دكتور / عبد العزيز أبو مندور إن الباحث فى علوم القرآن لا يهدأ ولا يشبع من عظم ما يجد من النتائج المبهرة التى توصل إليه علماء وحكماء الأمة بتدارسهم لكتاب الله العزيز الحكيم ؛ فمن ذلك مصطلح ( الإجمال والتفصيل ) ، فقد تكلم العلماء فى الإجمال والتفصيل فى القرآن الكريم وضربوا أمثلة كثيرة لذلك فبينوا الفرق بينهما بوضوح واضح . فما المقصود بالإجمال فى القرآن ؟ وما المقصود بالتفصيل فى القرآن ؟ 1- الإجمال : يعنى أن السورة تطرح موضوعاً مجملاً . ومثالها سورة (الواقعة) التي أجملت الثلاثة في البداية " وكنتم أزواجاً ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون" ( الواقعة : 7-10 ) 2- أما التفصيل: فهو مرحلة تفصيل الحديث من خلال السورة بأكملها أو سورة أخرى . *** مثال ذلك ان سورة الواقعة بعدما تكلمت على أصناف الناس إجمالا ؛ جاءت بعدها ففصلت الكلام على الأصناف الثلاثة طوال السورة كما هو واضح لمن قرأها او حفظها . *** وربما يكون الإجمال فى سورة ، ثم يأت التفصيل فى سورة أخرى ، أو فى عدة سورة أخرى . وهذا كثير ! *** ومثال ذلك : قوله تعالى فى سورة الفاتحة " الذين انعمت عليهم " ( الفاتحة : 7 ) . *** أجمل ؛ فقد ذكرت الآية الذين انعم الله عليهم على سبيل الأجمال لا التفصيل ، ثم أتى بالتفصيل فى سورة مريم فى فبين حقيقة الذين أنعم عليهم وذلك فى قوله جل ذكره " أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً " ( مريم : 58 ) *** وفصل مراتبهم فى سورة ( النساء ) فقال سبحانه وتعالى : " وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً " ( النساء : 69 ) *** أجمل ثم فصل ، وفصل بعد أن أجمل. *** مثال آخر على الإجمال من سورة (النحل ) فقد أجمل كما فى قوله تعالى : " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ " ( النحل : 36 ) وقوله تعالى : " وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ "( الأنبياء : 25 ) *** وجاء التفصيل فى سور كثيرة مثل سورة ( الأعراف ) فذكر من عدد من المرسلين وبيان دعوتهم أقوامهم لعبادة الله وحدة كما فى قوله تعالى في عن نوح عليه السلام : " لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ " ( الأعراف : 59 ) ، وقوله عن هود عليه السلام : " وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ " ( الأعراف : 65 ) وهكذا فى بقية ما ذكرهم من المرسلين ! *** أجمل فى سورة فقال : "" وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ " ( النحل : 36) *** وفصل فى سورة أخرى وسور عديدة . *** وقد يجمل فى آية بل فى كلمة واحدة ويفصل فيما بعدها وهو كثير . ** وقد يأت بالتفصيل فى سورة ، وفى آية ثم الجمال فيما بعدها . وبيان ذلك فى ( إحياء علوم الدين ) للغزالي فِي آية واحدة فذكر سبعة أشياء أجملت كل ما يحتاج معرفته فيما يجب الزهد فيه من متاع الدنيا الزائل فقال تعالى : " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ " ( آل عمران : 14 ) ثُمَّ رَدَّهُ فِي آيَةٍ أُخْرَى إِلَى خَمْسَةٍ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : " اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ " ( الحديد : 20 ) و القرآن الكريم بعدما ذكر الأشياء من متاع الدنيا التى ينبغى أن يكون الزهد فيها على سبيل التفصيل يأت فيحصر الزهد على سبيل الإجمال فى كلمة واحدة وهى ( الهوى ) ، وذلك فى قوله تعالى : " " وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى " ( النازعات : 40- 41 ) ومن أكد الإمام الغزالي أن الزهد ينبغي أن يكون فى الْهَوَى فالهوى لَفْظٌ يَجْمَعُ جَمِيعَ حُظُوظِ النَّفْسِ فِي الدنيا التى ذكرت فى القرآن الكريم على سبيل التفصيل. *** هذا ، فطريق الإجمال والتفصيل لمن فهم أن يذكر الموضوع مرة أجمالا وأخرى تفصيلا ، فلا يخالف التفصيل الإجمال إنما يفارقه في الشرح ! والعلة القريبة فى ذلك أن الناس ليسوا جميعا سواء فى الفهم ؛ فيحتاج المجمل على التفصيل والشرح وضرب الأمثال ! ( والله أعلم ) دكتور / عبد العزيز أبو مندور