سعر الذهب اليوم السبت 4-5-2024 في مصر.. الآن عيار 21 بالمصنعية بعد الارتفاع الأخير    أخبار مصر: خبر سار للاقتصاد المصري، فرمان بنهاية شيكابالا في الزمالك، شيرين تثير الجدل بالكويت، أمريكا تطالب قطر بطرد حماس    بعد إعلان موعد فتح باب التقديم.. اعرف هتدفع كام للتصالح في مخالفات البناء    وانتصرت إرادة الطلبة، جامعات أمريكية تخضع لمطالب المحتجين الداعمين لفلسطين    حسين هريدي: نتنياهو ينتظر للانتخابات الأمريكية ويراهن على عودة ترامب    حزب الله يستهدف جنود الاحتلال الاسرائيلي داخل موقع بيّاض بليدا    روسيا ترد على اتهامات أمريكا بشأن تورط موسكو في هجمات إلكترونية ضد دول أوروبية    صلاح سليمان يعلن رحيله عن قناة النهار بسبب هجوم إبراهيم سعيد على شيكابالا    مفاجآت بالجملة في تشكيل الأهلي المتوقع أمام الجونة    حالة الطقس المتوقعة غدًا الأحد 5 مايو 2024 | إنفوجراف    نشرة المرأة والصحة : نصائح لتلوين البيض في شم النسيم بأمان.. هدى الإتربي تثير الجدل بسعر إطلالتها في شوارع بيروت    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام وولفرهامبتون    30 دقيقة تأخير في حركة قطارات «القاهرة - الإسكندرية» السبت 4 مايو 2024    اكتشاف جثة لطفل في مسكن مستأجر بشبرا الخيمة: تفاصيل القضية المروعة    إصابة 15 شخصًا في حادث سيارة ربع نقل بالمنيا    المالية: الانتهاء من إعداد وثيقة السياسات الضريبية المقترحة لمصر    بعدما راسل "ناسا"، جزائري يهدي عروسه نجمة في السماء يثير ضجة كبيرة (فيديو)    أسعار اللحوم والدواجن والخضروات والفواكه اليوم السبت 4 مايو    حدث ليلا.. خسارة إسرائيل وهدنة مرتقبة بغزة والعالم يندفع نحو «حرب عالمية ثالثة»    بكام الفراخ البيضاء اليوم؟.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية السبت 4 مايو 2024    الداخلية توجه رسالة للأجانب المقيمين في مصر.. ما هي؟    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    وفاة الإذاعي الكبير أحمد أبو السعود.. شارك في حرب أكتوبر    إغماء ريم أحمد فى عزاء والدتها بمسجد الحامدية الشاذلية    دراسة جديدة تحذر من تربية القطط.. تؤثر على الصحة العقلية    رسالة من مشرعين ديمقراطيين لبايدن: أدلة على انتهاك إسرائيل للقانون الأمريكي    إسماعيل يوسف: «كولر يستفز كهربا علشان يعمل مشكلة»    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال أعياد القيامة وشم النسيم    المحكمة الجنائية الدولية تحذّر من تهديدات انتقامية ضدها    مالكة عقار واقعة «طفل شبرا الخيمة»: «المتهم استأجر الشقة لمدة عامين» (مستند)    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    37 قتيلا و74 مفقودا على الأقل جراء الفيضانات في جنوب البرازيل    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024 في المصانع والأسواق    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    معرض أبو ظبي للكتاب.. جناح مصر يعرض مسيرة إبداع يوسف القعيد    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    مصرع شاب في حادث اليم بطريق الربع دائري بالفيوم    برش خرطوش..إصابة 4 من أبناء العمومة بمشاجرة بسوهاج    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    أول تعليق من الخطيب على تتويج الأهلي بكأس السلة للسيدات    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعاد محمد وطاردة ام كلثوم ؟

عاشت المطربه الكبيره سعاد محمد مع زوجها الشاعر الغنائي محمد علي فتوح في إحدى ضواحي دمشق
ورغم أن سعاد محمد لم تبق في دمشق طويلا، فإنها لم تغب عن مسارح سورية، ولا عن ذاكرة سورية التي منحتها الاستقرار والأمان في فترة من الفترات، فقد غنت للجلاء من أشعار الشاعر السوري الكبير بدوي الجبل ومن ألحان الملحن السوري محمد محسن (جلونا الفاتحين) فتألقت وأبدعت... وحين كانت حرب تشرين عام 1973 شدَتْ برائعتها (زغردي يا شام) التي لحنها رياض السنباطي... لتؤكد صدق مشاركتها في الحدث القومي، وعمق إحساسها بالتواصل مع شعب سورية في أجلى لحظات الاعتزاز الوطني.
