طيلة زواج اسمهان من الامير حسن وانجابهما الابنه كاميليا منذ ولادتها عام 1935 محاسن الام التى انجبتها فجاءت تلك الطفله شديدة الشبه با سمهان بوجهها ولطفها وصوتها وحركاتها وايضا سكناتها ولكن الحياه بين الزوج والزوجه لم تستقرا معنويا حيث كانت اسمهان لها تصرفات نفسيه غريبه - واحد تلك التصرفات الغريبه حينما عادت مكسوره بعد رحله لم تكتمل الى الجهاز الاخبارى لالمانيا - حيث ظنت أسمهان في أول الأمر أن زوجها الأمير حسن الأطرش هو الذي أوعز للسلطات بإعادتها، لأنها لم تستأذنه بالسفر، فضلا عن أنها سافرت برفقة صحافي أجنبي، وهو أمر مريب في حد ذاته، ولو بدافع الغيرة، غير أنها استطاعت أن تتأكد بطريقتها في ما بعد أن زوجها لم يكن على علم بسفرها، كذلك اكتشفت في ما بعد أن الاستخبارات البريطانية استطاعت بطرقها الخاصة أن تعرف كل شيء، بل إن الاستخبارات الفرنسية كانت تعرف كل شيء أيضا، وقد تعاونتا في إعادتهما من الحدود السورية التركية، قبل أن تتورط في تعاون مع المخابرات الألمانية. وبعد فشلها في الخطوة الألمانية قررت أسمهان السفر إلى جبل الدروز لمقابلة زوجها لإطلاعه على ماجرى معها، وفعلا توجهت إلى دمشق ثم جبل الدروز وبقيت بين الأهل والعشيرة خمسة عشر يوما، ثم عادت برفقة زوجها إلى دمشق وصحبته إلى بيروت ليشاهدهما الجميع معا كي تسترد معنوياتها وثقتها بنفسها، وعندما هدأت الأمور واستقرت أسمهان في دمشق، عاودها الحنين إلى مصر، فطلبت من زوجها الأمير حسن أن تسافر إلى مصر سواء معه أم بمفردها بحجة أنها اشتاقت لابنتها كاميليا، فرفض طلبها، راح يحذرها من أن لا تفعل ذلك من دون علمه، وقال لها إنه سوف يتصرف ويطمئنها على ابنتها، وأوهمها أنه سيعود إلى الجبل في مهمة طارئة، على أن يعود خلال أيام، لكن الأمير بقي في دمشق، وحصل على تأشيرة دخول إلى مصر من دون علم أسمهان وسافر من بيروت إلى الإسكندرية في الباخرة. كان الأمير حسن الأطرش كلما قصد بيروت لزيارة أسمهان لا يجدها، ويقال له إنها في دمشق أو ذهبت إلى صوفر أو لندن، فيعود غالباً إلى الجبل من دون أن يراها، فقرر أن يمنع سفرها باستعمال حقه الشرعي كزوج، فتوجه إلى كاترو وطلب منه برجاء أن يمنع سفر أسمهان لحين عودته من القاهرة فأوعز الأخير إلى الأمن العام بوضع اسم آمال فهد الأطرش على لائحة الممنوعين من السفر براً وبحراً وجواً. وصل الامير حسن إلى القاهرة وانتقل إلى منزل أسرة آمال، واستقبلته السيدة عالية المنذر التي رحبت به واحتفت بحضوره بوجود فؤاد وفريد الأطرش، ثم صارحهم بنيّته في أخذ ابنته كاميليا إلى سورية لأن آمال تريدها. كانت كاميليا غالية على اسرة اسمهان، وتحديدا على قلب عالية، التي اتصلت بالصحافي محمد التابعي بصفته صديقا للأسرة ولآمال، وأخبرته أن زوج أسمهان حضر ليأخذ ابنته، وطلبت منه المساعدة فأجابها بأنه لا يستطيع منع أب من استعمال حقه الشرعي في رعاية ابنته، لكن عالية مولعة بكاميليا ولا تستطيع فراقها لحظة حتى