هل ينتقص من نزاهة النقد الثقافي أن عددا كبيرا ممن يمارسونه في الوطن العربي هم من كبار المنافسين في مجالات ينقدون أعمال غيرهم فيها؟ وهل ينتقص من أهمية عباس بيضون كناقد أدبي أن يكتب عن شعر شوقي بزيع، وهو الذي يحاول منذ أشهر أن ينتزع عباءة الشعر العربي التي ألبستها للأول جائزة "سوق عكاظ"؟ وهل من الجائز أن يكتب بول شاوول نقدا لأعمال أنسي الحاج والأول من حاسدي الثاني؟ وكيف يمكن تقبل نزاهة وعدالة أربعة من النقاد (سوريان وسورية ومغربي) حين يتبادل هؤلاء منافع المنابر النقدية التي يكتبون فيها، فنجد أن كل منهم استخدم منبره النقدي لتسويق أعمال زملاءه، فتتعدد المنابر النقدية التي تتحدث عن الأربعة بأقلام بعضهم البعض، ولكنهم يستفيدون من تلك المنابر لتسويق أعمالهم الروائية بطريقة النقد الايجابي المتبادل، والأربعة بالمناسبة تطبع أعمالهم دار نشر واحدة؟ بعبارة أخرى، هل آراء هؤلاء الأربعة في بعضهم البعض تمثل حالة غش للجمهور تحتاج إلى جهود جمعيات حماية المستهلك لحمايتنا منها؟ تجربة عازفة البيانو والناقدة سماء سليمان: الفنانة السورية سماء سليمان تقدم مقاربة شخصية لهذا الملف لا تجد غضاضة في الجمع بين النقد والأعمال الثقافية والفنية التي يمارسها الناقد نفسه، فهي عازفة بدأ نجمها يلمع في السنوات الأخيرة عربيا ودوليا في مجال العزف على البيانو، ولكنها دخلت مجال النقد الموسيقي كهاوية، فهي درست هذا المجال القائم بذاته، وحصلت على درجة الدكتوراه من جامعة ليون الثانية في مدينة ليون الفرنسية، وبالتالي كونها عازفة بيانو محترفة لا يلغي حقيقة أنها ناقدة موسيقية حصنت نفسها بالتخصص العلمي حتى درجاته الأكاديمية الأرقى. بالنسبة لسماء سليمان فالفن بالتعريف هو أداة تعبير أكان عزفا أم كتابة، وهي ترى بأن من مهام الفنان تقديم ما يريد التعبير عنه للآخرين وفق الطرق التي يتقنها، فالفنان قادر على التعبير عن الفكر والشعور الإنساني كتابة أو عزفا أو غناء. وعن تضارب المصالح بين كونها عازفة وموسيقية وبين كتابتها للنقد تقول سليمان: باعتقادي أن التزامن بين أي أداتين من أدوات التعبير يمكن لهما أن تتكاملا، والناقد يمكن أن يتحدث بموضوعية حتى عن أعماله إن التزم بالمعايير الأكاديمية والعلمية في نقده. وتضيف: الكتابة أداة التعبير المباشر عن الأفكار بينما الموسيقى هي الأداة الغير مباشرة، بالنسبة لي كموسيقية وناقدة، لدي القدرة علي استغلال هذا الاختلاف لأقول ما أريد بالطريقة التي أراها أكثر نفعا، فالكلمة هي إطار يحدد الأفكار بوضوح بينما النوتة الموسيقية هي فن جامد لغويا و لا يستخدم النص لذا هي أعم وأشمل، تشير ولا تحدد. وجوابا على سؤال طرحناه عن إمكانية أن ينحاز العازف الموسيقي أو الكاتب في الموقف الأدبي أو السياسي إلى جهة ما خاصة وإن من شروط العالمية، في حاضرنا، الحياد والموضوعية فأجابت: بعض المواقف تجبر الموسيقي على استخدام الكلمة وهو ما صادفته في إحدى حفلاتي في فرنسا في تموز 2006، كانت لبنان مشتعلة، والغضب الذي كنت أحمله دفعني لأذكر الجمهور الفرنسي في بداية الحفل بأنني أعزف لكن أفكاري مع الشعب اللبناني. بالتأكيد ليست مهمتي أن اصدر التصاريح السياسية، لكن من الطبيعي أن يكون لي موقف من قضايانا، وموقفي يظهر من خلال انتمائي ومن خلال البرنامج الذي أقدمه فاختياري لأعمال ذات سوية معينة ولمؤلفين معيين كله مؤشر على اتجاهي وانتمائي. ولكن هل كل من كتب في النقد درس النقد وتخصص فيه؟ فحالة سماء سليمان هي حالة فريدة من حيث نوعية التجربة حيث أنها تفرغت للدراسة لأكثر من عشرة أعوام حتى وصلت إلى مرتبة العزف الاحترافي الذي تطمح إليه، وحين كان عليها أن تختار موضوعا لدراساتها الموسيقية العليا اختارت مجال التعمق في الدراسات الموسيقية التي تتيح لها بكل موضوعية أن تكتب في النقد الموسيقي لأنها صاحبة اختصاص في النقد وبشكل منفصل على حقيقة كونها عازفة بيانو. هذا التجربة الفريدة تدفعنا للتساؤل عمن درس النقد من بين الذين يحتلون الصفحات الثقافية في الوطن العربي؟ ثقافة حكلي بحكلك: هناك ظاهرة منتشرة في صحافة الوطن العربي – الجادة - يمكن تسميتها بثقافة " حكلي – بحكلك" أي أن يكتب هذا الروائي – الناقد عن ذاك فيكتب الثاني عن الأول بالطريقة نفسها وعلى قاعدة "كما تراني يا جميل أراك". ولان الشيء بالشيء يذكر نسأل... هل من علاقة بين هذه الممارسات وبين احتلال شلل معينة وحصرية للمشهد الثقافي الاعلامي في الصحف وفي القنوات العربية؟ وهل يجب على الروائي أو الشاعر أو الموسيقي قبل أن يبدأ بنشر نتاجاته، هل عليه تأمين منبر نقدي يتبادل من خلاله المصالح مع الآخرين حتى يضمن بطاقة الدخول إلى جنة المثقفين العرب؟ بالمعنى الحرفي للكلمة، هل في عالم الثقافة العربية مافيات تتبادل المنافع فيما بينها وتحارب الدخلاء؟ وكيف يمكن اختراق دفاعات هذه المافيات بغير أساليبها؟؟ إذا كان الفساد السياسي والعسكري والأمني قد ضيع فلسطين وكاد يضيع العراق ولبنان واليمن والسودان، فهل يمكن اعتبار أن من نتائج الفساد الثقافي أن الإعلام العربي كرس طواعية جائزة بريطانية بوصفها أهم جائزة للأدب العربي؟