المظاهرات والاحتجاجات والمسيرات التى باتت كل يوم تخرج تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية، وضرورة تحكيم شرع الله تعالى، أو تطالب بغير ذلك لكنها لا تخرج عن رفع شعارات تطبيق الشريعة، يجب على منظميها والداعين إليها أن يحددوا أولاً ما معنى «تطبيق الشريعة الإسلامية»؟ وكذلك عليهم أن يسألوا أنفسهم ويحاولوا الإجابة بصدق وإخلاص، هل الشريعة الإسلامية لا تطبَّق أم يطبَّق منها جزء، لكنه ليس كل شىء؟ وهل هذا الذى يتم تطبيقه يكفى، أم أنه قليل جدًّا، مقارنة بما يتم تركه من أحكام وفروض وسنن الشريعة الإسلامية؟ وإذا كانت الشريعة الإسلامية لا تُطبَّق من وجهة نظر مجموعة من الناس -قلّت أو كثُرت- وهم غير راضين عن ذلك، ويخرجون جماعات وأفرادًا، مطالبين بضرورة تطبيقها كما ينبغى (وكما ينبغى هذا يكون من وجهة نظرهم وحدهم)، فهل يتفضلون ويذكرون كيف يتم تطبيق شرع الله؟ وأىُّ مذهب سيكون معتمدًا لديهم؟ ولماذا؟ وأىُّ شيخ سيكون إمامًا لهم؟ ولماذا أيضًا؟ وهل هذا سيُرضى جميع المسلمين أم أن هناك مسلمين موحدين أيضًا لن يرضوا بغير مذهبهم الذى يتبعون، وإمامهم الذى به يقتدون؟ إن جملة «تطبيق الشريعة» فضفاضة متسعة، وتحمل من المعانى والأفكار الكثير، ويتاجر بهذه الجلمة كثير (وكثير جدًّا) ممن ينادون بها، وهناك كثير آخرون لا يعرفون معنى الشريعة، فضلا عن كيفية تطبيقها وكنه.. هؤلاء المتاجرون بالشريعة عليهم أولاً أن يجيبوا عما سبق من أسئلة، وإلا فهم يريدون «تطويق الشريعة» بمذهب واحد لا يرضون بغيره، وإمام واحد سيكون معصومًا دون غيره (رغم أنه لا عصمة بعد محمد، صلى الله عليه وسلم).. كلمة «تطبيق الشريعة» أو «تطبيق شرع الله» لم ترد فى كتاب الله أو سنة نبيه، وإنما ورد «عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى»، و«تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدًا كتاب الله وسنتى»، و«لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا»، فإن كانت جملة «تطبيق الشرع» منهجًا حقيقيًا، فعلى من ينادون بها أن يذكروا لنا منهجهم هذا، وهل وحدهم حماة الشريعة ويحملون ألوية تطبيقها والحفاظ عليها، دون غيرهم من بقية المسلمين، حتى لو كان غيرهم أشد منهم إيمانًا بتركه الدنيا وزينتها؟ إذا أردتم تطبيق الشريعة الإسلامية، فعلِّموا الناس أصلاً أحكام ومبادئ الإسلام، وهم سيطبقونها من تلقاء أنفسهم، فليس هناك رقباء على شرع الله والإلزام بتطبيقه إلا فى الدول التى تتخذ من الإسلام خصوصًا، والدين عمومًا، حجابًا وستارًا لأغراضها الفاشية.. وطالما نطالب بضرورة تطبيق الشريعة، فإنه ينبغى أن يحتكم كل مواطن إلى شريعته التى يؤمن ويدين بها، المسلمون إلى إسلامهم، والمسيحيون إلى مسيحيتهم، واليهود إلى يهوديتهم، وعبدة الشياطين والأوثان إلى شياطينهم وأوثانهم، ولا تقُل إن هذا ليس دينًا، فقد أكد المعصوم الذى لا ينطق عن الهوى فى كتاب الله تعالى الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أن كفار قريش عبدة الأصنام والحجارة لهم دين، فقال تعالى «لكم دينكم ولى دين».. فليحتكم كل واحد إلى دينه وشريعته.. فمن يعبد الأوثان والشيطان لا تعاقبه لأن شيطانه وأوثانه لا تفرض عليه عقوبات، أو تحدّ له حدودًا، لأنها لا تراه ولا تسمعه يرتكب أى آثام.. هناك فرق شاسع بين القانون المدنى الذى يُطبَّق على جميع مواطنى البلد دون تمييز على أساس من جنس أو لون أو دين، وبين القانون الشرعى الذى يلتزم به المؤمنون بالدين الذى ينتجه وتخرج منه تلك الأحكام.. القانون المدنى هو الذى ينظم العلاقة بين المواطنين وبعضهم، وقد يستمد بعض (أو كل) أحكامه وضوابطه من الشرائع والأديان، بما يتفق مع مصالح المواطنين، أما القانون الشرعى فإنه ينظم العلاقة بين العباد وربهم، ولا وسيط بينهما فى تلك العلاقة، ولا رقيب على العباد من أحد مهما علا شأنه أو ارتفعت مكانته ومنزلته.. والشرع يضمن لأتباعه الدار الآخرة بالعمل فى الدنيا، أما القانون المدنى فينظم العمل فى الحياة الدنيا فقط..