ولدت سعاد محمد في بيروت في الرابع عشر من شباط (فبراير) عام 1931 لعائلة لبنانية محافظة، وقد عرفت مرارة اليتم باكراً، فقد توفي والدها وهي في السنة الأولى من عمرها، ولم يترك لها ما ترثه سوى صوته الجميل الذي ُعرف به، رغم أنه لم يحترف الغناء.
وقد بدأت سعاد محمد الغناء في سن مبكرة جداً، حيث كانت تؤدي أغاني أم كلثوم وهي في السابعة من عمرها..
(ولكن الاسره كان لها راى اخر حتى انها كانت تتدل داخل الدولاب وتغنى وضبطتها والدتها وهى متلبسه بالغناء وانهالت عليها ضربا ولم تكن الأم وحدها، هي التي ترفض الغناء، بل كان الأعمام الأوصياء على تربية أولاد شقيقهم المتوفى، يقفون الموقف ذاته. ولأن الموهبة تقود صاحبها نحو انتزاع هامشه بالقوة والإصرار لترسم له مصادفة ما أو فرصة ما؛ فإن موهبة سعاد محمد قادتها نحو دروب الغناء مشفوعة بحب فطري لهذا العالم، من دون أن تدرك أنها تفتح أبواب الجحيم العائلي على نفسها في أكثر من مرحلة. مرة للحيلولة دون احترافها للغناء، وأخرى للاستيلاء على مواردها من هذا الغناء!
لم تكن سعاد محمد تمتلك تلك الشخصية القوية التي يمكن أن تجابه الرفض، أو تسبح ضد التيار... ولولا وجود شقيقها (مصطفى) الذي كان يشجعها ويمد لها يد العون والمساندة لما تمكنت أن تخطو خطوة في عالم الفن، وخصوصا أن أشقاءها الآخرين كانوا كالأم والأعمام يرفضون الفكرة بشدة!
وفي مسارح وملاهي بيروت بدأت سعاد محمد طفلة دون العاشرة من العمر، تغني وتطرب السامعين بصوتها الذهبي... وقد تداولت الصحافة الفنية في أربعينيات القرن العشرين شائعة مفادها أن أم كلثوم سمعت أن هناك فتاة صغيرة ذات صوت ذهبي تغني أغنياتها، فأرسلت الملحن زكريا أحمد إلى بيروت ليستمع إليها.
وكانت تغني في ملهى (التياترو الكبير) وتم اللقاء في بيت المطربة صباح، التي طلبت من (مصطفى) شقيق سعاد المؤمن بموهبتها إحضارها لتعرّف بها، وكان اللقاء الذي غنت فيه أمام زكريا أحمد (غلبت أصالح) فأطرب بصوتها لدرجة أنه حمل عوده وبدأ يعزف... وكانت تلك بداية تعرفها على هذا الملحن الكبير الذي سيلحن لها فيما بعد الكثير من الأغنيات.
