فاض الكيل وطفح فما يحدث منذ الثورة من بعض الأشخاص لم أجد له توصيفاً أو تفنيداً سوى أنه يندرج تحت " قلة الأدب " وكنت قد كتبت مقالاً بهذا العنوان إبان أحداث ماسبيرو رداً على ما صدر من القس " فليوباتير " والأنبا " متياس نصر " و" نجيب جبرائيل " و آخرون من تصريحات عنصرية ومتعصبة ولم أجد لها أيضاً تصنيف سوى أنها " قلة أدب " وقد تكررت المواقف المسيئة والخارجة عن المألوف لدينا كمصريين وكمجتمع محافظ يعتز بتقاليده وقيمه ويحافظ عليها ويورثها الآباء للأبناء كما ورثها الآباء من الأجداد وقد رأينا أمثلة كثيرة للخروج على هذه الثقافة المجتمعية التي تميز مجتمعاتنا الشرقية بصفة عامة والمجتمع المصري بصفة خاصة ومنها رفع الأحذية في وجه من يخالفنا الرأي كتلك الفئة التي خرجت ترفع الأحذية في وجه قوات الجيش المرابطة لتأمين المؤسسات والمنشآت الحيوية في البلاد والمحافظة عليها وفي وجه شباب الإخوان المسلمين في ميدان التحرير وأمام مجلس الشعب حال انعقاده لأول مرة بل وتعداه الأمر لأن نجد فتيات يشتمن ضباط الجيش بشتائم يندى لها جبين الرجال . وقد بلغت قلة الأدب مداها على شاشات الفضائيات الساقطة التي همها فقط جمع المال وزيادة الإعلانات والتي ارتمى في أحضانها شرذمة من المذيعين والمذيعات الذين يجيدون " قلة الأدب " ويحترفونها أكثر مما يجيدون عملهم الإعلامي وبالتالي أفسحوا المجال لمن هم على شاكلتهم ممن يسمون ناشطين وفي الحقيقة هم منشطين ( بفتح الشين وكسرها ) للخراب والتخريب وإثارة القلاقل والاضطرابات مدفوعين في ذلك بقوة التمويل الخارجي والداخلي . ولكني ما تصورت يوماً أن تصل " قلة الأدب " إلى أن يقوم أحد أعضاء مجلس الشعب وباسم الثورة يقوم بالسخرية من شيوخنا الأفاضل المبجلين وعلى الأخص من الشيخ محمد حسان والسبب أنه أطلق مبادرة لجمع مقدار المعونة الأمريكية من المصريين والتي تطورت لتصبح مبادرة أوسع وأشمل من مجرد جمع ما يعادل المعونة الأمريكية وبدلاً من أن يثني على تلك المبادرة ويشجعها راح يتهكم على الشيخ ويزري به وكأنه قد غاظه أن تتحرر مصر والمصريين والإرادة المصرية وصانع القرار في مصر من قيود تلك المعونة الملعونة ونصبح أحرارً طلقاء قادرين على أن نقول لا لأمريكا ولغيرها بل وتمادى السيد العضو المبجل وراح يوجه سيلاً من السخرية والسباب للشيخ في فضائية ساويرس وأخذته العزة بالإثم وراح يتطاول على المشير " محمد حسين طنطاوي " ويصفه بوصف أقل ما يقال عنه أنه منتهى قلة الأدب وإني - وأعتقد أنكم توافقونني الرأي – لا أرضى سوى بالتحقيق مع هذا العضو وتوقيع العقوبة عليه بما يستحق ولا يجب أن يقف مجلس الشعب وإحرازه عضويته عقبة في سبيل حدوث ذلك حتى يكون مجلس الشعب قدوة لنا في احترام بعضنا بعضاً وكي نظل نحترم مجلس الشعب وحتى لا تكون سابقة تشجع الآخرين على الخروج عن الآداب العامة والسلوك القويم . والسؤال الآن ماذا يحدث ؟ ومن أولئك الذين يمارسون " قلة الأدب " ؟ إني أرى أن هناك صدعاً كبيراً وهوة سحيقة في الأخلاق والسلوك خلفها النظام السابق طفت على السطح آثارها حال قيام الثورة في مصر وأثناء ممارسة الثورة عملياً وهي ليست لصيقة بفئة معينة أو طبقة بعينها بل هي في جميع الفئات وكل الطبقات غالياً بل هي في مجتمع من يسمون النخبة أوضح لذا على علماء الاجتماع وعلم النفس التحرك سريعاً مستعينين في ذلك بشيوخنا الكرام ورجال الدين المسلم والمسيحي لرأب ذلك الصدع وردم تلك الهوة ووضع الروشتة العلاجية السليمة والسريعة لها قبل أن تتفاقم وتستفحل مخاطرها وتصبح سلوكاً عاماً وتفعيل ذلك من خلال جميع وسائل الإعلام والتعليم حتى ننعم بثمار شجرة الثورة وظلالها ونحيا في مجتمع صحي وسليم .