ولو اضطرها الأمر إلى الانتقال معها إلى سورية فقبلت الاقتراح وأعطته جواز سفرها، فحصل لها على إذن سفر وتوجّها برفقة كاميليا إلى الإسكندرية ومنها سيتوجهون إلى بيروت. لم تنقطع المراسلات بين الصديقه أمينة البارودي وأسمهان خلال الفترة الماضية. عندما اقترب موعد عيد ميلاد أسمهان في 25 نوفمبر طلبت أسمهان من البارودي في إحدى رسائلها الاتصال بمحمدالتابعي وتذكيره بوعده لها بقضاء عطلة قصيرة في القدس لتلك المناسبة، فوافق محمد التابعي، كذلك أخبر صديقه وأسمهان المشترك، جمال جبر ليسافر معهم وفي يوم الأحد 23 نوفمبر، سافر جمال جبر بالطائرة إلى القدس، أما محمد التابعي وامينه البارودي فسافرا معًا بالقطار إلى فلسطين. نزل الثلاثة في فندق الملك داوود بالقدس، وكان أول ما فعلوه أن سألوا عن أسمهان وكانت المفاجأة أنهم لم يجدوها! وعرفوا أنها في بيروت. اندهش محمد التابعي لهذا التصرف، وظن أنه «مقلب من مقالب» أسمهان، غير أنهم وأثناء مناقشة هذا الأمر دخل عليهم ضابط إنكليزي وقال لهم بأنه قادم من بيروت، وأن برنسيس أطرش طلبت منه أن يبلغهم بأنها لم تستطع الحضور إلى القدس في الموعد المتفق عليه لأن زوجها طلب من السلطات في بيروت ألا تسمح لزوجته بمغادرة بيروت أثناء غيابه عن البلاد! وقع الثلاثة في حيرة من أمرهم، ماذا يفعلون؟ لقد جاؤوا للاحتفال بعيد ميلادها في القدس، وها هي أسمهان في بيروت ممنوعة من مغادرتها - خيّم الإحباط على الأصدقاء الثلاثة الذين وصلوا إلى القدس للاحتفال بعيد ميلاد أسمهان ولم يجدوها، وهنا اقترح محمد التابعي أن يعودوا جميعا إلى مصر لأن لا حيلة لهم في ذلك، فصاحبة الدعوة غير موجودة، ومن غير المنتظر أن تحضر، لكن الصديق المشترك جمال جبر تطوّع بالسفر وحده إلى بيروت للاطمئنان عليها ومعرفة حقيقة الأمر، واقترح أن ينتظرا عودته في اليوم التالي. سافر جمال جبر بالسيارة إلى بيروت، وأعطاه محمد التابعي الهدية التي كان اشتراها من القاهرة لأسمهان في عيد ميلادها كي يعطيها إياها. في اليوم التالي لوصول أصدقاء أسمهان الى القدس تلقت أمينة البارودي برقية من زوجها أحمد سالم يطلب منها عودتها إلى القاهرة، بالسرعة الممكنة لأمر يتطلب شهادتها أمام القضاء في إحدى القضايا، فقررت السفر إلى القاهرة فورا، وهنا وجدها التابعي فرصة كي يعود معها إلى مصر فلم يعد وجوده ذا فائدة، خصوصا أن صاحبة الاحتفال غير موجودة، وقرر أن يسافر في صباح الغد مع أمينة إلى القاهرة بالقطار كما جاءا، لكن أسمهان استطاعت بما لها من نفوذ في بيروت أن تتصل مساءً بفندق الملك داوود، فرد عليها محمد التابعي ضاحكا: إنه مقلب جديد من مقالب سمو البرنسيسة. إطلاقا، أنا فعلا ممنوعة من السفر ومغادرة بيروت، فقد فعلها الأمير حسن - فعل ماذا، ومن الذي يمنعك من السفر؟ سأشرح لك كل شيء في ما بعد، عموما جمال جبر موجود معي هنا الآن، وسوف أقوم بالمستحيل كي أحضر إليكم في القدس. لكني كنت سأسافر غدا مع أمينة لأنها مضطرة لأمر مهم لديها في القاهرة. إذا كانت أمينة مضطرة للسفر سوف أطمئن عليها، لكن أرجوك لا تسافر أنت. سأفعل المستحيل لأحضر لنحتفل سويا... أرجوك... أرجوك. وراحت أسمهان تلح على محمد التابعي كي ينتظر، فرضخ لطلبها واقتنع بكلامها رغم عدم تأكده من نجاحها في ذلك، إلا أنه وافق، وسافرت أمينة في اليوم التالي، وبقي وحده في القدس يوما آخر من دون أن يصله أي خبر من أسمهان التي توجهت إلى الجنرال كاترو وشكت له منعها من السفر، فأكد لها أن زوجها طلب منه ذلك شخصياً، فبكت وراح يهدئ من ثورة غضبها وقال لها: أنا آسف، لقد وعدت زوجك بمنعك من السفر أثناء غيابه كما طلب مني؟ نعم، لكن ذلك يعني أنني سأظل حبيسة هنا الى حين عودته ليعطف عليّ ويفك حبسي. هذا ظلم أنت لا ترضاه لي! صمت كاترو قليلا ثم نظر الى أسمهان وهو يبتسم قائلا: من المؤكد أن غياب زوجك هذا سينتهي لحظة دخوله الحدود، أليس كذلك؟ نعم، هذا صحيح، لكن ما الحيلة في ذلك إذا كان هو ينوي أن يمنعني من الخروج؟ هذا هو ما أريد أن تعرفيه، أعدك بأنك ستغادرين الحدود في لحظة دخوله إليها، وبذلك أكون أحفظ كلمتي لزوجك، وفي الوقت نفسه أحرمك من السفر أو أساهم في حبسك. نفذ كاترو ما وعد به أسمهان، فما أن دخل الأمير حسن الأطرش إلى الحدود اللبنانية، بعد أن عاد من مصر وبصحبته كاميليا وعالية المنذر، حتى كانت أسمهان تضع أمتعتها في سيارة وتنطلق بها تخرج من الحدود متّجهة إلى حيفا. بعد ظهر اليوم التالي وصلت لمحمد التابعي مكالمة من حيفا، وكان المتكلم جبر الذي طمأنه أن أسمهان تمكنت فعلا من مغادرة بيروت، وأنها الآن معه في حيفا، وطلب منه الذهاب إلى فندق «جان ريمون» في تل أبيب، فسأله محمد التابعي: ولماذا... تل أبيب؟ هكذا طلبت... أما لماذا فهي التي ستخبرك عن السبب بنفسها عندما نلتقي.وصل الزوج الأطرش بصحبة ابنته وعالية المنذر إلى بيروت، وكان مقررا أن يصطحبهم فورا إلى دمشق، غير أن كاميليا ألحّت عليه لرؤية أمها، فتوجهوا إلى منزل أسمهان في حي السراسقة، ووجدوا أنها سافرت كعادتها، وتركت مفتاح منزلها مع الجيران، لرعاية زهورها، وما أن استقرت كاميليا مع عالية في منزل أسمهان حتى ذهب الامير لمراجعة السلطات في كيفية السماح لزوجته بالسفر، فأكد له الجنرال كاترو أن سفرها كان ضروريا بدعوة من سيدتين فرنسيتين.ما أن غادرت أسمهان بيروت، عاد الأمير حسن إلى منزلها وأخذ يعبث بمحتوياتها وخصوصياتها، الى درجة أنه خلع مكتبها وأخرج منه أوراقا تحوي أسرارها، من بينها دفتر الشيكات ورقم رصيدها وبعض مراسلاتها ومسودة بعض التقارير التي سبق أن أرسلتها للاستخبارات البريطانية، غير أن أهم ما اطلع عليه هو برقيات التابعي لها فجن جنونه، ومزق البرقيات وأعاد التقارير إلى مكانها، ثم طلب من عالية المنذر الاستعداد للسفر إلى السويداء وهكذا استطاع الأمير أن يسترجع ابنته لتعيش بينهم ووفق تقاليدهم. وصلت اسمهان تل أبيب، وبعد فرحة اللقاء والراحة من عناء السفر، قال التابعي: ما هذا، يبدو أن عملك مع إخواننا (يقصد الاستخبارات البريطانية) انطبع على حياتك الشخصية... القدسوبيروت وحيفا... ثم تل أبيب... ذلك كله لمقابلة سمو الأميرة آمال الأطرش، ما تلك الألغاز كلها؟