سُم استشرى في عظام وطن فقد هويته وهو ليس بالجديد، كنا ونحن صغار نسمع في الأتوبيسات والموالد عن شربة الشيخ محمود "اللي تموت الدود" ودهان ركب النملة وهلم جر، وكان دوماً البائع الدجال يبدأ كلامه بالصلاة على المصطفى وترديد بعض آيات الذكر الحكيم التي تبهر البسطاء وتجعل السيطرة على أفكارهم البسيطة سهلة ويجعل من قيادتهم أمر هين، ولما لا فالدجال هنا تسلح بأسلحته التقليدية من لحية وجلباب قصير لزوم النصب وترديد آيات قرآنية يعلم الله وحده مدى صحة نطقها. تذكرت شربة الشيخ محمود وأنا أشاهد السُم في ثوبه الجديد يخاطبنا ونحن جلوس في بيوتنا، ألا وهو إعلانات الفضائيات التي تنتشر كالبكتريا، لم يتغيًر شيء مازال الدجل بصبغته الدينية ومازال الدجال يستخدم نفس أدواته، يبدأ بالبسملة ويرتدي لباس السلف، وإذ بمعظم الفضائيات تعلن عن عشب ينفع للجنسين unisex يعني، وهو عشب بن علي اليمني، لم اهتم ابدأ بالتلفاز أو إعلاناته فدوماً ما تكون مشاهدتي للتلفاز في بؤرة اللاشعور، ولكن هذه المرة كنت وصحبة من الأصدقاء في احد المقاهي وطلب إحدانا شاي بالحليب وإذ بصبي المقهى ينادي بصوته العذب مخاطباً زميله خلف النصبة وعندك واحد شاي ميزة على مية بيضا وصلَ بينا ع النبي، شاهدت إعلان عشب بن علي اليمني وكيف برجل يبدو من مظهره إنه أجنبي ينكفئ على نبات لا يزيد طوله عن 30 سم والصوت المُصاحب للصورة يعدد مزايا هذا العشب وكأنه أسطورة وعلينا أن لا نذهب لطبيب ويجب أيضاً إغلاق كليات الطب بالضبة والترباس، انتبهت لصاحبي وهو يشرب الشاي بالحليب وهو يقول ضاحكاً: - ما أقبح الشاي الميزة على مية بيضا وصلَ بينا ع النبي. أرتفع صوته مُنادياً صبي المقهى وعلى وجهه ابتسامة وقال له ساخراً - اسمع أنا عايز شاي بحليب مش على مية بيضا ومن غير ما تصلي بينا ع النبي ضحك جمعنا من طريقته الساخرة وهو يؤنب صبي المقهى، وأخذت طرف الحديث وسألتهم عن إعلان المدعو بن علي اليمني، وإذ بهم جميعاً يضحكون ويقروا بدجل الإعلان والإعلام وهذه النبتة التي ينكفئ عليها الخواجة ليس إلا نبات الماريجوانا المُخدر. مصر في عصر الفضائيات