بحضور أهالي جرجا.. افتتاح مسجد مالك الملك بسوهاج    أفضل 5 أطعمة لتجنب الكوليسترول السيئ وارتفاع سكر الدم.. طبيبة قلب تكشف    ضمن الموجة 26، إزالة 16 حالة تعدٍ على أراضي الدولة والبناء المخالف بنجع حمادي    الصوامع والشون تستلم 270 ألفا و255 طنا من القمح داخل وخارج أسوان    صحيفة إسرائيلية: غارة كل 4 دقائق على قطاع غزة    أردوغان: نتنياهو يواصل غطرسته في المنطقة    حماس: الاحتلال يستخدم سياسة الأرض المحروقة في غزة    مستثمر سعودى يشترى ألميريا الإسباني ب100 مليون يورو    البابا ليو الرابع عشر يعرض استضافة محادثات سلام بين روسيا وأوكرانيا في الفاتيكان    تشكيل سيدات الأهلي لمواجهة مسار في كأس مصر    تشكيل الأهلى أمام مسار فى نصف نهائي كأس مصر للكرة النسائية    البنزرتي يلمح لقيادة الوداد في مونديال الأندية    المعمل الجنائى يعاين موقع حريق مطعم شهير بمدينة نصر    أحمد تيمور فى أمسية شعرية بالأوبرا    بسنت شوقي تعترف: "ارتباط اسمي بزوجي محمد فراج ظلمني"    بعد 6 سنوات من الجائحة.. تحذيرات من موجة جديدة لكورونا جنوب شرق آسيا    شعبة المستلزمات الطبية تناقش مشكلات القطاع مع هيئتى الشراء الموحد والدواء    الأحد.. مجلس الشيوخ يناقش خطة التنمية الاجتماعية والاقتصادية للعام المالي 2026/2025    سيارة تقطع إشارة عبد المنعم رياض بالمهندسين وتحطم واجهة محل تجاري    إصلاح اعوجاج بالعمود الفقري وانزلاق غضروفي متعدد بمستشفى دمياط العام    «10 مليون دولار!».. مدرب الزمالك السابق يكشف مفاجأة بشأن عدم بيع زيزو    رسميًا.. الزمالك يعلن اتخاذ الخطوات الرسمية نحو رفع إيقاف القيد    سفيرة الاتحاد الأوروبي تشيد بدور مصر في القضية الفلسطينية    وزير الري يعلن الإسراع فى إجراءات بدء تنفيذ عملية تأهيل كوبري عبوده    مصرع 3 بينهم طفل وإصابة 20 آخرين في حادث انقلاب سيارة نقل بالوادي الجديد    الإمارات تهدي ترامب "قطرة نفط واحدة".. والأخير ساخرا: لست سعيد بذلك    حصاد مجلس النواب خلال الجلسات العامة 11 - 12 مايو 2025    إنجلترا والإمارات في أولى منافسات sitfy poland للمونودراما    هدى الإتربي بإطلالة أنيقة في مهرجان كان السينمائي    عرض الجزء الأول من فيلم "الزعيم" على شاشة الوثائقية غدا السبت    الدقران: غزة تتعرض لحرب إبادة شاملة والمستشفيات تنهار تحت وطأة العدوان    المفتي: الحج دون تصريح رسمي مخالفة شرعية وفاعله آثم    شكاوى المواطنين تنهال على محافظ بني سويف عقب أدائه صلاة الجمعة .. صور    وزير الكهرباء يتابع مستجدات تنفيذ مشروع المحطة النووية بالضبعة    أسعار الأسماك اليوم في مصر    الكشف الطبي بالمجان على 1091 مواطنا في قافلة طبية بدمياط    مصرع شاب غرقا في ترعة الإبراهيمية ببني سويف    منازل الإسرائيليين تحترق.. النيران تمتد للمبانى فى وادى القدس    موعد بدء إجازة نهاية العام الدراسي لصفوف النقل والشهادة الإعدادية في القليوبية    محافظ الجيزة: ضبط 2495 قضية خلال حملات تموينية    بث مباشر.. نقل شعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر    كاف يكشف عن تصميم جديد لكأس لدوري أبطال إفريقيا    عبدالناصر فى «تجليات» الغيطانى    بعد استثنائها من الدخول المجاني.. أسعار تذاكر زيارة متاحف «التحرير والكبير والحضارة»    حبس متهم بالتعدى على طفلة فى مدينة نصر    حال الاستئناف، 3 سيناريوهات تنتظر نجل الفنان محمد رمضان بعد الحكم بإيداعه في دار رعاية    مواصفات امتحان اللغة العربية للصف الأول الإعدادي الترم الثاني 2025    أسعار الأسماك في بورسعيد اليوم الجمعة 16 مايو 2025    الإسكان: قرارات إزالة لتعديات ومخالفات بناء بالساحل الشمالي وملوي الجديدة    الصحة: خبير من جامعة جنيف يُحاضر أطباء العيون برمد أسيوط    طريقة عمل السمك السنجاري فى البيت، أحلى وأوفر من الجاهز    الدوري الإسباني.. بيتيس يبقي على آماله الضئيلة بخوض دوري الأبطال    لاعب المغرب: نسعى لكتابة التاريخ والتتويج بأمم إفريقيا للشباب    البلشي: 40% من نقابة الصحفيين "سيدات".. وسنقر مدونة سلوك    د. محروس بريك يكتب: منازل الصبر    توقفوا فورا.. طلب عاجل من السعودية إلى إسرائيل (تفاصيل)    نشرة التوك شو| حجم خسائر قناة السويس خلال عام ونصف وتحذير من موجة شديدة الحرارة    هل الصلاة على النبي تحقق المعجزات..دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثأر غابة العالم
نشر في شباب مصر يوم 20 - 11 - 2018

الثأر هو غريزة دامية جامحة متوثبة تصدر عن النفس جهة قاتل أحد أقاربها فتقتله أو تقتل أحد أقاربه حال وفاة القاتل.
ولفظ الأقارب هنا لفظ شمولي يبدأ من الفرد ويمتد مروراً بالجماعة أو العائلة أو القبيلة أو الدولة ليقف عند أقصى مداه لمجموعة أحلاف كما حدث فى الحروب العالمية الأولى والثانية.
***
الثأر يختلف عن القصاص فى كل مرادفاته سواء معطياته أو نتائجه ، فهدْر دماء القاتل بالثأر هو الوجه المزيف للقصاص ، وهو فوضى دموية تحكمه تقاليد قبلية جماعية أو سجية فردية ، ولا تدخل معطياته فى إطار قبضة الدولة بل تتفاعل بعيداً عنها فى إطار دراماتيكى فوضوى.
لكن القصاص حياة ، و يكون فى قبضة الدولة لا قبضة الفرد أو الجماعة ، فالدولة تقتصّ بموجب القانون الذى لا يتواءم بتاتاً وتقاليد القبائل أو العشائر.
***
وعلى مر تاريخ الكائنات الحية كله سواء كان إنسان أو حيوان وحتى اللحظة التى أخطُّ فيها الأن تجد ظاهرة الثأر متجذرة فى تلك الكائنات وتمارسها فى لحظات التمكين، وقلما تتخلص منه إلا فى أضيق الحدود مثل تبنى عقيدة أو ثقافة تدفعه أو تكون غريزة مكتنفة داخل سياج الجبن فلا تنطلق بالنسبة للكائن المُكَلف.
وكلامنا سيكون مختصاً بظاهرة الثأر والإنتقام التى تخص الإنسان وليس الحيوان.
فى عهد الإنسان الأول وهو ءادم نجد مخلوقاً واحداً وهو إبليس ينتقم من ءادم فى بنيه كلهم لمجرد جُرْح كبريائه وهى تُمثل أول ظاهرة إنتقام خارج الأرض ، وإنْ كان لغوياً فى المعجم إن الثأر هو الدم بينما الإنتقام فالثأر مجال من مجالاته .
ومن العصور البارزة التى تجسد مرحلة هامة من مراحل الثأر نجدها فى عصور الجاهلية .