إلا أن التحول الكبير في حياة سعاد محمد، كان في دمشق التي كانت تتردد عليها لتغني في مسارحها ونواديها الليلية، حين تعرف عليها الملحن السوري محمد محسن، وأعطاها فى موسم 1947 أول الألحان الخاصة بها (دمعة على خد الزمن) التي حققت نجاحا كبيرا في حينه، ثم ( ليه يا زمان الوفا ) و( مظلومة يا ناس) وكانت جميعها من كلمات الشاعر الغنائي وزوجها محمد على فتوح .
ودفعت تلك الالحان بمحمد محسن وسعاد محمد إلى الصف الأول في بلاد الشام، ولم تعد مجرد مطربة مغمورة تغني لأم كلثوم، بل أضحت صوتاً جديداً ومعبراً ومثيراً لاهتمام الملحنين، وخصوصا أنها أدت تلك الأغنيات بإحساس ودفء متوقدين، وعبر صوت قادر على إشباع هذه النبرة الميلودرامية في الشكوى من قسوة الزمن وظلم الناس
وعام 1948 هزت نكبة فلسطين وهزيمة جيش الإنقاذ العربي، الوجدان العربي...
وسافر المخرج المصري محمود ذو الفقار إلى بيروت، ليبحث عن فتاة تقوم ببطولة فيلم يتحدث عن نكبة فلسطين... وعندما استمع إلى سعاد محمد قرر أن تكون هي بطلته، ودعاها إلى القاهرة كي تغني وتمثل في فيلم ( فتاة من فلسطين ) الذي لعبت بطولته أمام المخرجو غنت يا مجاهد فى سبيل الله ايش صابك يا حبيبه الهلال الاحمر يابنت البلد و الاغنيات من نظم بيرم التونسى والحان محمد القصبجى و رياض السنباطى وشارك التمثيل حسن فايق و زينب صدقى و صلاح نظمى وكان العمل من انتاج و سيناريو وقصة الفنانه عزيزه امير زوجة المخرج ، وعرض في الاول من نوفمبر 1948 بدار سينما فريال بالاسكندريه.
وتكررت تجربة سعاد محمد في السينما، ولكن بعد أربعة أعوام من تقديم فيلمها الأول، وكانت تجربتها الثانية مع المخرج هنري بركات في فيلم ( أنا وحدي ) و غنت انا وحدى من نظم صالح جودت و فتح الهوى الشباك من نظم مامون الشناوى والحان رياض السنباطى – و القلب ويا العين و هاتوا الورق والقلم من نظم مامون الشناوى والحان محمود الشريف و شاركها التمثيل عمر الحريرى و ماجده ونور الدمرداش و فيكتوريا حبيقه والراقصه كيتى و ميمى شكيب و عبد الرحيم الزرقانى و فاخر فاخر و ثريا فخرى وكان العرض 8 ديسمبر 1952 وعرض بدار سينما رويال بالاسكندريه .
