت ذكاءه المتوهج منذ زمن، تربطنى به علاقة إعزاز، وصحبة ممتعة وإن كانت لقاءاتنا متباعدة، وإعجاب شخصى يفوق الحد، ثم إنك تلمس فيه بعضاً من آثار نسيم ناصرى يستهوى أمثالى.. فى المقابل لم يتح لى أن ألتقى بالدكتور البرادعى إلا عبر الأقمار الصناعية فى مقابلة تليفزيونية قصيرة، لكن الثقاة من أصدقائى الذين يعرفونه يجمعون على رزانته ولطفه وتواضعه وحكمته وقوة شخصيته، أما هويته السياسية فهى على النقيض منى ليبرالية قد تكون جامحة.
منذ اليوم الأول الذى أثير فيه ترشيح الاثنين فى الصحف، أدركت أن موسى فى موقف أضعف.. يومها كان الدكتور البرادعى على وشك أن يتحرر من أثقال منصبه الرسمى، فى حين أن موسى أمامه أكثر من عام حتى تتجدد انتخابات أمين عام الجامعة العربية التى يمكن أن يخوضها مرة ثالثة.. موسى فى موقف أضعف لأنه من صلب النظام، عزل من منصبه كوزير للخارجية إلا أن الحكم واصل تدليله له،
وواصل هو فى المقابل الإخلاص للخط السياسى المصرى المحافظ حتى ولو ظل يصوغه فى أسلوب براق أكثر إغواء لعموم الناس، أما البرادعى فلا يمكن لأحد أن ينسبه للنظام وهو الذى لم يعمل بوزارة الخارجية سوى سنوات معدودة قضى بعدها جل عمره فى الأمم المتحدة، بل إن النظام عاداه بوضوح عندما رشح نفسه لرئاسة وكالة الطاقة النووية، فلم يكتف بالامتناع عن مساعدته، وإنما رشح أمامه سفيراً من الخارجية.
موسى فى موقف أضعف بسبب أدائه فى منصبه.. صحيح أن وكالة الطاقة لم تحقق إنجازاً مبهراً يلمسه العامة إلا أن الجامعة العربية كيان فاشل فى نظر الأغلبية، وصحيح أن كلا من الاثنين واجه أزمات مع أعضاء منظمته، إلا أنه لا يزال هناك فارق.. موسى تعرض لانتقادات عربية موسمية، أما البرادعى فتعرض لضغوط دائمة من قوى عظمى تقودها الولايات المتحدة، وتحداها خاصة عند غزو العراق وفى ملف إيران النووى.
موسى فى موقف أضعف لأنه من المرجح أن يكون أوهى عزماً فى مقارعته لمرشح الوطنى إذا ما دخل انتخابات الرئاسة.. فى ظن كثيرين أنه إذا ترشح الرئيس مبارك فإن موسى سيجد حرجاً كبيراً فى الوقوف أمامه، وإذا كان المرشح هو الرئيس الابن فإن تصريحات موسى حتى وإن كان يشتم منها أنه قد يكون معارضاً للتوريث إلا أنها تشى بتردد فى اتخاذ قرار المواجهة. موسى فى موقف أضعف،
إذ فى حين أنه لم يوجه أى انتقاد علنى للأوضاع فى مصر إلا أن حديث البرادعى فى «العاشرة مساء» منذ شهور كشف عن استيائه البالغ من هذه الأوضاع. بكل ثقة يمكننا إذن أن نتنبأ بأن البرادعى سيكون خصماً صريحاً عنيداً إذا ما أتيح له أن يخوض الانتخابات، أما بالنسبة لموسى فلا أحد يدرى.. من ناحية فهو قد عرف بصلابة لا تلين، ولكنه عرف أيضاً بأنه داهية المساومات والصفقات الدبلوماسية.
تنتهى المقارنة بنقطة لصالح موسى، هى أن له قاعدة شعبية عريضة بهرها كلامه وطلته، فى حين أن البرادعى يكاد يكون لغزاً مجهولاً للناس بسبب إقامته الطويلة فى الخارج، ومنصبه البعيد عن الاهتمامات العادية اليومية، وبخله فى الظهور على شاشات التليفزيون.
لكن هذه المقارنات جميعاً إن انتهت لصالح هذا أو ذاك، أو حتى إن تساوت نتائجها، فإن الذى يحسمها فى النهاية أمر واحد فائق الأهمية، هو اتخاذ قرار علنى صريح بالترشيح يفصح عن جدية وإرادة.. البرادعى اتخذ هذا القرار..
