لاشك اننا نسمع هذه العباره بكثره فى الوقت الحالى سيان كان ذلك فى مجال فخر القضاء بأن انتخابات مجلس الشعب والشورى كانت نزيهه بإمتياز أو حتى فى إستدلال المجلس العسكرى على نزاهته ووطنيته فى هذا المحتفل الديمقراطى الجديد ..... وعلى الجانب الاخر تتكرر هذه العباره فى كلمات وتصريحات الاخوان المسلمين بشكل يوحى بالتشبث الشديد بها لإضفاء المشروعيه على كل ما يتخذونه من قرارات أو يقومون به من إجراءات على الارض .....وبصرف النظر عن رأيى فى مفهوم الشرعيه والذى ذكرته فى مقال سابق بهذا الاسم والذى خلصت فيه إلى اعتقاد بأن الشرعيه هى شرعية القيم والاخلاق والمبادىء التى تقوم عليها افعالنا وما يصاحبها من رقى وتطور وتقدم كان المسلمون هم من حمل رايته لقرون عديده ...... إلا أننى أود الدخول فى موضوع نزاهة إنتخابات البرلمان الاخيره منحيا جانبا على سبيل الحذر من مجافاة الحقيقه بعض الاتهامات التى يثيرها البعض من انه كانت هناك رشاوى انتخابيه وإختراق للقواعد السياسيه وتلبيس متعمد من بعض الاحزاب والطوائف لتمرير مبتغاهم على الشعب وخلط الثوابت العقائديه بالمتغيرات الدنيويه بالاضافه للملمح العام لانتماءات أغلب المشرفين على اللجان .....سأنحى هذا كله جانبا معتمدا شهادة أغلب المراقبين بأنها كانت إنتخابات نزيهه لم يسبق لها مثيل ....لكنى هنا أريد أن أحلل وأعقل وأطرح ما يدور بخلدى بمنتهى الحياديه فأى عمل ينقسم إلى نيه وأداء ......فإن سلمنا بنزاهة الاداء فهل لزاما أن نسلم بنزاهة النيه ؟ إنه من المثير للشك توقيت إجراء الانتخابات حيث كانت جميع الاحزاب والقوى السياسيه غير جاهزه وغير ناضجه وينقصها التأثير والانتشار بين جموع الناس كما أنها خرجت من أحداث الثوره وتوابع هذا الزلزال الكبير فى حالة ترنح وارتباك نتيجه لتغير مهام المستقبل وخروجها الى النور لترى أنه لايمكن لها أن تبقى كأحزاب كرتونيه أو ديكوريه بالاضافه لظهور أحزاب وليده خطيه وأخرى كالبقع البيضاء والسوداء والملونه ليس لها بعد ثالث على الارض ....كل ذلك صاحبه الدفع الكبير والحثيث من الفئه التى أعدت نفسها تنظيميا وشعبيا على مدى سنوات طويله على إقامة الانتخابات أولا وقبل أن يتم عمل الدستور وحتى قبل أن يتم تحديد اهداف الثوره التى غيرت كل الاوضاع وجعلت الفرصه سانحه فى ظل التداخل الرهيب بين الافكار والاتجاهات لتكون ارضيه مناسبه لاعتلاء اصحاب التنظيم والخبره المشهد السياسى والانتشار منه الى ادوار أخرى عالية الحساسيه ....هذا بالاضافه الى تدخل اليد الفاعله فى نسبة القوائم الى الانتخابات الفرديه ثم إعادة هندسة الدوائر الانتخابيه واتساعها بحيث يعجز منافسيهم عن الانتشار والمنافسه مع ضيق الوقت بين فتح الباب للترشح والانتخابات وبهذا تكون الساحه مهيأه تماما لهم بالتنظيم القوى والمنتشر المعد سلفا على المدى الطويل للاكتساح ..... ولا أغفل هنا هذه الخارطه المتقنه لتوزيع قواهم بين القوائم والفردى وبالتالى يكون لهم الغلبه فى المجالين . إنشغل الثوار بثورتهم وبحلمهم وبمطالبهم بينما كان الاخرون يقطفون ثمار الثوره ويطوعونها فى مصلحتهم وإنشغل المجلس العسكرى بإخفاء عوراته فى ميدان التحرير وماسبيرو وأماكن وأحداث أخرى وظن أنه قد نزل اليه طوق النجاه من السماء عندما وجد الفصيل الذى يستطيع أن يتفاهم ويتفهم ويستطيع أن أن ينفخ فى الاحتجاجات ويستطيع أن يخمدها ..... ربما كان هذا تفكير المجلس العسكرى لاستعادة الهدوء أو ربما أنه خدع أو ربما كانت له استراجيته الخاصه وسيان ما كانت اسبابه ومعطياته فإنه هيأ الظروف لاعتلاء فصيل بعينه منصة التتويج وإستلام جائزة الثوره ربما لانه أعطى أفضل العروض فقط .....إن ماحدث كان اشبه بالاعلان عن وظيفه كل شروطها لون البشره وطول القامه والوزن وربما الاسم أيضا ...... هكذا جرت الامور وخلالها ظهرت التعديلات الدستوريه والاعلان الدستورى ليتماشى مع هذه المنظومه وليكرث كل النجاح لطرف واحد فقط يراها فرصه لاستثمار هذا النجاح بشكل متكرر ومتنامى للوصول الى كل شىء تحت مظلة نزاهة الانتخابات وشرعية الديمقراطيه وإرادة الشعب . ربما يظن من يقرأ هذه السطور اننى أعادى الاخوان المسلمين ولكننى فى الحقيقه أحب إمامهم الاول وأثمن مأثوراته ودعوته كما أننى أحب بعض شخوصهم الذين جمعتنى بهم علاقة زماله أو صداقه ولكنى كنت اتمنى أن يستمروا فى السير فى طريقهم الذى استحوذ على قلوب وعقول البسطاء فى الدعوة للاخلاق الحميده ومشاركتهم بالاعمال الخيريه والفعاليات الاجتماعيه وكررت فى أكثر من مقال سابق ضرورة أن يفصلوا بين الجماعة والحزب وأن يدركوا أن دورهم أكبر وأجل وأسمى فى إعادة البناء الاخلاقى للمجتمع والذى تم تقويضه خلال العقود الماضيه وكان رأيى أنه على الحزب وبصفته نخبه من الرجال الذين وثق فيهم الشعب أن يدفعوا بالوطن الى مجالات رحبه من التقدم والتطور وإرساء مبادىء العدل والحريه .....كنت اتمنى ان يكسبوا الرهان لانهم الافضل وليس لانهم الاذكى وأن يصروا على أن يكون كل ما يقومون به تحت مظلة القيم والاخلاق فى خضم هذا المستقع الذى يسمى السياسه.