تعرضت كنيسة القديسين في مدينة الاسكندرية المصرية الى تفجير اجرامي صبيحة يوم الخميس الماضي راح ضحيته 21 قتيلا وما يقرب من مئة جريح، أغلبهم من المواطنين المصريين المسيحيين ألاقباط، وقلة من المسلمين. ومن الملفت ان هذا التفجير ياتي بعد ايام قلائل على اعلان السلطات المصرية عن كشف شبكة تجسس اسرائيلية ربما تكون الاخطر من بين العديد من الشبكات الاسرائلية التي تم الاعلان عنها في السنوات القليلة الماضية، فهذه الشبكة لم تقتصر في عملها داخل الاراضي المصرية بل اتخذت من الاراضي المصرية قاعدة ومنطلقا للامتداد والعمل في بعض الدول العربية الاخرى وخصوصا تلك التي ما زالت ممتنعة عن قبول الاستسلام امام الضغوط الاسرائيلية والامريكية لقبول مشروع السلام مع الدولة العبرية. ومع ان السلطات المصرية ما زالت تتكتم على الكثير من المعلومات التفصيلية المتعلقة بنشاط هذه الشبكة ربما لاسباب تتعلق بضرورات السرية في التحقيق الا ان ما تسرب حتى الان من المعلومات التي تكاد تكون شحيحة تعتبر خطيرة جدا. تقول تلك المعلومات بان رئيس هذه الشبكة تمكن من توظيف ضابط سوري برتبة كبيرة للحصول على اخطر المعلومات العسكرية السورية وعلى الاخص ما يتعلق بمشروع المفاعل النووي الذي كانت سوريا بصدد بنائه في مدينة دير الزور والذي تعرض الى غارة جوية اسرائيلية قبل عامين ونجحت في تدميره بالكامل. ولا ندري ماهية المعلومات الخطيرة الاخرى التي اوصلها هذا العميل لاسرائيل. لان من عادة السلطات السورية التكتم الشديد وفرض تعتيم شامل على مثل هذه الاحداث ريثما تنجلي كل الامور وتنكشف كل خيوط العمل والاتصال المتعلقة بهذه الشبكة. ان تفجير كنيسة القديسين لم ياتي كحادث عرضي معزول عن ما تشهده الساحة المصرية من محاولات محمومة ومتواصلة بهدف خلق حالة من الارباك والفوضى بين ابناء الشعب المصري الذي استمر على رفض التطبيع والاعتراف باسرائيل وقاوم مختلف الضغوط والاغراءات منذ التوقيع على معاهدات كامب ديفيد وحتى الان، تمهيدا لتدمير وحدته الوطنية التي تمثل الجدار الواقي ضد كل المحاولات العلنية والسرية لاجباره على الرضوخ والاستسلام امام تلك الضغوط. وليس سرا ان اسرائيل وحلفائها من امريكان وغيرهم يخططون ويعملون ليل نهار من اجل تحقيق هذا الهدف من خلال تحريض المسلمين المصريين على اخوانهم الاقباط وتحرض الاقباط المصريين على اخوانهم المسلمين وذلك هو السلاح الاخطر لشق الوحدة الوطنية وتدمير الاوضاع العامة كمدخل لمرحلة من الفوضى والاحتراب بين الجهتين التي تمهد لامرار مشروع تقسيم مصر، ولم يجد اعداء مصر اسهل من استخدام الوسائل الارهابية بتفجير كنيسة مرة ومسجدا مرة ثانية لتحقيق هدفهم الذي يسعون لتحقيقه. ومن الملفت بان ما يجري في داخل الساحة المصرية يجري مثيلا له منذ ما يزيد على سبعة اعوام في العراق. فبعد توظيف اموال طائلة ومجاميع عديدة من العملاء وشبكات التخريب والتجسس والشركات الاجنبية المتخصصة بارتكاب الجرائم المرتبطة بالمحتل الامريكي محاولة منهم في خلق حالة من الاحتراب الطائفي بين الشيعة والسنة العراقيين وقيامهم بتفجير العشرات من المساجد والحسينيات يعقبها اصدار بيانات وهمية باسم تنظيمات ذات هوية سنية مرة أو شيعية مرة ثانية، وتواصلت تلك العمليات الاجرامية طوال تلك الاعوام، وحينما تاكد للمحتل الاجنبي فشله على هذا الرهان رغم الخسائر الفادحة في الاموال والاف مؤلفة من ابناء العراق الابرياء، الا ان الشعب العراقي تمكن بعفويته وقوة التماسك الاجتماعي القائمة منذ الاف السنين بين مكوناته من وأد تلك المحاولات وافشالها وتفويت الفرصة على من كان وراءها وبقي الشيعة والسنة محافظين على وحدتهم والحمد لله. وحين تاكد لهم استحالة احداث الوقيعة بين الشيعة والسنة ودفعهم الى حالة احتراب طائفية لا تبقي ولا تذر، بدأوا بتدشين محاولة جديدة لعلهم يحققون هدفهم، وهي محاولة خلق الفتنة هذه المرة بين المسلمين والمسيحيين العراقيين. فقاموا بتفجير عدد من الكنائس والاديرة سواء في بغداد او في محافظة نينوى، وفي كل تفجير يقع عدد من الضحايا المسيحيين العراقيين الابرياء، ويرافق تلك التفجيرات تنفيذ بعض عمليات خطف او قتل طلبة او موظفين او مواطنين عاديين منهم. واذا كان لكل جريمة سبب فان العراقيين مجمعين ان اخوانهم وابناء بلدهم من المسيحيين لا يشكلون اي سبب لتلك الجرائم، فهم مواطنون مخلصون لبلادهم كل الاخلاص، وكانت ادوارهم