يومها حسمت أنا الآخر ترددى.. الأمر لا يحتمل مفاضلة بين ناصرية وليبرالية، ولا بين شخص نعرفه عن قرب وآخر عن بعد.. مصر فى توق إلى التغيير، وها هو رجل محترم من أبنائها يتصدى لتغييرها بالمشاركة معنا.. رجل قد يكون أمكر ما فى ترشيحه أنه يصعب على السلطة أن تمارس ألاعيبها الملتوية معه وإلا فضحت فى العالم كله.. لذلك أعلن البرادعى قراره من خلال أكبر شبكة إخبارية عالمية، CNN، فى حديثين متتاليين، عرّى فيهما خطط تزوير الانتخابات وترويع الناخبين.
فرش باشكتبة النظام الملاية للبرادعى لأنه أعلن ترشيحه من الخارج وليس من مصر، وكأنما إذا كان قد فعل ذلك كانوا بمباحث أمن دولتهم سيسمحون له بالاجتماع بالصحفيين، أو سيذيعون خبر الترشيح فى التليفزيون الرسمى.. الذين أصدروا الأوامر بدفن الخبر فى ثنايا صحفهم التى يلقبونها بالقومية لم يكونوا ليدعوا مجالاً للبرادعى ليعلن ترشيحه إلا على سلم نقابة الصحفيين محاطاً بفيالق الأمن المركزى..
بهذا انطلقت الحملة الإعلامية المأفونة مسلحة بمعلومات كاذبة وحجج خائبة ومراوغة سوداء ونفاق مخجل، وانفجرت بالوعة الشرشحة والردح بكل ما فيها من عفن. قال الباشكتبة إن البرادعى لديه جنسية سويدية بعد أن كانوا قد أشاعوا أن الجنسية نمساوية، فارتد كيدهم إلى صدورهم عندما عادت إلى السطح حكاية لم يكذبها أحد تقول بأن أمين سياسات الحزب الوطنى ذاته يحمل جنسية بريطانية وحكايات عن مسؤولين آخرين فى الحكم جنسياتهم مزدوجة.
راحوا يسمون البرادعى «الرئيس المستورد» وإن كانوا قد تباروا فى قياس مدة غيابه فى الخارج، ففى حين اكتفى أحدهم ب27 عاماً سحقه آخر بأن الغياب طال 40 سنة. سواء كان الأمر على هذا النحو أو ذاك، فلم يكن له صدى إلا أن هيج شجن المصريين الذين حمدوا الله أن مرشحهم كان بمعزل عن الفساد والقمع والصفقات والأزمات والنصب والنهب والتردى الذى أصاب كل من عاش تحت سماء مصر،
وأعادت الاتهامات إلى الأذهان زيارة البرادعى لاسطبل عنتر، وتبرعه بجانب من جائزة نوبل المالية لمواطنيه الفقراء، ودرايته بأحوال البلد التى وصفها فى دريم بأنها أدنى من المستوى الإنسانى وفى CNN بأنها ليست على ما يرام خاصة فيما يتعلق بالسلام الاجتماعى المهدد بالخطر. وذكرتنا الاتهامات بأننا إن كنا نطلق على البرادعى الرئيس المستورد، فأحرى بنا أن نلقب الرئيس الابن الذى لا يعرف مصر بالرئيس المستوطن.. إن كان البرادعى لم يزر مسقط رأسه فى أبيار كما يقولون فيا ترى كم مرة زار جمال كفر المصيلحة؟
لم تترك مدينة الشرشحة شيئاً إلا واستغلته حتى إنها وجدت صيداً ثميناً فى حملات الفيس بوك المؤيدة للبرادعى، فراح الباشكتبة يسخرون منها متناسين أن الدعوة لأوباما بدأت على الإنترنت مهما كانت الفروق بين البلدين، متجاهلين أن الحزب الحاكم نفسه لا يزهو بشىء اليوم قدر زهوه باستخدام الشبكة الإلكترونية فى الحشد لانتخاباته ومؤتمراته وتمجيد مفجر ثورة تجديده، أو ربما هى ثورة تجديد البلد برمته.
انطلقت الماكينة الرعناء تنال من خبرة الدكتور البرادعى التى زعموا أنها لا تتناسب مع موقع الرئاسة بحساسياته وتعقيداته، الأمر الذى أيقظ ذكريات نائمة طاولت الرئيس ذاته، إذ ماذا كانت خبراته عندما نصب نائباً للرئيس، وما هى خبرات ولده غير خبرته المصرفية وخبرته الحزبية المعلبة فى قفص السلطة الذهبى وأمنها وحملة مباخرها، ومن من مرشحى السلطة يمكن أن ترقى قامته إلى قامة مرشح حائز على جائزة نوبل وعلى 13 دكتوراه فخرية من جامعات العالم المختلفة، له خلفية قانونية معتبرة وصلات ممتدة مع أبرز حكام العالم ومنظماته الدولية.
