منذ بداية العام الجاري والأطراف السياسية الليبية في حالة صراع على الشرعية والعملية السياسية في البلاد في حالة من التجاذبات والتناقضات التي أوقفت سيرها وحتى أوصلتها إلى حالة انسداد، والتدخلات الخارجية وجدت لنفسها مكانًا أكثر عمقًا لفرض املائاتها وخططها على الشعب الليبي وعلى حقه في تقرير مصيره بنفسه. حيث أعلنت سفارة الولاياتالمتحدة أنها تدعم تمامًا التجميد المؤقت لعائدات النفط في حساب المؤسسة الوطنية للنفط لدى البنك الليبي الخارجي حتى يتم التوصل إلى اتفاق بشأن آلية لإدارة الإيرادات. وأكدت سفارة الولاياتالمتحدة لدى ليبيا في بيان لها أنه يجب أن تتضمن الآلية اتفاقًا على النفقات التي تكتسي أولوية، وتدابير الشفافية، وخطوات لضمان الرقابة والمساءلة بحسب زعمها. وبينت السفارة الأمريكية أن الولاياتالمتحدة على استعداد لتقديم المساعدة الفنية بناء على طلب الأطراف الليبية للمساعدة في هكذا آلية وسيسهم التقدم على صعيد هذه القضايا المهمة في خلق بيئة سياسية أكثر استقرارًا بما يساعد في استعادة الزخم نحو الانتخابات البرلمانية والرئاسية كما يطلبها الشعب الليبي على حد زعمها. وتعليقًا على ذلك أشار المحلل السياسي أحمد الساعدي بأن المساعي الأمريكية التركية ستنجح في وضع خارطة جديدة تحفظ مصالح البلدين في ليبيا على حساب الليبيين أنفسهم، منوهًا إلى أن أبرز ملامحها اتضحت من خلال تصريحات السفير الأمريكي نورلاند وما تسرب من مقترح أمريكي. وقال المحلل السياسي: "التدخل الأمركي سيدفع باشاغا للجلوس مع الدبيبة والوصول لاتفاق، لأن الهدف الأساسي ليس حل النزاع الوهمي بين الحكومتين، بل استغلال الفوضى السياسي لإيقاع قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر، لتحييده عن الساحة السياسية، ومنعه من الترشح للانتخابات المقبلة". حيث تحدث عن ذلك أيضًا المحلل السياسي محمد الباروني، الذي رأى أنه وبعد مرور شهور من تعيين باشاغا رئيسًا للحكومة الجديدة، لم يستطع دخول طرابلس ولن يفعل، وبأن الصراع السياسي بينه وبين الدبيبة مجرد مسرحية هزلية لخطة ممنهجة تهدف لإسقاط المشير خليفة حفتر عن عرشه في قيادة الجيش الوطني الليبي. وحلل الباروني ذلك بقوله: "واشنطن وأنقرة لهما تأثير كبير على كل من الدبيبة وباشاغا لقدرة البلدين على حجب الاعتراف الدولي، وما تسرب من مقترح يتعلق باستمرار حكومة الدبيبة مقابل التعهد بعدم الترشح للانتخابات قد يكون مقبولا لطرف عقيلة صالح". وأوضح أن "عقيلة سيرحب بإبعاد منافس قوي مثل الدبيبة ليخلو السباق لمتسابق وحيد هو باشاغا، أما حفتر فقد وقع في فخ عقيلة وحلفائه الجدد وتم تشويهه، وقد ينخدع أيضا بفرصة الانتخابات ويقبل بها، ثم يلقون بالفضائح والدعوات القضائية عليه لمنعه من المشاركة، وبالتالي تحييده عن المشهد"، بحسب توقعاته. وأضاف: "أما بخصوص المستشارة الأممية وتصريحاتها الأخيرة فهي تعمدت منذ البداية عدم دعم حكومة باشاغا للضغط على البرلمان للقبول بخيار الانتخابات والتعاون في الوصول إلى قاعدة دستورية لتجنب المخاطرة باعتماد مشروع الدستور، كما أنها تريد دفع الكل لدعم مبادرتها الأخيرة". وفي الختام الجدير بالذكر أن المشير خليفة حفتر يعتبر أحد القادة العسكريين والسياسيين الرئيسيين في البلاد، ونجاحه في دحر الإرهاب وضم مناطق شاسعة من ليبيا إلى مناطق نفوذه أعطى ثقلًا كبيرًا لموقعه، ناهيك عن سيطرته على موانئ وحقول نفطية رئيسية وهامة في البلاد، لذلك يحاول الساسة في البلاد تحييده وتقاسم الغنائم فيما بينهم، خصوصًا وأنهم يقومون بذلك تحت رعاية أمريكية وتركية وطالما يحافظون على مصالح الدولتين في البلاد، فلن يتعرضوا لأزمة شرعية أو عقوبات أممية وسينفردون بثروات الليبيين وبسلطتهم عليهم.