قد تعرف السياسة الاستقطابات وعقد التكتُّلات .. قد تعرف السياسة تبديل المواقف حسب المُعطيات والمُستجدَّات .. قد تعرف السياسة التلوُّن بعبقريَّةٍِ ودهاءٍ شديدين وحسب المصالِح والتهديدات كسباً ودرءاً وتلافياً .. قد تعرف السياسة فنون المناوراة .. ومهارة التفاوض بين تحقيق أعظم كسب وأقل خسارة إنما هل تعرف السياسة فنون الخديعة .. سؤال تطلَّبت الإجابةُ عليه الأحداث الآنية على المشهد السياسى الداخلى والدولى .. فلقد رأينا ميكافيلية سياسية غير معهودة وحسب الأصول والأعراف المقبولة وإن تطرَّفت.. السياسة لم تعرف الخديعة بالمُطلق الا على أيدى الصهيونية العالمية .. بل وكل الأيديولوجيَّات التى تتسم بالتسامى على الآخر .. كالنازية وقد تعاظم لديها الجنس الآرى على غيره من الأجناس والشعوب .. وكما الصهيونية وقد تعاظم لديها الجنس اليهودى على البوهيم من باقى شعوب الدنيا .. بل وأكادُ أُصدِّق أن الفكرة ذاتِها موجودة بجماعة الإخوان أنفسهم فى محل نظرهم لمن هم دونهم فهم المسلمين فحسب وكل من دونهم كافِر تجب دعوته للإسلام من جديد .. والإسلام هم وفكرهم وكل ماغيرهم زندقةٌ وفِسق يتطلب النظر للآخرين بإستعلاء بل وبإحتقار أحياناً وكيف لا وهم غير مسلمين بل ولايريدون المشروع الاسلامى بالأساس كنظام حُكم .. هو ذات منطق الأإيار لدى اليهود فى محل نظرشهم لمن هم دونِهِم .. ذلك الإحساس بالتمايز وإحتقار الآخر وبموجب عقيدة وأيديولوجية يجعل من الميكافيلية المُتطرِّفة نظريةً مقبولة فى الواقع السياسى المُعاصِر والتى تتولَّد من رحمها نظريَّات الخديعة السياسية من دون خجل .. لذا فقد وُصِمت الصهيونية بعدم احترام العهد ولا المواثيق ولا أعراف الشعوب ولا الفطرة الانسانية .. ومن ثم كان مُباحاً لديها جعل الأطفال والنساء والعجائز دروعاً بشريَّةً فى المعارك والعمليات العسكرية المحدودة وبلا خجل من طباعٍ بشريَّةٍ فطريَّة .. كما والمبدأ لديهم ان غاية القصد تُبرِّر غاية الوسيلة ومهما تغالت دناءتها وخِسَّتِها .. ومن ثم باتت الخديعة لديها مبدءاً سياسياً يَعتنقونه .. فكان لاضير من تجاوز الأعراف العسكرية لدى اسرائيل فى حربها مع مصر بضرب مدرسة بحر البقر بأطفالها الصغار من دون خجل كى تُثير الشعب على ناصِر كقيادة .. كما لاضير أن تمارس الذبح والتقتيل فى مجازر غزَّة وعلى المدنيين العُزَّل وبأبشع الأسلحة الكيماوية والبيوولوجية كى تُصيب الإرادة الفلسينية فى مقتل وهم أصحاب الأرض والتاريخ .. كلُّ شىء يباتُ مُباحاً .. الخديعة والخِسَّة والدناءة مادامت جميعُها تستطيع أن تُحقِّق مكاسب سياسية على الأرض .. وهذا مايُخالِف المُستقر عليه فى أعراف الشعوب والديانات السماوية وقد كان محمدٌ رسول الاسلام يُحذَِر جُنده قبل معارِكِه ألَّا يقتلون طفلاً ولا إمرأةً ولاشيخاً ولايهدمون داراً ولايقطعون شجرة ولا يُجهِزون على من طلب الأمان والإستسلام .. تلك مبادىء البشريَّة النبيلة التى لاتعرف الا شرف الرجولة فى النزال والقتال والتلاحُم .. ولاتقبل مُكتسباتٍ سياسيةٍ على الأرض وقد نالت من مبادىء الدين والأخلاق على هذا النحو اللذى بتنا نشاهده جهاراً وبإسم السياسة الميكافيلية .. كل هذا فى العُموم ولكن السؤال .. هل يُمكِن وبإسم الإسلام ذاتِه تحقيق مُكتسباتٍ سياسية على ارض الواقع السياسى وبموجب خديعةٍ لا ترتكن لِعرفٍ ولادينٍ ولا أخلاق .. والسؤالُ أكثر وضوحاً .. هل يُمكن اعتناق مبدأ ضرب الذات وفى العُمق بغية تحقيق مكاسب سياسية .. والسؤال بوضوحٍ أكثر .. هل يُمكن لفصيلٍ سياسى أن يقبل القيام بعمليَّةٍ عسكرية على جيش بلاده ذاتِها كى يتمكن من ازاحة من يعتبرهم مناوئين سياسيين .. والسؤال بجلاء أكثر .. هل يمكن أن نعتقد بصحَّة ما أُثير من اتهام حماس كأحد الفيالِق العسكرية لجماعة الإخوان من تدبير وتنفيذ عملية رفح وقتل أبنائنا من رجال الجيش كى يتمكن الإخوان من اكتساب تعاطف الشعب فى التخلُّص من عنان وطنطاوى وبركلةِ قدمٍ بسيطة .. وهل يُمكن تصوُّر قيام بعض المنتسبين لتلك الجماعة بتدبير حادثة تسمم طلبة الأزهر كى تتمكن الجماعة من التخلص من شيخ الجامع الأزهر وسط تعاطف شعبى مع القرار بهذا.. انه مجرد سؤال يحتاج لإجابة .. لايُمكِن إماطة البصر عن التأمل بخصوصِها خاصةً ومبدأ الخديعة كنظريَّةٍ جرثوميَّةٍ قد اعتنقوها من قبل بصدد التخلُّص من شخصيَّاتٍ عامةٍ قصد كسبٍ سياسى أو تفويت مصلحةٍ للمنافسين المناوِئين .. كمثل النقراشى باشا عام 1946.. وكذا حادث المنشية ومحاولة قتل ناصر عام 1954 وغيرها وغيرها .. ومن ثم مادام المبدأ موجود تاريخيَّاً وقد أنشأوا لاجل تطبيقه النظام الخاص لديهم قصد تنفيذه فيُمكن الظن بكل تلك الظنون والمخاوِف .. هنا فى نظرى لابد وأن تقوم الجماعة بإبراء نفسها وبالأدلَّة من كل تلك الإتهامات كى تحتفظ لنفسها بالوجودِ الآمن وسط الخريطةِ السياسية المصرية .. فإن لم تفعل فقد خسرت كافة مكتسباتها من بعد نضالٍ سياسى لايجحدُهُ جاحِد .. هو نضال يؤكِّد البعض أنهُ ليس وطنيَّاً فى ذاتِه لكنهُ نضالاً لمصلحة التنظيم العليا وبإمتياز .. الجماعة اليوم ومشروعها السياسى بل ونضالها التاريخى ومدى وطنيتها .. كل هذا قد بات على المحَك .. فهل سينجحون فى إثبات كذب الظنون وعدم معقولية المخاوِف بل وعدم اعتناقهم لنظرية النجاح السياسى بالخديعة.. سؤال .. ستُجيبُ عليه الأيَّامُ القليلةِ القادِمة !!!