الدكتوره ريهام عاطف لا أعلم لماذا يراود ديوجين فكري وخاصة هذه الليالي؟ لعله خيرا! بالأمس، جاءني ديوجين في المنام حاملا مصباحه، ليخبرني أنه لازال عن الانسان يبحث. لقد رأيت ديوجين جالسا في برميله، فسألته: "كيف لك يا ديوجين أن تكون فيلسوفا وتتخذ من البرميل منزلاً؟ أجاب قائلاً: "لأنني لا أبيع نفسي. لا أريد أن أكون عبداً للمادة. إن الفقر فضيلتي والحرية دربي. لقد وقعتم أنتم في دائرة العبودية! إن ديوجين هو فيلسوف يوناني وأبز من مثل المدرسة الكلبية التي أسسها أنتيسثينيس. لقد آمن ديوجين بأن المرء عليه أن يعيش حياة بسيطة، متناغما مع الطبيعة، ولذلك لم يكن له منزلا أو عملاً. لقد رأى أن كل من المرأة والرجل يعيشوا حياة زاخمة بالمظاهر والقواعد والتابوهات مما جعلتهم يفقدون نزاهتهم وصدقهم. لقد ضرب ديوجين بعرض الحائط ولم يهتم اطلاقاً بنظرة الناس إليه مما جعله يلبي احتياجات جسده دون الانسياق وراء قواعد الزمان أو المكان، فتبول في الشوارع واستمنى في الطريق، لأنه يؤمن بأن ما ليس عاراً في السر لا يمكن أن يكون مُشيناً في العلن. وعندما سُئل عن كيفية قيامه بهذا الفعل، قال إن القيام بهذا أسهل من تهدئة البطن الجائع! لقد رفض ديوجين كل ما يقيد الانسان كما نبذ القادة والأثرياء وذوي السلطة. يحكي المؤرخ ديوجين لايرتيوس أنه عندما قابل الإسكندر الأكبر ديوجين -والذي كان في برميله تحت الشمس- كان الأخيرغير مبالي وطلب من الإسكندر أن يبتعد عن هذه الجهة، لأنه حجب عنه أشعة الشمس. وفي حديث آخر دار بينهما، قال ديوجين وهو ينظر إلى عظام أنه يبحث عن عظام والد الإسكندر، ولكنه لا يستطيع أن يفرق بين عظام والده وبين عظام العبيد. وهو ما يشير إلى أن الناس سواسية، فلا فرق بين عبدا أو سيداً إلا في عُرف المجتمعات؛ يتساوى الجميع عند الموت، عندما يتجرد المرء من ملابسه ومظاهره، فيصبح حراً. إن الموت هو الحقيقة الوحيدة التي تحرر الجسد من قيود الدين والمجتمع. لماذا يفكر الانسان دائماً في الموت؟ بل ويمضي عمره خائفاً من الفناء! هناك أناساً يصرفون مبالغ طائلة لشراء مقبرة أو لقيام عزاء وجنازة فاخرة، بالرغم من عدم شعور الجسد الميت بأي شيء. لذلك طلب ديوجين بعد موته أن يرموا جسده خارج أسوار المدينة ليتغذى عليه الحيوانات البرية. من يخشى الموت هو من لم يتبع الفضيلة في حياته، فلو كنت صادقاً عادلاً نزيهاً، لما هِبت الرحيل.