قراءة تحليلية و توسعة لكتاب المسيرة، تأليف علجية عيش مع بعض الملاحظات (الكتاب يعرض نضال الجزائريين من مرحلة ما قبل الحركة الوطنية إلى ثورة 22 فبراير 2019 ) يعتبر كتابنا أنتروبولوجيا الجزائر و صراع الهوية و الوطنية" مُكَمَّلٌ لكتاب : "محمد الصالح يحياوي رجل بوزن أمة ظلمه رفاقه "يحمل أفكارا جديدة و معلومات جديدة و ليس اجترارا لما جاء به كتاب المسيرة كما يظن البعض، مع شرح لمفاهيم تحمل في مضامينها مفهوم "المسيرة" و امتدادها و تطورها عبر الأجيال، ضمّ عدة محاور بالتركيز على مسيرة الأمير عبد القادر مؤسس الدولة الجزائرية، و قضية التعريب في الجزائر و دور جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، و ختمته بثورة 22 فبراير 2019 مرورا بالعشية السوداء ، أردت من خلاله أن أشير إلى أن المسيرة لم تتوقف عند رجال مرحلة ما، فهي عبارة عن تدفق لمجاري الحياة كتدفق النهر في سريانه اللامتناهي، هكذا هي مسيرة الجزائريين في نضالهم القديم و الحديث هذا الكتاب هو سلسلة لمرحلة نضال الجزائريين من مرحلة ما قبل الحركة الوطنية إلى ثورة 22 فبراير 2019، صدر عن دار الأوطان للنشر و التوزيع، و هو قراءة لكتاب المسيرة الذي كتب مقدمته العقيد محمد الصالح يحياوي رحمه الله ( توفي في أوت 2018 ) مع بعض الملاحظات، و الحقيقة فإن كتاب المسيرة هو عمل جماعي كتب مقدمته العقيد محمد الصالح يحياوي تقع في 25 صفحة، شرح فيه موضوع الكتاب و هدفه، و هذا المدخل من شأنه أن يسهل على القارئ الوقوف على التاريخ بنظرة واعية و موضوعية، و الأوضاع التي عاشتها الجزائر من تشتت و تصارع بين التنظيمات الحزبية في تلك الفترة، و قبول بعض الأشخاص الدخول في لعبة الشرعية المزيفة التي كان يحركها لاستعمار كما يشاء و لهدف محدد ، و هو إلهاء الشعب الجزائري عن مطلبه الأساسي في الاستقلال ، غير أن الشعب اثبت تعلقه بالثورة، و اتضح للجميع أن جبهة التحرير هي الإطار السياسي الوحيد الذي يقود الثورة نحو الهدف المنشود، فانصهرت كل الأحزاب في جبهة التحرير الوطني، فكانت الدرع المتين الذي ينقذ الثورة، تجسد ذلك في مؤتمر الصومام المنعقد في أوت 1956 ، و الذي كان فرصة لتقييم الوضع العسكري و السياسي، و وضع الخطوط العريضة لبرنامج العمل الثوري المسلح. يعتبر كتابنا أنتروبولوجيا الجزائر و صراع الهوية و الوطنية" تكملة لكتاب : "محمد الصالح يحياوي رجل بوزن أمة ظلمه رفاقه " يحمل أفكارا جديدة و معلومات جديدة و ليس اجترارا لما جاء به كتاب المسيرة كما يظن البعض، مع شرح لمفاهيم و إحصاء مصطلحات و إبراز قيمتها من حيث تكرارها و ورودها في الكتاب، و قد اختصرت مضمون الكتاب في العبارات التالية (خلفية الكتاب) بأن السؤال عن هوية الإنسان هو سؤال الثقافة المعاصرة بامتياز، حيث خصصت لكل قضية من هذه القضايا محورا خاصا ، ما لفت انتباهي في كتاب المسيرة هو أنه غير مهمش و يفتقد إلى المراجع و المصادر، بالرغم من أن الكتاب تطرق إلى تاريخ الجزائر في العهد القديم إلى غاية افستعنمار الفرنسي ، فالكتاب يحمل في مضامينه مفهوم "المسيرة" و امتدادها و تطورها عبر الأجيال، ضمّ عدة محاور بالتركيز على مسيرة الأمير عبد القادر مؤسس الدولة الجزائرية، و قضية التعريب في الجزائر و دور جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، و ختمته بثورة 22 فبراير 2019 مرورا بالعشرية السوداء، هو حراك الشباب الجزائري في محاربة الفساد من أجل التغيير و بناء جزائر جديدة، أردت من خلاله أن أشير إلى أن المسيرة لم تتوقف عند رجال مرحلة ما، فهي عبارة عن تدفق لمجاري الحياة كتدفق النهر في سريانه اللامتناهي، هكذا هي مسيرة الجزائريين في نضالهم القديم و الحديث، بحيث لم تتوقف عند رجال الحركة الوطنية و دور جبهة التحرير الوطني في مواجهة الإستعمار، بل هي مستمرة مع استمرار الأجيال، حيث حملت معها رؤى جديدة تتماشى