فانظر لحرب البسوس التى استمرتْ أربعين عاماً .وكذلك المعارك الداميه التى دارت بين الأوس والخزرج والتى بداتْ بحرب سمير وانتهتْ بحرب بُعاث.
وخروجاً عن الجنس العربي وولوجاً الى تاريخ أوروبا نجد أن المصادر التاريخيه الأوربيه التى وصلتنا من العصور الوسطى تدل على نشوب حروب ثأريه بين عائلات فى أنحاء أوروبا استمرتْ حوالى قرنين من الزمن.
وقد تتبلور ظاهرة الثأر خارج نطاق الفرد أو القبائل العربية أو العائلات الأوربية الى داخل نطاق الدولة أو فى مدىً أوسع نطاق أحلاف من عدة دول، كما أنها قد تحمل الماضى الغابر معها لعقود طوال وتلقى بظلالها فى حاضرها.
نجد ذلك مجسداً فى بللورة العداءات القديمه من العصور الوسطى الغابرة لتلقى بظلالها بنشوب الحرب العالميه الأولى والتى هُزِمتْ فيها ألمانيا وحلفاؤها وفُرضتْ عليها شروطاً مُجحفة.
وما تركت ألمانيا ثأرها ، فبعد حوالى 30 عاماً افرز الثأر الحرب العالميه الثانيه، تلك الحرب وقعت فيها أكبر مذبحه فى التاريخ الإنسانى ، فيها شنَّ هتلر ورجال دولته حرباً ثارية للتخلص من معاهده الذل والعار حسبما رءاها ذالك الحاكم الألمانى ورجال دولته..والتى هُزمت ايضا فيها إثر قيام الولايات المتحده الأمريكيه بالقصف النووى على هيروشيما وناجازاكى بسبب رفض اليابان الاستسلام الكامل دون شروط والتى كانت اليابان فيها مركز ثقل قوى للألمان.
ورغم مرور عقوداً طوال فلا أظن أن اليابانيين أو الألمان سينسون ثأرهم ، كل ما هنالك فقط أن الولايات المتحدة الأمريكية قوية بما يكفى لإخضاع هاتين الدولتين .
وفى القرن العشرين نجد هذه العمليات الثأرية التى شنتها أمريكا عقب أحداث الحادى من سبتمبر 2001ضد المسلمين الأمريكيين والعرب.
***
إن الثائر يطوقه من كل الجهات بركانٌ من النيران الملتهب ، هذا البركان عبارة عن حِمم يصدر من كيانه كأنها جِبلّة أو سجية طُبِعَ عليها ، ويردُ من محيط البيئة الجامحة التى تحوطه بقيد من الجحيم فتحصن هذه السجية وتقويها وتدفعها نحو المزيد من العزيمة والإقدام نحو الثأر فيصبح إهدار الدماء أفراح الغد.
هذه السيكولوجية لن يكبح جماحها الدواعى الأمنية الحكومية ولا ألف مدفع فوق رأسه ، المهم ان يظفر بضحيته فيقتلها.
ولن تسكن هذه النفس الثائرة ولو انتظرتْ الضحية ألف عام .وكما يرث الابناءُ الأباءَ فإن الثأر يورّثه السلفُ للخلف تِباعاً ويمتد لجيل بعد جيل.
لم تشاهد عين الثائر فى زخم المكان المكتظ بالناس إلا الضحية ، هذه الضحية أبصرها وكمه غيرها ، وما الإبصار والعمى فى هذه اللوحة ألا رسم منبثق من طموح ترعرع فى نفسه حول رؤية الدم السائل على الأرض.
تمتد اليد لتطلق ضربات قاتلة والتى تمثل للثائر لحظة الخلاص والتحرر من رق العار.
هى لحظه ينتحر فيها الضمير ويتذئب فيها ولى الدم ويهلع فيها الضحيه ولا يملك فيها إلا الهروب أو الاحتماء والتوارى خلف الاستار
***
أن من أشد العوامل لتفشى ظاهرة الثأر هى العصبية الجاهلية التى تبنتْ هذه الظاهرة وغذتها وحولتها لإرث يورّث للأبناء عند بلوغ سن الرشد.