ردت أسمهان ضاحكة: الأمر ليس كما تتصور، ما من لغز في الأمر، كل ما هنالك أن زوجي الأمير حسن ضاق ذرعا بكثرة أسفاري من دون علمه، ولذلك سعى الى استصدار أمر من السلطات بعدم مغادرتي بيروت أثناء سفره، وقد استطعت أن ألتفّ على قراره، وها أنا أمامك هنا في تل أبيب. لماذا تل أبيب؟ لأنه سوف يعرف حال وصوله إلى بيروت من الأمن العام أنني سافرت إلى فلسطين، وسوف يغضب وربما لحق بي كي يعيدني إلى السويداء، لأنه يعرف أنني أقيم دائما في فندق الملك داوود بالقدس أثناء زيارتي لفلسطين فقد فضلت أن نجتمع في تل أبيب كي لا نفاجأ بدخوله علينا ونحن في القدس.- جلست أسمهان تروي قصة منعها وهروبها من بيروت للتابعي، بينما هو صامت لا يعلق إلا نادرا، بل ويطيل النظر إليها، فكانت تحدث نفسها لماذا هذا الصمت، وترى ماذا يدور في رأسه من التساؤلات وعندما لاحظت في السهرة استمرار علامات التفكير والتساؤلات على وجهه، فبادرته: في ما تفكر يا أستاذ، وما بالك واجما على غير عادتك؟ أمرك لا يعجبني.ضحكت طويلا ثم قالت: قل شيئا جديدا، فمتى أعجبك شيء من أمري؟ يحسن بك إلقاء كل شيء وراء ظهرك وعيش الساعة التي أنت فيها فحسب، فما أجمل أن تعيش اللحظة التي تمر عليك بكل جمالها.أمضى الجميع السهرة، بين كلام عابر في أمور عدة، غير أن أهم ما سيطر على اللقاء هو محاولات التابعي الدائمة لتذكير أسمهان بتصرفاتها المتناقضة، وهو ما يسفر عن حبه الشديد لها، بل إنه كان يتمنى من داخل نفسه لو أن هذه الأنثى التي أحبها بجنون، كانت مكتملة، ويقصد أن تكون من دون تلك المتناقضات التي تسيطر عليها، والكثير من التصرفات غير المسؤولة، فهو يتمنى أن تكون له وحده، لا أن تشاركه فيها ملايين العيون.في الصباح خرجت أسمهان والتابعي للتجوّل في شوارع تل أبيب. في أحد الشوارع قابلهما بعض الشباب العرب من أبناء وجهاء يافا والقرى القريبة وعرفوا أسمهان وأقبلوا يحيونها، فقدمت التابعي إليهم، وقال أحدهم إن عمه زهدي أبو الجبين سيقيم في المساء حفلة ساهرة في داره، وأن الأخير سيسره كثيرا حين يعلم أن الأميرة أسمهان في تل أبيب وأن يدعوها والأستاذ (يقصد التابعي) إلى الحفلة.قالت أسمهان إنه يسرها أن تلبي الدعوة، ووجد التابعي نفسه متورطا في قبولها. قدمت محمد التابعي لصاحب الحفلة، وحرص على الابتعاد عنها كي يتفادى عيون الحضور وألسنة الفضول، ونجح في ذلك، لكن عندما أشرفت الحفلة على نهايتها وانتصف الليل ذهب يبحث عنها لينصرفا، فقيل له إنها في الطابق الأعلى. صعد ورأى زحاما شديدا أمام باب الحجرة التي كان ينبعث منها صوت أسمهان وهي تغني، وصيحات إعجاب امتزجت فيها أصوات السيدات بالرجال، وبين أصوات الرجال وجد أصوات سكارى من الإنكليز، وقد عرف منها في ما بعد أنهما اللورد هيغ ابن اللورد دوغلاس هيغ الأول، واللورد فافر شام وهما ضابطان في الجيش البريطاني.