يتميز الجيل الذي أنتمي إليه بحب أرض الكنانة قبل أن نراها أو نقرأ عنها، بل وقبل أن تكون وسائل الاتصالات واسعة الانتشار كما هي الآن، أما بالنسبة لي فلم تتح لي فرصة زيارة هذه البلدة التي أحببتها ومنذ نعومة أظافري إلا أقل من أربع وعشرين ساعة وكانت زيارة عمل وليس للسياحة، لكن رغم ذلك فلا أزال أشعر بحب تمكن من كل أوصال عقلي وتغلغل في أعماقي وبكل قوة، قد يكون هذا الكلام مبالغا فيه كما قد يقول قائل، لكنني أؤكد عكس ذلك، لسبب واحد إذ أن مصر أرض النيل والأزهر والتربة الطيبة والتي استضافت ابن الأكرمين يوسف عليه السلام ووالديه عليهم السلام، وهي الأرض التي أكرمتنا بأفضل معلميها وأساتذتها الذين تلقينا على أيديهم الكريمة تعليمنا منذ المرحلة الابتدائية وحتى الجامعة بل حتى في حياتنا العملية مرت بنا نماذج كثيرة كزملاء أفاضل يتميزون بأخلاق رفيعة وهمم عالية ونفوس طيبة وعلم غزير، ولأكثرهم فضل علينا بعد الله في تزويدنا بخبرات ومعرفة عميقة، وكانوا بالفعل نعم السفراء للشعب المصري الطيب حقا، ولذلك فإن من حقه على جيلنا -على الأقل- عدم نسيان هذا الفضل وأن تبقى بصمات أولئك المربين الرواد تضيء دروب حياتنا، ناهيك عن رواد العلم والأدب الذين تلقينا عبر نتاجهم الفكري والأدبي والثقافي زادا لا يزال يتنامى في عقولنا ومشاعرنا حتى اللحظة. واليوم وقد عشنا ثورة شباب مصر الشرفاء لحظة بلحظة، وتابعناهم في كل تحركاتهم وشاهدنا وكل العالم معنا كيف كانوا نموذجا مشرفا لشباب همهم مصلحة بلادهم وأمن مجتمعهم وكيف أثبتوا لكل من عايشهم عبر الفضائيات أنهم أكبر مما كان يتوقع منهم، ويكفي أنهم في نهاية اعتصامهم بميدان التحرير بادروا وبدون حوافز مالية أو كلمات التشجيع والتصفيق إلى تنظيف وإعادة تنظيم الميدان حتى أن فضائيات العالم بل حكوماته أصبحت تضرب المثل بهم كنموذج يطالبون أبناء بلادهم بالاقتداء بهم والتعلم منهم، وقد يظن أحبابي المصريون أن تفاعل الشعوب العربية المحبة لهم كانت مجرد عاصفة عابرة أو مجرد مشاعر آنية، لكنهم لابد أن يعرفوا أهمية ومكانة مصر أرض النيل بالنسبة لكل الأمة العربية والإسلامية، فهي أكبر بلد من حيث عدد السكان، وهي التي تتردد في كل شبر منها أصداء تاريخ عريق مفعم بالعلم والفكر والثقافة، ومنها نبعت أشعة العلم والفكر المعاصر وما تزال بصمات رواد العلم والأدب وعلماء الشريعة والدعاة تغور في عقول وقلوب كل أبناء أمتنا العربية، ولذلك فإن أي تغير إيجابي في أرض الكنانة سيكون له آثار قوية في مسيرة الحياة في المجتمعات العربية الأخرى، لأن هذا المجتمع تتوفر فيه صفات القيادة والريادة دون مبالغة، وقد أكون مبالغا لكنها قناعة ترسخت في أعماقي أرجو أن أنال أجرها من رب العباد. حفظ الله مصر الحبيبة وأهلها من كل سوء ومن كيد الكائدين وحقد الحاقدين، ووفق المخلصين من أبنائها للقيام بدورهم في بناء دولة عصرية متميزة في كل جوانب الحياة