انحدرت المباراة بين الباشكتبة إلى درك أسفل حينما دخلت منافسة أخرى بين من قال إن البرادعى كان ترتيبه قبل الأخير فى دفعته فى الخارجية، فى حين جزم آخر بأنه كان الأخير، فما كان منا إلا أن تساءلنا عما إذا كانت الخارجية تعين موظفاً بهذه البلادة فى بعثتين من أهم بعثات مصر بالخارج فى نيويورك وجنيف، ومن المسؤول عندئذ، الموظف نفسه أم الذى عينه، وثار سؤال آخر فرعى عن الباشكتبة أنفسهم الذين يتولون مناصب المسؤولية فى صحف كبرى، وأى ترتيب فى دفعتهم أهلهم لمناصبهم.
أخذت الاتهامات الجزافية منحى أخطر عندما أدانت البرادعى بأنه مطية للأجنبى، وأنه وقف ضد بلاده لمصالح غربية، وأنه محسوب على الأمريكيين، وأنه كان له دور فى دعم قرار أمريكا بغزو العراق، فخرج كوم أسئلة من عقاله عمن هو الحليف الاستراتيجى لأمريكا البرادعى أم نظام الحكم، وإذا كان البرادعى هو العميل «الذى يحمل ضغينة لمصر» كما قالوا فلماذا قلده الرئيس قلادة النيل وهى أرفع وسام مصرى، وهل هو حقيقة عميل لأمريكا أم أنه عميل لإيران كما قال البعض «رسونا على بر»، وإذا ما كان متهماً لأنه كان يعمل بمنظمة دولية، فما هو الاتهام يا ترى الذى يمكن توجيهه للرئيس الابن، وهو الذى عمل ببنك أجنبى ؟
فى اتجاه آخر ذهبت الحملة الإعلامية الخائبة إلى حد اتهام البرادعى بأنه بشروطه الخمسة المعروفة لقيام انتخابات نزيهة فهو لا يحترم الدستور، إن لم يكن قد انقلب عليه.. ذكرنا ذلك بأن أهل الحكم الذين يتباكون اليوم على الدستور كانوا هم أنفسهم الترزية الذين عدلوه من قبل ليحكموا حصر ترشيحات الرئاسة بين الرئيس والرئيس الابن ومن حاباهما، وأن التعديل تم مرتين فى أقل من سنتين بانقلاب بارد تناول بجرة قلم 34 مادة بكاملها تم تمريرها فى مجلس الشعب فى لمح البصر..
رغم ذلك راح الدكتور على الدين هلال يقول إنه ليس من المعقول إدخال تعديلات جديدة على الدستور «علشان مادة أو مادتين»، وهو الذى يعرف بداهة أن هاتين المادتين ليستا كأى مواد أخرى، ويعرف أنه علشان هاتين المادتين بالذات يجب أن يعدل الدستور، لكن الدكتور هلال يتمادى فى منتدى حضره فى واشنطن فيتوجه للدكتور البرادعى بسؤال كأنما جاب به الديب من ديله: هل من حق شخص فى أمريكا أو فى أى دولة أن يطالب بتعديل الدستور كشرط للترشيح؟..
وهو سؤال يجتر سؤالاً آخر: وهل دستورك يا دكتور كدستور أمريكا، وهل هناك فى أى دستور فى العالم مادة كمادتنا رقم 76 تكاد تنص على أن اسم المرشح يجب أن يبدأ بحرف الجيم ولقبه بحرف الميم؟
لكن جعبة الألاعيب لا تنتهى ذخيرتها، إذ لاتزال لديها رصاصة ظنوا أنها قاتلة، أن البرادعى مرشح بلا برنامج، رغم أن الكل قد شاهده وهو يكشف عن خطوط برنامجه الرئيسية لمنى الشاذلى، فيعلن أنه يسعى إلى حكم رشيد قائم على احترام القانون ومشاركة الشعب، ويعلن عن ضرورة قيام لجنة تأسيسية لوضع دستور يضمن التوازن بين السلطات، ويعلن أن الرئاسة يجب أن تحدد بفترتين، ويعلن أن النظام السياسى يجب أن يقوم على أساس الحرية والأداء الديمقراطى، ويعلن أن النهضة تقوم على تعليم جيد يتيح التفكير بعقلانية واعتدال، ويعلن أن الشعب له حق فى التعليم والعلاج والأمل، ويعلن أن قوة مصر فى انتمائها وريادتها للعالم العربى.
