لا ينفك مروجو التكنولوجيا عن التغني بمزايا أن تديم اتصالك بشبكة الانترنت، وأن تكون على اتصال دائب بالعالم من حولك أو -بمعنى أقل شمولاً - محيط الأصدقاء الصغير على "فيسبوك" و "تويتر" لديك، ناهيك عن ميزة المهام المتعددة في الجهاز ذاته، والتي تمكنك من التنقل بين تطبيق وآخر في غاية اليُسر.. يا له حقا من موضِع يتسع بلا حد للإقناع التجاري والتسويق! كما أن محاصرة الانترنت لك ووجودك المتصل عليه -في الواقع- يبثان شعورا كأنك مطحون من آلة؛ ما هي -إن أصبتُ- عدا أداة تم التفكير بها كيما نحسن بها أوضاع حياتنا، ولكننا أصبحنا بدورنا منساقين إليها؛ فباتت تحكمنا وتحتكر حيواتنا، وثمَّ يسطيع المرء أن يسأل ذاته عمَّا إذا كانت التقنيات المُحدَثة تنمي الإبداع لدى الأشخاص أم أنها تنتهي إلى القضاء عليه؟ وكردِّ فعل يولد الآن جيل جديد نسميه "جيل الصفوة/النخبة"، وهم الذين بمقدورهم أن يرسموا وقتا للاتصال بالانترنت، ويخصصوا كذلك مدة زمنية لا يتصلون فيها بالانترنت، ويحددوا أيضا أوقاتا لإجراء محادثات مع أشخاص حقيقيين من لحم ودم؛ فهؤلاء الصفوة يعون تماما أن مئةً من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي -كتلك التي ذكرناها آنفين- لا تعادل البتةً احتساء كوب من الشاي أو فنجانا من القهوة مع صديق، وأن الانطلاق في جولة ترويحية صغيرة لهو أكثر إثمارا من الدردشات والثرثرة الوهمية والاعتبارية على واحد من تلك المواقع بما لا يدع مجالا للمقارنة. وقبل كل شيء قد تواجهنا قضية العمر، ولكن ليس بالمعنى الشائع والمعهود؛ فالشباب جلهم قد ولد في ظل عصر التقنية والمعلوماتية، بينما عاد لا حمل لأولائك الذين يسبقونهم في العمر على مسايرة هذا العص؛ نظرا لتوافر فروق عمرية شاسعة بين الشباب الذين عاصروا التكنولوجيا تراوحاً بين سن الخامسة عشر والثلاثين، وقد أتى على ذكر ذلك العديد من الأبحاث -كما جاء في بحث مُتقن عن مؤسسة "برونو كسلر" التي تقع بمدينة "تورينو" -على سبيل المثال لا الحصر- وتباعًا فإن هؤلاء الشبان الأصغر سنا (المراهقون) الذي نشأوا في ظلال عصر استخدام الإنترنت للأغراض الاجتماعية وغيرها من الأغراض الناضجة هم الأكثر توجها نحو وضع استخدام تكنولوجيا الاتصال (العالم الافتراضي) في مقارنة مع العالم الواقعي، كما أنهم أكثر توازنا، وذوو حنكَة وتمرُّس في الاستخدام؛ من نظرائهم الشباب الأكبر سنا من ذوي العقود الثلاثة، والذين تغذو مُذ نشأتهم على ألعاب الفيديو البدائية. وآخِرًا.. أبان المؤرخ الأيطالي بيبينو أورتوليف من جهته قائلا: "نحن اليوم في عصر المعلوماتية، ودور المدارس هو تقديم أسس المعرفة التي تحيلها بعد ذلك لمعلومات مربحة، وهذا هو تحدي العصر الذي نحياه" كما أردف: " الأماهرة من بين تلاميذي يفعلون هذا بعينه؛ وهو إحالة المعلومات إلى معرفة من حيث تطبيقها على واقعنا المعاش، وعدم جعلها محض كلمات تُكتب، أو موارد تدرَس وتموت عند مجرد التلفظ بها أو انتهاء المراد من تعلمها، فهم لا يكتفون بمعلومات ويكيبيديا العقيمة والسطحية، بل يدرسون ويتحققون من المعلومات ويقارنون مصادرها؛ وهم أيضاً مهرة في إنشاء شبكات تواصل إجتماعي، ولكنهم يمتلكون المقدرة على اقتضاب بعض الوقت للتفكير دون أن يتصلوا بالانترنت، وعليه فإن هناك حاجة ملحة لتنشأة جيل من الشباب ذوي حس ناقد، قادرين على مقارنة مصادر المعلومات، والاستماع إلى الآخر متقبلين النقد والتحفيزات التي تتبناها وجهات النظر المتباينة: شباب لديهم القدرة علي التعلم متحررين من إيديولوجية التطابق المُدَّعَى بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون." مقال ل إدواردو سيجانتيني نقلته إليكم من الإيطالية