اذا كان هناك اي ركن صغير في العالم يساعد فيه وضع لافته باسم الاخصائي النفسي على باب عيادته على ازدهار اعماله ينبغي ان يكون غزة. ومثال ذلك سميرة (43 عاما) وهي مدرسة وام لخمسة تسكن بالقرب من المجمع الامني لحركة لمقاومة الاسلامية (حماس) الذي قصف أكثر من مرة خلال الهجوم الذي شنته اسرائيل على القطاع في الفترة من ديسمبر كانون الاول 2008 الى يناير كانون الثاني 2009. قالت "جفاني النوم لاشهر بل لعام. كانت الاحلام تطاردني وحتى وانا مستيقظة اسمع اصوات الانفجارات في حين لم يكن هناك اي شيء يحدث فعليا." وتابعت "كما ان احد اطفالي ظل يبلل فراشه لعدة اشهر." كان ينبغي ان يتولي احصائي نفسي علاج هذه الحالة وهذا ماحدث هذه المرة. ولكن في غزة ورغم عقود من الاجتياج الاسرائيلي والحصار الاقتصادي والاقتتال الداخلي المميت بين الفلسطينيين والفقر المدقع فان علاج الصدمات امر مستحدث ولا يكلل بنجاح تام دائما. ويقدر خبراء ان ما يصل الى 15 في المئة من سكان غزة يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة ولكن العلاج النفسي المعمول به في الغرب وافد جديد نسبيا. وبالنسبة لسكان غزة - الذين يضعون العلاج النفسي في مرتبة تالية لتوفير قوت يومهم- ثمة عوامل ثقافية تجعلهم يخشون طلب مساعدة خارجية لعلاج مشاكل عاطفية ونفسية. ويضمن الحصار الاسرائيلي بقاء القطاع فقيرا وفي وضع لا يتيح لسكانة تكبد تكلفة خدمات صحية جديدة. وقال حسن زيادة من برنامج غزة للصحة النفسية "نحن بحاجة لاخصائيين في جميع المجالات .. نحن بحاجة لمختصين للتعامل مع الاطفال واخرين للتعامل مع الكبار ونحن بحاجة الى مختصين للتعامل مع حالات خاصة ومعقدة من الاضطرابات النفسية ومضى قائلا "غزة تفتقر لاخصائيين نفسيين ممن تنطبق عليهم المعايير المطبقة في دول الجوار." واضف الى ذلك ان بروز مشكلة تعاطي العقاقير مع جلب ادوية للمساعدة في علاج الاضطرابات النفسية. واسفر الهجوم الذي شنته اسرائيل بهدف وقف هجمات بصواريخ قصيرة المدي على جنوبها عن مقتل 1400 فلسطيين واصيب اكثر من أربعة الاف. وفي اعقاب الهجوم وباعتبار العلاج النفسي بديلا غير معروف نسبيا بدا سكان غزة يعالجون انفسهم بتناول عقار ترامادول المخدر لتهدئة اعصابهم المتوترة ونوبات الفزع المتكررة. وشيئا فشيئا بدات غزة تسيطر على جنون العقاقير في غزة. وفي الوقت الحالي يباع عقار ترامادول رسميا بتذكرة طبية فقط ولكن يظل استخدامه كعقار للترويح عن النفس يمثل مشكلة خطيرة. وقال صيدلي "لقد توقفت عن جلب اية طلبيات وان كانت لاستخدامات قانونية. .انني اعلم الاثر المدمر للاستخدام السيء لهذا الدواء على صحة الشباب." ويوجد الان علاجات تحمل املا أكبر لمن يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة والاكتئاب وغيرهما من الامراض النفسية. وصرح ضياء صايمة مسؤول برامج الصحة النفسية بمنظمة الصحة العالمية في غزة ان المنظمة "نحاول ادخال خدمات الصحة النفسية في مراكز الرعاية الاولية ودربنا حتى الان 300 طبيب وممرض" في 56 عيادة . وقال "لا يزال كثيرون يعتبرون زيارة طبيب نفسي وصمة عار. ولكن الافراد يتوجهون لمراكز الرعاية الاولية وهناك طبيب مدرب يمكنه معرفة ما يحتاجونه بالفعل." ويقول خبراء ان غزة تحتاج قانون مزاولة لتنظيم المهنة حيث ان كثيرين من ممارسيها تلقوا تعليما ذاتيا. ويقول زيادة انه لا تتوافر بيانات رسمية عن حالات الاصابة باضطرابات ما بعد الصدمة في غزة ولكنه يتفق مع دراسة اجراها زميله قدرت ان ما بين 10 الى 14 في المئة من سكان القطاع البالغ تعدادهم 1.5 مليون نسمة يعانون من هذه الاضطرابات . وقال "نحن نتحدث عن اشخاص تنطبق عليهم المعايير الكاملة للاضطراب النفسي نحن لا نتحدث عن اشخاص يعانون من ردات فعل ناتجة عن ضغوطات معينة في حياتهم اليومية او بعض المصاعب." وقال نائب وزير الصحة حسن خلف ان حالات اضطرابات ما بعد الصدمة في غزة تزيد عن 15 في المئة ولكنه انه ليس اكثر المشكلات النفسية انتشارا. واوضح أن أكثر هذه المشاكل الحاحا الاكتئاب وان اسبابه متعددة من بينها الحصار الحالي والحرب على غزة في العام الماضي وتبعاتها المستمرة والوضع الاقتصادي السيء وغياب رؤية مستقبلية. وتتعقد مشاكل غزة باجواء الشك المتاصلة في الصراع القديم بين حماس وفتح التي تحبذ المفاوضات مع اسرائيل وقد ابعدتها حماس من غزة في عام 2007. ويقول اطباء ان الفلسطينيين أكثر استعدادا الان لقبول العلاج النفسي من ذي قبل ولكن ثمة ترددا في مناقشة المشاكل العاطفية والنفسية. ويقول زيادة "الوعي افضل ولكنه لا يزال محدودا وبعض الناس مازالوا يعتبرون مسألة ان ذهبوا الى اخصائي نفسي بمثابة المحرمات أو العار." وطالما تسيطر حماس على غزة وتبقى على عدائها لاسرائيل تقل فرص رفع اسرائيل الحصار ولكن على الاقل سيظهر تاثير بعض الخدمات من بينها خطوط المساعدة والاستشارات عن طريق الانترنت حتى وان لم تبتعد أعمال العنف كثيرا. وقالت المدرسة سميرة "كان من الصعب علي زيارة طبيب ولكن صديقة لي اقنعتني بان زيارته ليست وصمة عار واخيرا ذهبت لطبيب بصحبة ابني." واضافت "بعد عدة اسابيع من العلاج بدأت اشعر بتحسن وتوقف ابني عن التبول في فراشه. اعتقد انني تعافيت وامل ان تنتهي اعمال العنف ولكن ربما هذا لن يحدث."