- أحس التابعي أن شيئا ما بدأ يثور في صدره وفي رأسه، وخطر في باله أن يشق طريقه بين زحام الواقفين ويدخل الغرفة ويجذبها من ذراعها وينصرفا، لكنه تحكم في أعصابه، ونزل إلى الطابق الأول ريثما تنتهي الأميرة من غنائها!جلس ينتظر وفي صدره ثورة تريد أن تنطلق، لكن... لماذا هذه الثورة؟ هل هي الغيرة؟ ولحساب من؟ هل كانت لحسابها هي؟ أي كانت غيرة على كرامتها وسمعتها وما يجب أن يكون عليه سلوكها بين الناس؟ أم كانت لحسابه هو شخصيا كمحب وعاشق لها؟! وهل هو فعلا كذلك، محب وعاشق؟!فربما تعمدت هي ذلك لإشعال غيرته؟ وبالتالي فإن تلك الغيرة مزيج من الاثنين!لم يطل انتظاره لها، وانطلقا بالسيارة إلى الفندق، وفي الطريق راح يوبخها، مؤكدا استحالة أن تتغير أخلاقها وما في نفسها، وأنها قد تعيش مئة عام تسمع يومياً وفي كل ساعة وفي كل دقيقة لفظ الكرامة من دون أن تفهم له معنى! وما أن نزلت من السيارة أمام باب الفندق حتى انفجرت في بكاء مرير، وهرعت إلى غرفتها منهارة، الأمر الذي جعل التابعي يضعف أمام دموعها من جديد- في الصباح قال التابعي لأسمهان إنه لا بد من أن يعود غداً إلى مصر لأن وقت الرحلة انتهى، ولا يستطيع أن يطيل غيابه عن عمله في مصر أكثر من ذلك، وسيتجه اليوم إلى القدس لاسترداد جواز سفره الذي تركه في فندق الملك داوود، على أن يعود مساءً ليستقل القطار صباح الغد إلى مصر من محطة اللد.- قالت أسمهان: لم نلتق إلا أمس الأول، فلم نستطع التحدث في ما نود، لقد أمضينا السهرة مع الصديقتين الفرنسيتين وجمال جبر، وكذلك نهار أمس أمضيناه في تل أبيب في الفرجة على المحلات والشوارع والمساء في سهرة زهدي أبو الجبين، فلم يبق أمامنا سوى هذا اليوم نهارنا هذا والمساء، لنذهب جميعا إلى القدس وسوف نمضي السهرة معا في صالوني الخاص كي نتحدث على انفراد.- أجاب التابعي: لكنك تخشين الذهاب إلى القدس لئلا يحضر زوجك فجأة إلى هناك؟- - لو أراد زوجي الحضور واللحاق بي لفعل، لكن أما وقد مر يومان من دون أن يفعل فمعنى هذا أنه لم يهتم، أو أنه انطلت عليه قصة دعوتي من قبل السيدتين الفرنسيتين، فلنذهب جميعا إلى القدس.- انطلق الجميع إلى القدس، وفي فندق الملك داوود تناولوا الغداء وافترقوا إلى غرفهم على أن يجتمعوا مساء لتناول الشاي في صالون أسمهان الخاص.- في تمام الخامسة مساء فُتح صالون الأميرة آمال الأطرش لتناول الشاي على الطريقة البريطانية، وكان التابعي آخر الحاضرين فقد سبقه جمال جبر والسيدتان الفرنسيتان. قدمت أسمهان الشاي بنفسها لضيوفها وهمست للتابعي: كلمني اللورد هارنغ وزميله الآن، يريدان زيارتي هنا في الصالون مساء، هل لديك مانع في ذلك.كنت أظن مما فهمته منك أنك تريدين أن نمضي السهرة معا كي نتحدث على انفراد بحسب طلبك.- لكنهما سيتناولان «الكوكتيل» وينصرفان.وإذا لم ينصرفا؟- تريدني أن أطردهم؟