و التطورات التي شهدتها الجزائر منذ بداية التعددية، إلى ثورة 2019 مرورا بالمأساة الوطنية أو ما عرف بحرب الفيس و النظام، و انقسام ابناء الوطن الواحد إلى جبهتين من أجل تثبيت الهوية شكلا و مضمونا. فمن الواضح طبعا أن الكائن البشري قادر على تفحص الواقع الذي يحيط به على نحو عقلاني ، فهو يتراوح بين المحبة والكراهية وبين الانغلاق على الذات ورفض الآخر وبين الانفتاح على العالم ونزعة التملك ، و لهذه الأسباب يعيش خطاب الهوية أزمة بسبب تأرجحها بين الاستمرار و الزوال، والحاجة إلى تنويع شروط وجودها ، وبالتالي لا توجد هوية واحدة ، بل هويات متنوعة وجماعات متقاطعة ، لأن المنظومة البشرية تعيش في الضبابية وتتخبط في فوضى غير أكيدة حوّلت البشر إلى شتات و مسوخ، وصار التوحش يتهددها من كل صوب وحدب وبلغت التناقض الذي يمزقها ويصل إلى صلب الأشكال المتعددة لهويتها، و يبدوا أن عامل الأنسنة وحده الذي يحقق التآزر والتفكير الجماعي في تأمين المصير المشترك للشعوب التي تنشد التحرر،من الإستعمار و التبعية للآخر، و هذا يكفي للرد على إدغارفور رئيس الحكومة الفرنسية سنة 1955 إنها لم تكن أبدا أمة و لا دولة في التاريخ، و قال عنها الجنرال ديغول لم تكن هناك في أيِّ ظرفٍ من التاريخ دولة اسمها الجزائر، و قال عنها موريس طوريز الكاتب العام للحزب الشيوعي الفرنسي يوم 11 فيفري 1939 بأنها في طور التكوين، و قال عنها جيسكار ديستان أنها ولدت أخيرا، و قال عنها حسنين هيكل إنها لم تكن أمّة في التاريخ، هو رد على فرحات مهنّي بأن منطقة القبائل جزء لا يتجزأ من التراب الجزائري، و لن تنفصل عن الجزائر، لأن سكانها متشبعين بمبادئ الإسلام و قيمه، و قضايا أخرى لا يسمح ذكرها هنا. لماذا هذه القراءة؟.. من البديهي أن يطرح أيٌّ كانْ السؤال التالي: لماذا المسيرة بالذات؟، و الجواب هو أن الاهتمام بهذه الإشكالية تهدف إلى إعادة بعث التوازن الحضاري من جديد للأمة الجزائرية، و السعي لكي لا يمتد الشرخ إلى أوسع مدى مِمَّا هو عليه الآن، حتى تحافظ الجزائر دولة و شعبا على شروط بقائها و استمراريتها، و تكون لها القدرة على التفاعل و التكيف مع ما تطرحه نتائج التقدم السريع في هذا العالم، فالفترة التي غطت أكثر من 35 قرنا من تاريخ الجزائر، تعد سبعة أضعاف من فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر، كون هذه الفترة احتكت فيها الجزائر بالحضارات الأجنبية مع محافظتها على حضارتها الأصيلة التي لم تندثر، و إنما استرجعت حيويتها و زادتها انتعاشا، فالمؤرخون يقسمون تاريخ الجزائر إلى فترات احتلالية و هي : الفينيقيون، الرومان، الوندال، البيزنطيون، العرب، الترك و الفرنسيون، ما جعل الجزائر تعرف عدة مقاومات، حيث تميز النظام السياسي بنظام المقاومة و هو يعد مفخرة للجزاريين. فقد عرف القرن الثامن الميلادي الذي يوافق القرن الثاني الهجري مملكة جزائرية قليل ما أشار إليها المؤرخون وعي مملكة مغراوة التي قامت في الجنوب الغربي من الجزائر، و كانت تمتد من واد ملوية إلى قرب بسكرة، عاصرت مملكة مغراوة الاحتلال البيزنطي،و لعل كتاب المسيرة أراد أن يتجنب أن تدخل الأجيال في متاهات ، فقفز معدون عن مراحل كبيرة من تاريخ الجزائر قبل الاحتلال الفرنسي، و نقصد بذلك دولة الأدارسة التي تميزن بطابع قومي و إسلامي، و كان نظامها مبني على قاعدة عصبية محلية تتمثل في "الخليفة" أو "الإمام" الذي يعبر عن العقيدة الدينية، سواء كانوا سنّة أو شيعة أو خوارج، و هذه الميزة وجدت عند قبيلة كتامة عندما التحمت مع الشيعي عبيد الله ( زهير إحدادن ص 21)، حيث تميزت الفترة العثمانية من تاريخ الجزائر بظهور هذا النوع من النظام السياسي، فما قام به الدارسون الفرنسيون ما هو إلا تشويه وتعدي على الهوية الجزائرية و الثقافة الجزائرية الأصيلة التي تميزت بالثراء و التنوع، وانفردت به عقب حقبة طويلة من التجارب