ورغم أن هذين الفيلمين لم يحققا الشهرة السينمائية لسعاد محمد، فإنهما أكدا مجدداً على موهبتها الغنائية المتفردة وصوتها القوي القادر، وخصوصا بعد أن غنت من ألحان كبار ملحني مصر في ذلك الوقت: محمود الشريف وزكريا أحمد، محمد القصبجي، رياض السبناطي... ويذكر الناقد صميم الشريف في كتابه (الأغنية العربية) أن السنباطي قد حاول إقناع سعاد محمد بالبقاء في مصر، وإقامة حفلات شهرية على غرار أم كلثوم ، فترددت بالقبول مرجئة ذلك لحين عودتها إلى القاهرة ثانية، بسبب الأعباء العائلية التي كانت تنوء تحت وطأتها... ويضيف:
ولما كانت أم كلثوم قد استشعرت خطراً شبيهاً بالخطر الذي مسها ذات يوم من أسمهان، فقد استعانت بمعارفها لتلفق الحادثة المشهورة في مطار القاهرة الدولي، التي اتهمت فيها سعاد محمد بتهريب المجوهرات خارج القطر المصري. والمجوهرات التي ضبطت مع سعاد محمد كانت مجوهراتها الخاصة، التي حملتها معها من لبنان عند وقد اعتبر عملها تهريباً للمجوهرات بدعوى أنها لم تصرح بها عند دخولها لمصر.. سفرها
وكثيرين رأوا أن أم كلثوم كانت مبالغة في خوفها وتوجسها من منافسة سعاد محمد، فرغم الإمكانات الصوتية الكبيرة التي تتمتع بها، والإحساس الفني الرائع الذي تؤدي به أغانيها فترقى بالكلمات والمعاني إلى ذرا طربية تبعث على النشوة... فإن طبيعة سعاد محمد البسيطة التكوين، والتي كانت تفتقر للحنكة والقدرة على التعامل مع خفايا الوسط الفني وإدارة صراعاته المحمومة... والتي ظلت تعوزها القدرة على تسويق نفسها وصناعة الكاريزما الخاصة بها، كل هذا يجعل من هذه المنافسة حالة واهمة أكثر منها خطراً افتراضياً محتملاً!
والواقع أن سعاد محمد التي تأثرت منذ طفولتها بنمط الأداء الكلثومي، وأقرت بالحضور الطاغي لأم كلثوم، الذي صنع مكانتها الخاصة في قمة الهرم الغنائي العربي وأحياناً السياسي، لم تسعَ في يوم من الأيام لمثل هذه المنافسة أصلاً، حتى وهي تمسك المنديل بيدها أثناء الغناء على المسرح كما كانت تفعل أم كلثوم..:
عادت سعاد محمد إلى لبنان، وتنقلت في إقامتها ونشاطها الفني بين دمشق وبيروت خلال النصف الثاني من الخمسينيات، والواقع أنها لم تتمكن من إزالة قرار المنع المصري، إلا بعد قيام الوحدة بين مصر وسورية
وخلال تلك الفترة كانت سعاد محمد قد أنجبت ستة أولاد من زوجها الأول الشاعر اللبناني محمد علي فتوح الذي رافقها وشاركها نشاطها الفني لمدة خمسة عشر عاماً، قبل أن تنفصل عنه وتتزوج في مصر ثانية فيما بعد. وعندما عادت إلى مصر كانت تحلم باستئناف نشاطها الفني على نحو يعوض فترة الانقطاع، لكنها لم تجد الطريق مفروشة بالورود... وكان رياض السنباطي، الذي كان يرى أن الصوت الوحيد القادر أن يملأ الفراغ الذي أحدثه غياب أم كلثوم إلى حد ما هو صوت سعاد محمد. ولهذا لم يبخل عليها بالألحان يوماً، بل مد لها يد العون في المشروع المهم الذي قامت به بعد عودتها إلى مصر، وغنت من الحانه قصيدة اذا الشعب يوما اراد الحياه لابى القاسم الشابى – بلبل الورد بكى و لحن شهر زاد و انا وحبيبى من نظم عبد الفتاح مصطفى – مابين حبى وحرمانى من نظم محمد مراد فؤاد و غنت سعاد محمد من الحان احمد صدقى نور طريقنا يارب – من غير حب – اذا ما الصبح نادانى – امان الله – انى احب – شاطئ النور – روق الانانى ياعينى – حزر فزر – تنهيده – وداع – هرم ابن النيل يابعيد – ياللى رماك الهوى و غيرهم من الدرر و سجلت بعض أعمال سيد درويش بصوتها، والتي اشتهر منها أداؤها الأخاذ لدور (أنا هويت وانتهيت) الذي رأى النقاد أنه كان من الحالات القليلة التي عبرت فيها سعاد محمد عن شخصيتها الغنائية المستقلة بعيداً عن تأثيرات الفن الكلثومي، فقد تجاوزت في أدائه كُلَّ من أدوا هذا الدور سابقاً ولاحقاً، وحلقت فيه بمساحات صوتية لم يسبقها إليها أحد... ولكن ما كادت تظهر هذه الأعمال وتنتشر، حتى رفع ورثة سيد درويش قضية ضدها، وأرغموها على دفع تعويضات مالية كبيرة، ومنعوها من تسجيل أعمال أخرى، كان صوتها الثمين كفيلا بإعادة إحيائها بصورة مبدعة وخلاقة.