-- قال لها التابعي وهو يضع فنجان الشاي على الطاولة بجانبه ويهم بالانصراف: طبعا لا أريدك أن تطرديهم لكني لا أحب أن أمضي سهرتي مع من لا أعرف، ولذلك أفضّل أن أتركك لمجلس اللوردات!- وفعلا في المساء وبحسب الموعد المحدد للسهرة ذهب التابعي مع جمال جبر إلى صالون الأميرة، لكنه لم يجدها!- بدت على وجهه الدهشة والغضب وتساءل: ما معنى هذا؟- عرف من الفندق إن برنسيس أطرش دخلت الآن قاعة المائدة مع اللور هيغ واللورد فار شام!!- ثار التابعي وغضب: لا أقبل أن تلعب بي أو تسخر مني امرأة أيًّا كانت.- اندفع خارجا من الصالون، يقفز الدرج، ويبدو أن أسمهان توقعت ذلك، لأنه ما أن وصل إلى أسفل حتى وجدها تهم بمغادرة الفندق، وقد وقف أحد الخدم يضع معطف الفراء على كتفيها ومعها الضابطان اللوردان.- مشى إليها التابعي، فبادرت وأسرعت هي نحوه وعلى وجهها ابتسامة، ومدت يدها لتصافحه كأنه صديق فوجئت برؤيته على غير انتظار!- وقالت همسا: أرجوك لا داعي للفضائح هنا!- أخذها من ذراعها ودفعها أمامه إلى الصالون الخاص بها ودخل وأغلق الباب خلفهما كي لا يدخل جمال أو غيره، والثورة التي تجمعت في صدره كان لا بد لها من أن تنطلق ووقف يسألها عن أفعالها، وتدفقت الألفاظ من فمه لا يعي، ما يقول، ولماذا كان إلحاحها عليه بالحضور من مصر كي يحتفل معها بيوم مولدها. غيرأنها وكعادتها في مثل تلك المواقف، جلست تبكي وتنتحب، فما كان منه إلا أن تركها وانطلق خارجًا.- أمضى التابعي بعد خروجه غاضبا من فندق الملك داوود حوالي الساعة في مقهى أجنبي، ثم دخل أحد المطاعم في باب العامود، وبعدها عاد إلى الفندق، لينام، فعليه أن يدرك قطار مصر الذي يتحرك في الثامنة صباحا، فقد اتخذ قراره بالسفر مهما كانت الظروف، حتى لو لم يلتق بها مجدداً. ف السادسة صباحا رن الهاتف، فردّت أسمهان: صباح الخير، أنتظرك في الصالون، أرجوك مر عليّ قبل سفرك.ذهب إليها التابعي وكانت عيناها متورمتين من أثر بكاء الأمس!- فقالت أسمهان بابتسامة حزينة: ربما أردت أن أغيظك كما غظتني! الآن قل لي، هل أنت حاقد عليّ؟ أبدا... إذن سامحتني؟ - نعم - سكتت لحظة كأنها تتردد في ما تريد أن تقول، ثم قالت : سأطلب منك أمرا آخر، هل تعدني بتنفيذه؟ ما هو؟ عدني أن تستجيب له.- إذا كان باستطاعتي سأستجيب- ثم عاودت الصمت، قبل أن تقول: إن كنت حقيقة لست غاضبا مني، فعدني بأن ترجع إلى القدس كي نمضي معا عيد الأضحى ورأس السنة، فربما كانت هذه هي الدعوة الأخيرة والمرة الأخيرة التي ستراني فيها... أرجوك.- اهتزت مشاعر التابعي وشعر بانقباض، فابتسم وهو يهز رأسه قائلا: مفيش فايده، هاتفضلي زي ما أنت، عموما سوف أفكر في هذا. وأخذت أسمهان تلح عليه أن يعدها بالحضور، لكنه اكتفى بقوله إنه سيحاول جاهدا، وعندما وقف ليستأذن منها امتلأت عيناها بالدموع، وتركها وفي عينيه دموع، وبعد ساعتين كان في القطار عائدا إلى مصر.- والى مقال اخر \ المؤرخ والباحث فى التراث الفنى وجيه ندى وللتواصل 01006802177 [email protected]