أن عمل المستشرقون على طمس معالم الهوية، و هذا يدعو إلى إعادة إجراء قراءات موضوعية للهوية الجزائرية، و إعادة بعثها على الوجه الصحيح و الردّ على المشككين في هوية الجزائريين أو الذين يريدون طمس آثارها التاريخية، و عبثوا بالتاريخ فمسخوه و شوهوا صورته أمام الأجيال، فلا هي تعرف إن كانت أصولها عربية أم أمازيغية أم تنتمي إلى هويات أخرى، مثلما راحت القوى الاستعماري إلى القول أن الجزائر فرنسية. فأغلب ما كتب عن المكونات الجزائرية و الثقافة الجزائرية كان بأيدي عساكر فرنسيين، لم تكن مهمتهم مهمة علمية بل مسح أوصال الثقافة الجزائرية بين العرب و البربر، و فيما بين البربر أنفسهم، و إيجاد وسيلة لتفرقتهم، أي بربر التوارق و السنوسيين بتلمسان ( نسبة إلى الشيخ محمد بن يوسف السنوسي) و بربر منطقة القبائل، كان أوجين دوماس eugene daumas و هو ضابط عسكري فرنسي من بين الذين كتبوا عن بلاد القبائل، و كذلك الفرنسي فرديناند دوشان ferdinand duchene ما سمّي بقانون الألقاب الاستعماري يوم 23 مارس 1882، و فرض تنفيذه ابتداءً من سنة 1883 و هو من أجل تدمير عناصر الهوية الجزائرية و موت الأمة الجزائرية، و تحقيق هدف الاندماج و التجنس ونشر نموذج ثقافي فرنسي جديد يتنافى مع النموذج الثقافي الجزائري defection/refection. لقد جاء كتاب المسيرة في وقته و الجزائر تعيش الإنفتاح الديمقراطي و العولماتي، بل تعيش الحراك الشعبي و تسعى عن طريق ثورة 22 فبراير 2019 إلى بناء الحكم الراشد، بناء جزائر جديدة، أو بالأحرى بناء الجمهورية الثانية، بعد أن وطنت النفس على أن تقاوم الإستعمار مقاومة عنيفة، بعد أن صهرت في بوتقة الاضطهاد و التعذيب سنين طويلة، خاضت معارك و ثورات، و بعدما ظفرت باستقلالها، لتجد نفسها تغرف في حرب أهلية ، دامت عشر سنين، خرجت منها منتصرة على الإرهاب، و قيل عن الجزائر ما قيل ، لقد سارع العقيد محمد الصالح يحياوي إلى طبع مخطوطته و إخراجها للنور قبل وفاته، و كأن وحيا هاتفه للإسراع في طبعها قبل أن يتوفاه الأجل، و إن كان كتاب المسيرة يؤرخ لتاريخ الجزائر و يعرض لمحات عن تأسيس الدولة منذ نشأة الممالك الأمازيغية القديمة و بداية الحضارة النوميدية التي أسسها ماسينيسا الذي رفع شعار " أفريقيا للأفارقة" ثم الحضارة البيزنطية مرورا بالوندال و وصولا إلى الفتوحات الإسلامية في شمال افريقيا، و كيف عانق سكان الجزائر الإسلام كعقيدة، و أحاديث مطولة عن الدولة الرستمية و الصنهاجية و انقسامها إلى فروع على غرار الحماديين و المرابطين و الحفصيين و الزناتيين، و لم يسعنا الوقت للتطرق إلى تاريخ الجزائر في القديم و بداية تكوين هويتها و بناء سيادتها الحضارية، حيث ركزنا في الكتاب الأول الذي حمل عنوان محمد الصالح يحياوي رجل بوزن أمة ظلمه رفاقه، على الفترة التي دخل فيها الاستعمار الفرنسي إلى أرض الجزائر ، و الذي واجهه الجزائريين بمقاومة عنيفة انطلاقا من مقاومة الأمير عبد القادر، سلك فيها الفرنسيون حربا إبادية مطلقة. أما عن نفسي فقد كان لي الشرف أن أصدر كتابا عن هذه الشخصية التاريخية، و أحسبني لم أخطئ لما قلت في كتابي أن العقيد محمد الصالح يحياوي رجل بوزن أمّة ظلمه رفاقه، و كان كتابي ( محمد الصالح يحياوي رجل بوزن أمّة ) قد تعرض لبعض الإنتقادات، ليس من ناحية المضمون، و إنما للموضوع نفسه، و أتذكر أن أحد المناضلين في حزب جبهة التحرير الوطني قال لي: لماذا لم تكتبي عن المجاهد عبد الحميد مهري ابن مدينتك، و كتبت عن العقيد محمد الصالح يحياوي الذي يبعد عنك بمسافات، كانت ردة الفعل هذه بالنسبة لي طبعا ضرب من الجهوية، لأن العلاقة التي تربطني بهذا الرجل سوى أنه وطنيٌّ و جزائريٌّ قُحْ، و لا فرق بين مجاهد و آخر، أو قائد و آخر حتى لو كان غير جزائري ( أجنبي)، و لعل أول من يوجه له العتاب هو حزب جبهة التحرير الوطني، الذي تخلى عن أعظم قادته. علجية عيش