إذا ما قرأ أحد كتاب الرسائل للإمام حسن البنا –رحمه الله- تجد نفسك أمام ملامح مشروع حضاري إسلامي، فقد تتفق معه أو تختلف معه، ولكن الاختلاف معه لا يقلل من إعجابك بهذا الرجل الذي استطاع أن يوصل الإسلام بمفاهيمه وقيمه ومقاصده إلى المتعلم والأمي، والغني والفقير، فشملت جماعة الإخوان جميع طوائف المجتمع، وكان اعتماد الإمام الأساسي هو على التربية، ولكن سرعان ما دفع الإمام ثمن التجديد والبناء والإصلاح وهو الشهادة، وظلت تواجه جماعة الإخوان المحنة تلو الأخرى والابتلاء تلو الابتلاء فاستشهد عدد من خيرة شباب وأبناء هذا الوطن، وتعرضوا لأبشع أنواع العذاب والمضايقات على يد أمن الدولة وأعوانه من إعلام لا يعرف إلا من يدفع أكثر. ومع مرور الأيام ظل تحقيق هذا الحلم وهو تحويل المشروع الحضاري الإسلامي الذي يقوم في جوهره على توحيد الله والإيمان به، وإتاحة حرية التفكير التي منحها الله لعباده بل طالبهم بها دون أن تكون هناك قوة أي كان اسمها تسيطر على هذه العقول أو تقهرها، والعلم الذي به نقضي على الفقر، ونواجه المرض، ونهزم الجهل والتخلف، ونقهر عدونا، ونملك قوت يومنا وأولادنا، وبالعدل فلا أحدا فوق القانون، الكل سواء أمام القانون، وشعارنا (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) وأتاح الله لمصر شباب من خيرة شباب الدنيا، قاموا بثورة عظيمة، شارك معهم الإخوان، ولكن سرعن ما وقع الإخوان في أخطاء قاتلة تمثلت في الآتي: 1- لم تستفيد مما حدث معها في 1954، فتركت الميدان وتخلت عن الشباب قبل أن تتأكد من انتقال السلطة إلى مجلس رئاسي مدني، والعجيب أن معظم أعضاء مجلس الإرشاد ممن اكتوى بنار التعذيب واعتقالات 1965، ومع ذلك اعتقدوا أن في حكم العسكر خيرا لهم ولنا، ولم يدرك فكرة يدركها القاصي والداني ان أعضاء المجلس العسكري جزء من النظام، وهو ليس لديه نية في تغييره بل في تبديل الأدوار داخل النظام نفسه. 2- ثم اعتمد الإخوان على المجلس العسكري في إحداث تغيير النظام، فوقعوا في فخ التعديلات الدستورية، وكان موافقة الإسلاميين على هذا الأمر، بمثابة التوقيع على بياض لحكم المجلس العسكري لهم وللشعب، مقابل شكل صوري للديمقراطية وهو الانتخابات لمجلس الشعب والشورى وكان بمثابة (لهاية أطفال) للإسلاميين، كما أن لهاية الطفل لا تشبعه ولا تسقيه فإن المجلس العسكري يعلم أن سيطرة الإسلاميين على مجلس الشعب لن تغير في بنية النظام ولا حكمهم، والشاهد على ذلك أن شباب الثورة أسقطوا 3 حكومات ولم يستطع مجلس الشعب أن يسقطوا حكومة واحدة. 3- ابتعاد الإخوان عن المنهج الأخلاقي والقيمي لهم، فتركوا الشباب العزل، يقتلون بيد باردة أمام مجلس الوزراء وشارع محمد محمود، ويتم التحرش بالفتيات فكان عور خلقي وقيمي تجاه الإخوان. 4- تبريد الثورة وإفشالها، فرموز النظام ما زالوا على قيد الحياة، والكل يعلم أن محاكمتهم مسألة صورية، ولم يسع الإخوان عن طريق الضغط الشعبي أو مجلس الشعب بإقامة محاكمة ثورية للقصاص ممن نهبوا ثرواتنا، وأفسدوا في الأرض فسادا ما خطر على بال إبليس وأعوانه، واكتفوا ب 100 ألف جنيه للشهيد، 5- وجاءت الفاجعة الكبرى وهو مخالفة النهج الإسلامي بجعل الولاية لمن هو أصلح وأفضل، فتتفق قيادات الإخوان بكل تحدي للمبادىء الإسلامية في اختيار الرئيس بأنهم لن ينتخبوا عبدالمنعم أبو الفتوح مع علمهم اليقيني وما أعلنه معظهم بأنه الأفضل، فجعلوا السمع والطاعة لهم مقدم على الشهادة لله، مما أحدث فجوة من الصعب علاجها بين الشباب المخلص الواعي لحيوية هذا المنهج وبين قيادته. ثم العور الأخلاقي الثاني من خلال ترشيح أحد قيادات الإخوان بعدما أعلنوا جميعهم امام أعيننا بأنهم لن يرشحوا واحدا منهم، مما أصاب الجميع بالدهشة والاستعجاب، وتسآل البعض ولمَ أعلنتم ذلك؟ ولكن يبقى أن نذكر هؤلاء القيادات أنكم أمام فرصة تاريخية لاستعادة أمل هذا الشعب بأن تقفوا مع الشباب وتجعلوا أهداف الثورة صوب أعينكم وتوحدوا القوى السياسية حولكم فمن متى يخاف الإخوان من حاكم، ومن متى يخاف شباب الإخوان من الابتلاء في سبيل دينه ووطنه، فكوا ارتباطكم بالمجلس العسكري عودوا إلى الشعب وإلى الثورة العظيمة. [email protected]