لقد كانت سعاد محمد في كل الصدمات الفنية التي تعرضت لها، امرأة طيبة ومسالمة، تعتقد أن المشكلة تكمن فقط في حظها السيئ في هذه الحياة... رغم إيمانها بفنها وبإحساسها وبقدراتها الصوتية. والأمر نفسه انعكس على حياتها العائلية التي ظلت خلال فترة طويلة من نشاطها الفني مبعث قلق وبؤس وخوف يكدر مشوارها الفني.
ورغم غياب الناصحين والمخططين الجيدين لها في أكثر من مرحلة حرجة مرت بها، فإن علاقتها برياض السنباطي التي كانت تعتبره من طينة مثالية نادرة الوجود، بقيت إحدى أبرز المرتكزات التي صنعت مجدها الفني، وخصوصا فن القصيدة التي كان السنباطي ملكها المتوج بلا منازع
وقد تحولت هذه الأغنيات بأداء سعاد محمد المفعم بقوة الإحساس، إلى تراث كلاسيكي حقق شهرة للعديد من المطربين الشباب الذين استعادوه بأصواتهم لاحقاً كالسوري نور مهنا، والمصري خالد عجاج... لكن من دون أن يقدموا لها ما تستحقه من اعتراف معنوي أو حتى استئذان أدبي على الأقل
عاشت سعاد محمد دراماها الشخصية والعائلية على هامش حياتها الفنية، وربما كان عليها أن تعيش حياتها الفنية على هامش العصر السياسي الذي واكبته أيضا. لقد كانت سعاد محمد بالمصادفة أو بسواها، بطلة أول فيلم سينمائي عربي أنتج عن قضية فلسطين... ورغم الصبغة الميلودرامية المتواضعة والطريقة التجارية التي صنع بها الفيلم، فإن ذكر اسم فلسطين على شاشة السينما بعد أشهر من حدوث النكبة، وسماع صوت سعاد محمد العذب والصافي النبرات، وهي تغني للجهاد حينها، كان كفيلا بإلهاب أصدق المشاعر... وقد عادت سعاد لتغني للقدس في فترة لاحقة، حين قدمت قصيدتها (يا قدس) من كلمات الشاعر محمود حسن إسماعيل وألحان السنباطي لتبدع فيها أداء وإحساساً.