هى بدايات واضحة إذن لبرنامج مفصل، ونية مؤكدة لترشيح جاد، خبطته الكبرى أنه عرى النظام، وكشف كذبة الانتخابات التى نعيشها بكل مخازيها، وبين للشعب بوضوح لا لبس فيه أنه فى ظل الدستور القائم والحكم القائم عليه لا مجال لترشيح رئاسى إلا إذا أتى من حضن السلطة.. خبطته الكبرى أنه أيقظ من لم يستيقظ بعد على الحقائق المرة، وعلى ضرورة أن يشارك عموم الناس فى النضال من أجل تحرير إرادتهم.. خبطته الكبرى أنه استدرج الإعلام الحكومى إلى حملة هوجاء.. تساوى فيها العقلاء مع الدهماء، أدت كالعادة إلى عكس المراد منها تماماً.
هذا ما أزعج السلطة وبطانتها، وإن كان بعض أقطابها كالدكتور حسام بدراوى والدكتور محمد كمال وغيرهما أكثر حكمة وذكاء.. على النقيض كان غيرهم من أعضاء مجلس السياسات.. قال أحدهم: «إحنا حنهد كل ده علشان راجل بيعمل غلوشة؟».. هكذا أضحى ترشيح الدكتور البرادعى مجرد غلوشة عند صاحبنا هذا بالذات الذى عرف عنه أنه كبير مهرجى سيرك الغلوشة فى برامج الفضائيات.. إلا أنه مع ذلك لا يرقى إلى مكانة كبير الكهنة الدكتور مفيد شهاب، الذى نجده بالغ الانزعاج من ترشيح البرادعى..
«ما معنى أن يخرج بيان والدنيا تنقلب عليه؟».. ثم يتماسك آخذاً دور الناصح الأمين فيوصى الدكتور البرادعى بأن يشتغل بالعمل الحزبى والسياسى لمدة حدد بدقة بالغة أنها يجب ألا تقل عن 8 أو 9 سنوات قبل أن يفكر فى رياسة مصر، وهى مدة تتساوى، يا إلهى، تماماً مع المدة التى قضاها الرئيس نائباً لأنور السادات وكذلك المدة التى قضاها جمال فى أروقة الحزب الوطنى..
ويعود الدكتور شهاب الذى تمرمط فى سجون السلطة عندما كان معارضاً وتمرمط فى خدمة بلاطها من بعد لينقض على البرادعى يسأله «إنت تعرف إيه عن مصر.. تعرف إيه عن شعبها.. لا اتمرمطت مرمطة أهلها.. ولا عندك خبرة سياسية ولا علاقات دولية تؤهلك لأن تصبح رئيساً».. ولا علاقات دولية؟! إلى هذا الحد وصلت الغلوشة على البرادعى الذى إن أنكرنا عليه أى ميزة، فإن العلاقات الدولية تبقى الميزة التى تتوج ما عداها.
لكن اللافت فى كلام شهاب هو اعترافه الصريح بأن الشعب تمرمط.. عين الصواب.. الشعب تمرمط فعلاً فى البطالة والفقر والأمية والفساد والقمع والفشل الكلوى.. والأسعار، والموت فى قوارب الهجرة وعبارات البحر الأحمر وحوادث القطارات والطرق، وشرب مياه الصرف الصحى، ومحاصيل الغذاء المروية بالمجارى، وعشوائيات السكن وعشوائيات القرار، وأزمات الخبز والبنزين والبوتاجاز، وانعدام التربية والتعليم،، وتمزق الوحدة الوطنية، والجباية بالضرائب، والعنف والجريمة.
مرمطة حقاً يا دكتور شهاب، جاء الدكتور البرادعى ليحاول إنقاذنا منها.. وهو يعرف ونحن نعرف أن الأمر ليس سهلاً وأن الطريق طويل لن يخلو من مرمطة لنا وله. قال لى أحد الخبثاء إن مرمطة الدكتور البرادعى يمكن أن تصل إلى حد أن يدسوا له عند وصوله إلى المطار قطعة حشيش فى جيبه وهم الذين فعلوا ما فعلوا بأيمن نور ونعمان جمعة.. لكننى أكدت أن النظام أكثر ذكاء ورقياً..
ظنى أنه ربما يكتفى بإصدار أوامره إلى المراقبين الجويين فى المطار بأن يطلبوا من طائرة البرادعى أن تعود من حيث أتت لأن الأجواء فى عموم مطارات مصر ملبدة بالغيوم لفترة لا يمكن التنبؤ بها، ولن يكون فى هذا أدنى مبالغة لأن الأجواء فى مصر بالفعل ملبدة بالغيوم وبالسحاب الأسود والهباب..
الأرجح أن يلجأ النظام إلى حيلة أخرى قد تكون أكثر تهذيباً بأن يسمح لطائرة البرادعى بالهبوط، ثم يكتشف ضباط الحجر الصحى أنه مصاب بأنفلونزا الخنازير، فيعزل فى مستشفى الحميات أو تفرض عليه كالحجاج إقامة جبرية فى منزله حتى تنتهى انتخابات الرئاسة فى 2011!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.