عبر التاريخ متميزة في ايجابيتها وقد كرسوا كل جهودهم لخدمة وطنهم العراق حالهم حال البقية ما ابناء العراق، فالطبيب والمهندس والاستاذ والموظف والعامل المسيحي لم يبخل يوما في بذل اقصى ما يملكه من جهد لخدمة وطنه وشعبه، وقد برز من بينهم عدد كبير من العلماء في مختلف الاختصاصات ممن فضلوا البقاء في وطنهم ومع ابناء شعبهم وجنبا الى جنب اخوانهم وزملائهم من العلماء المسلمين. ولم يتورط مسيحي عراقي يوما في اي عمل يتعارض ومصلحة بلده وشعبه. فلماذا يقوم مسلم عراقي مهما كان انتماؤه السياسي او عقيدته الدينية بقتل مواطن مسيحي دون سبب !! الامر الذي دق ناقوس الخطر ونبه مختلف شرائح الشعب العراقي مبكرا الى ان عمليات التفجير لاماكن عبادة المسيحيين ومحاولات قتل ابناءهم لابد ان تختفي وراءها نفس القوى التي حاولت خلق فتنة طائفية بين الشيعة والسنة. ومما يفخر به العراقيون بان ردود الفعل على تلك الجرائم التي تقع ضد المسيحيين من قبل الزعامات السياسية والدينية المسيحية كانت على الدوام ردودا واعية متفهمة للحالة كما هي عند اخوانهم المسلمين باستثناءات قليلة جدا لا تزيد عن بعض الاشخاص المعروفين بارتباطاتهم مع القوى الاجنبية المعادية لشعب العراق. ومن نافلة القول بان هذه اللعبة القذرة التي يلعبها خدام وادوات الموساد والمحتل الامريكي ضد كل قطاعات الشعب العراقي والتي كشفها ابناء العراق وفضح مؤامراتها تاتي تكرارا لما قام به المحتل البريطاني بداية القرن العشرين حينما دخلت جيوشه الغازية الى ارض العراق وفشلت فشلا ذريعا بفضل الوعي والتماسك والوحدة بين ابناء العراق. وبهذه المناسبة علينا جميعا شعوبا وحكومات ألتأكيد بأن الانتماء الوطني كانبل انتماء يجب ان يتقدم على كل الانتماءات الثانوية الاخرى، في ذات الوقت الذي يستوجب علينا احترام كل الثقافات الثانوية في مجتمعاتنا دون تمييز سواء اكان في مصر او في العراق او في اي بلد عربي آخر، وعلينا ان ندعم شعب مصر في تأكيده من خلال مؤسساته الرسمية وغير الرسمية على المساواة في المواطنة المصرية دون امتيازات او تمييز او تهميش او استعلاء وتاكيده على ان المواطنة بما يترتب عليها من حقوق وواجبات تعلو على اي انتماء اخر، كما نؤكد ان ديموقراطية حقيقية تحقق المساواة والعدل والاخاء هي الحل الوحيد لازمة مجتمعاتنا. واذا كان في العراق ومصر وغيرها من البلدان العربية عدد من الانتماءات والثقافات المختلفة فان في جميع بلدان العالم توجد إنتماءات مختلفة ، فلماذا يراد لنا الاقتتال باسم وتحت ذريعة تلك التعددية بينما يراد لهم العيش المشترك دون احتراب أو إختلاف؟!! واذا وجدت بعض مظاهر من التعصب الشيعي والسني والاسلامي والمسيحي في بلداننا العربية كما هو موجود في كل بلدان العالم فعلينا ان نؤمن بان الحل الامثل لتجاوز كل تلك المظاهر السلبية في مجتماعاتنا ودحرها الى الابد يمكننا تحقيقه بقبول حقيقة العيش المشترك فيما بيننا وهو ما يرتب على الجميع احترام ثقافات بلداننا العربية المختلفة دون تمييز. ان عشرات ومئات الدراسات والتقارير الحديثة تؤكد ان الدول العربية مستهدفة برمتها في حاضرها ومستقبلها من قبل قوى الصهيونية والاستكبار العالمي، وتاتي جمهورية مصر العربية، في مقدمة الدول المستهدفة بعد نجاحهم في احتلال العراق، الامر الذي يرتب على كل مواطن مصري مخلص لبلده وامته مسلما كان او مسيحيا، التنبه الى هذه الحقيقة والى مخاطر ما يخطط ضده، والعمل كل من موقعه على تفويت الفرصة على الاعداء لكي لا يمرروا جريمتهم السوداء وان يتحلوا دائما بضبط النفس والتسامي فوق الجراح، لظمان مستقبلهم ومستقبل اجيالهم. ان الشعب المصري الشقيق بما عرف عنه من الحكمة والصبر على مواجهة المحن والمكاره عبر التاريخ، لنا وطيد الامل ان يتخذ من هذه الفاجعة المؤلمة منطلقا جديدا ومسارا بعيدا عن التطرف والانفعال وردود الفعل المتسرعة وترك الامور بايدي المختصين والشخصيات القياديه المتصفة بالحرص على المحافظة على وحدة وتلاحم الشعب المصري بمسلميه واقباطه لكشف خيوط هذه اللعبة الخطرة وكشف القوى الاجنبية التي تحركها من اجل تاجيج الصراع داخل المجتمع المصري، كما يستوجب وبالحاح على السلطات الرسمية في الشقيقة مصر الضرب بكل قوة ودون رحمة لمن يثبت القضاء المصري تورطه من بين المصريين او غير المصرين بهذا الجريمة النكراء. www.democraticfrontofiraq.wordpress.com [email protected]