وعلى العموم سعت سعاد محمد لأن تلامس الحالة التحررية العربية التي عاصرت أفراحها وعلاماتها خلال تاريخها الفني، فغنت من كلمات عبد الوهاب محمد وألحان السنباطي للسد العالي في مصر، وغنت لتونس في أعيادها من شعر أبي القاسم الشابي (إذا الشعب يوما أراد الحياة) وغنت لعيد الجلاء في سورية (جلونا الفاتحين) مثلما غنت لحرب تشرين من أشعار أحمد أبو الوفا وألحان السنباطي أيضا (زغردي يا شام) وهي في كل هذه المناسبات والقصائد كانت تنحاز إلى حالة الاعتزاز الوطني والقومي، انطلاقا من شعور حماسي لا يستند لموقف سياسي أو رؤية راسخة، بقدر ما يواكب بصدق وحب مناسبة وطنية أو قومية هنا وهناك
كانت تغني سعاد محمد (مظلومة يا ناس) وكأنها كانت ترثي نفسها، وتستحضر وقائع وآلام حياتها على أكثر من صعيد؛ فقد ظلت تعتبر هذه الأغنية هي العنوان الحقيقي المعبّر عن شكواها من ظلم الزمن لها، ومن عدم إنصاف من حولها، ومن كل محاولات الاستغلال التي تعرضت لها في الفن والحياة.. والتي كانت تدفعها لأن ترى في نفسها (إمرأة سيئة الحظ... والسلام) وقد شاركها السنباطي ذات مرة هذا الاعتقاد حين قال:
(إن سعاد محمد تفتقر إلى الحظ... عندما تغني أمام الجمهور، تنتزع الإعجاب... إعجاباً خاصاً لا تحظى به سوى القلة من المطربات... وبعد الحفلة سريعاً ما تنسى... إنه الحظ، لو أن الحظ حالفها لتغير كل شيئ)
لكن للناقد الموسيقي كمال النجمي رأيٌ آخر، إذ يرى أن سعاد محمد كان يمكن أن يكون لها شان أعظم في عالم الغناء، فيما لو اختطت دربا مختلفاً، يقول:
(كان ممكناً أن تستقل سعاد محمد منذ عقد الأربعينيات بفنها عن الفن الكلثومي، ولكنها لم تتمكن من ذلك إلا قليلاً، ولو تمكنت سعاد محمد من إقامة حاجز واضح بين فنها الغنائي وبين الفن الكلثومي الذي يبتلع كل شيء، لكان لسعاد محمد شأن آخر في عالم الغناء)
والواقع أن جزءاً من قدر سعاد محمد الفني، قد انعكس على ابنتها المطربة نهاد فتوح، التي بدأت مسيرتها الفنية في منتصف سبعينيات القرن العشرين، من خلال برنامج المواهب الشهير (أستوديو الفن) في التلفزيون اللبناني، والذي خرج معظم نجوم الغناء في السبعينيات والثمانينيات.
لم تشجع سعاد محمد ابنتها على احتراف الغناء، رغم اعترافها بموهبتها الغنائية وبجمال الصوت والإحساس... كانت تخشى منذ البداية أن تلاقي المصير نفسه، وأن تعيش مرارة الحروب الفنية والشخصية الكثيرة التي واجهتها في حياتها... وبعد أكثر من عشرين عاماً من العمل الفني، قررت الابنة نهاد فتوح في نهاية تسعينيات القرن العشرين أن تعتزل، واتصلت بأمها في القاهرة لتخبرها بقرار الاعتزال...
وهكذا لم تستطع سعاد محمد رغم سنوات الفن والمجد الذي اعترف لها به عمالقة عصرها، لم تستطع أن تشكل سنداً داعماً لمسيرة ابنتها حين قررت احتراف الغناء... وكان ذلك خير تعبير عن قلة حيلة هذه المطربة العظيمة في مواجهة تقلبات ونوائب الفن
لكن... وأياً يكن الأمر، فقد استطاعت سعاد محمد على الصعيد الشخصي، ورغم نشأتها المتواضعة، وثقافتها البسيطة، وقسوة الظروف العائلية التي عاشتها، أن تجعل من صوتها وإحساسها جواز مرورها لدخول تاريخ الغناء العربي، وإغناء روحه الكلاسيكية بنفائس القصائد والموشحات والأدوار، التي أدتها ببراعة وإتقان وفهم عميق لأصول فن الغناء العربي وقوالبه... كما استطاعت أن تتجدد بأغانيها الأخرى التي تفيض بالاشتياق والمشاعر وقيم الأصالة العاطفية، استطاعت أن تتجدد عبر حناجر مطربين شباب رددوا أغنياتها في السنوات الأخيرة وحققوا من خلالها الشهرة والنجاح
و غادرت عالمنا فجر الاثنين 4 يوليو 2011 رحمها الله المؤرخ والباحث فى التراث الفنى وجيه ندى [email protected] 01006802177 01204653157


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.