يبدو أننا لا نتعلم من دروس الماضي كما لو كان أصابنا التبلد والجمود فقد اقتطعت مساحة كبيرة من السودان الذي يعد العمق الاستراتيجي الذي لا غنى لنا عنه وكنا غافلين واليوم تشن قوى الشر حملتها على السودان أو بالأحرى قل على مصر لتمزيقه وبالتالي إضعافنا ونحن لا زلنا في غفلتنا حتى إعلامنا لم يغطي القضية وقد قضيت أيام أتلمس أخبار موضوع " هجليج " وبالكاد ترى خبراً هنا أو هناك على استحياء وكلها أخبار منقوصة ومقتضبة ولا تشفي ما في صدري من أسئلة تحتاج إلى أجوبة .... إلى متى سنظل على هذه الحالة من الجمود والتبلد ....!! لقد قام نظام المخلوع الفاسد بتجاهل ملف السودان تماماً تاركاً الساحة لقوى الشر تعيث فساداً تدعم النظام الجنوبي الانفصالي إلى أن تحقق لهم المراد وليس خافياً على أحد التواجد الصهيوني في دول القارة السمراء وعلى الأخص دول حوض النيل كما أنه ليس خافياً على أحد الهدف من ذلك التواجد فهم يسعون "لخنقنا مائياً "من خلال تقديمهم العون لتلك الدول بعدما خلت لهم الساحة في عهد الرئيس السابق الذي أدار ظهره لإفريقيا تماماً شأنها شأن جميع الملفات الحيوية والحساسة والقضايا التنموية . وتسعى إسرائيل جاهدة للحصول على مياه النيل من ناحية ومن ناحية أخرى كما قلت خنق مصر من خلال السيطرة على منابع النيل وقد رأينا بوادر ذلك في اتفاقية تقسيم مياه النيل التي تبنتها إثيوبيا في أواخر عهد المخلوع وليس هذا فقط بل يهم الصهاينة السيطرة على البترول في جنوب السودان واستغلال موارده وقطعاً ما كان يتأتى لهم ذلك بدون تقسيم السودان ودعم القوى الانفصالية فيه وقد تجلى ذلك الدعم صراحة وبكل وضوح في التصريحات التي خرجت من تل أبيب - متزامنة مع أزمة احتلال دولة الجنوب لمنطقة " هجليج " النفطية التابعة للشمال - معلنة استعداد تل أبيب إرسال قوات مقاتلة تساند جنوب السودان الدولة المعتدية في حال إذا ما شنت قوات السودان هجوماً ضد دولة الجنوب . إذن لم يعد هناك ثمة شك في الدور الصهيوني في تلك المنطقة والذي يؤثر سلباً علينا نحن في مصر بل ويضعف موقفنا أمام العدو الصهيوني فإلى متى سيظل اليهود يمتلكون المبادأة ونبقى نحن مجرد رد فعل ؟ بل حتى رد الفعل لم يعد على المستوى ولا بالقدر المطلوب ...!! ولا أعتقد أنهم سيكتفون باقتطاع الجنوب السوداني فقط فالخريطة السودانية ممتلئة بالألغام القابلة للانفجار في أي وقت وتنتظر فقط من يشعل الفتيل أو يضغط عليها حيث أن بؤر الصراع منتشرة في ربوع السودان بطولها وعرضها . لذا أعتقد أنه بات من الضروري جداً والملح أن تتحرك الأجهزة المعنية في مصر لمساندة مثيلاتها في السودان بل بات من الواجب تشكيل "حلف مصري سوداني ولا مانع من ضم بعض الدول الأفريقية" الفاعلة وخاصة دول حوض النيل والعمل على تصفية الخلافات مع تلك الدول ومد يد العون لها في جميع المجالات وقد بدأت بعض الجهود في هذا الاتجاه بعد الثورة لكني أرى أنها جهود ارتجالية وتحتاج لأطر أكثر تنظيماً حتى تؤتي ثمارها المرجوة وعلى الحكومة المصرية أن تؤمن إيماناً كاملاً بأن المحور الإفريقي بات أهم المحاور بالنسبة لنا بحكم الضرورة والمصلحة فإفريقيا القارة البكر التي تعج بالخيرات والثروات التي تحتاج من يستثمرها ومصر لديها الخبرة والكفاءات في جميع المجالات وتستطيع أن تقدم الخبرة للإخوة الأفارقة وتحتضنهم وفي المقابل ستستفيد من خيرات تلك البلدان العديدة والمتنوعة.