ولا ننسى أيضاً دور الحكومات فى هذه الظاهرة..
فنشوب الصراعات السياسية فى أى بلد حول الحكم قد يؤدى إلى استفحال ظاهرة الثأر ، هذه الأنظمة تتخذ من هذه الظاهرة سِتاراً وعصابة لصرف الرأى العام حول قضايا الصراعات الدامية الفاضحة المتبادلة فيما بينها .أىْ أنها عصى موسي التى تصرف الجمهور عن جرائمهم التى استفحلتْ وتراءت للأعمى والبصير .
وهذه الأنظمة أحياناً تعمل على دمج إحدى العشائر معها فتتخذها حِلفاً لها لتساعدها للوصول الى الحكم أو بعض المناصب الحكومية المرموقة بطريقة غير مباشرة نظير نصرتها على عشيرة أخرى بينها وبين الأولى بعض النزاعات التى قد تمتد بعد ذلك الى سفك الدماء التى تتبادل فيما بينهم يوماً بعد يوم حتى تمتد لسنين وقد تطول إلى عدة عقود.
***
وعندما يسيل دم الضحية تنهار معه الأُسر والجماعات فتتفكك المجتمعات وتنهار الحضارات بمعاول انبجاس الدماء.
بل عند توسع دائرة الثأر ليشمل مجموعة من أحلاف دول تنهار الإنسانية كلها وتتذئب وتعوى فى ملايين الدماء.
***
قد تتدخل العقيدة السماوية التى يعتنقها الثائر فتتصارع مع العادة الثارية المتجذرة لدى القبيلة أو العائلة ، فَتغلِب أو تُغلَب ،
وستكون الغلبة فى هذا الصراع لمدى تمكن إحداها على الأخرى .وعلينا نحن أولو الألباب أن ندفع دائماً بالعامل الدينى ونؤصّله ونجعله الركيزة الأساسية فى إنهاء الصراع ، لأن الحافز الدينى يحرّم الثأر ويحل القصاص.
أمّا مسألة التوعية الثقافية فى هذه المجتمعات القبلية فرادعه ضعيف جداً إذ أنّ ظاهرة الثأر عندهم متجذرة فى قلوبهم كعقيدة تتبناها الرسل فى تبليغ رسالات الله.
وليست الدواعى الأمنية التى تتخذها الدول إزاء هذه المجتمعات القبلية أحسن حالاً من التوعية الثقافية فكلاهما فاشل فى معالجة هذه القضية الدموية لأنه كما قلت أن الثأر بالنسبة لهم عقيدة ورسالة إذا تركها أحد افرادهم يسمونه بالصابئ.
لقد أثبتتْ العقيدة نجاعها فى القضاء على ظاهرة الثأر ، فالأوس والخزرج مثلاً أنتهت حروبهم تحت مظلة العقيدة الأسلامية.
إن أكثر الدول إيلاماً وتجذراً لظاهرة الثأر هما قبائل اليمن وصعيد مصر.
إن ظاهرة الثأر المتفشية فيهما قديمة جداً بل متوارثة من جيل إلى جيل ولن يقف حمام نزيف هذه الدماء بالقوانين والدساتير الموضوعة لدى هاتين الدولتين .
لابد من إصدار قوانين خاصة لظاهرة الثأر من أكبر الهيئات القضائية فى هاتين الدولتين ، وأن كانت تختلف كلياً وجزئياً عن قوانين القتل العادية .
هو باب فى الجنايات يدرج تحت مسمى "ظاهرة الثأر والأحكام المتعلقة به " إشارة من الهيئة القضائية أن الأحكام المتعلقة بظاهرة الثأر من عقوبات تحتلف فى محتواها ومضامينها عن تلك الموجودة فى جرائم القتل العادية .
ولكى نحقق العدل فجرائم القتل فى الدستور منها ما يستوجب الإعدام ومنها ما يستوجب الاشغال الشاقة المؤبدة ومنها فى حالات قليلة جداً ياخذ الجانى فيها حكم مخفف بالسجن لبضع سنوات ثم يعفو عنه وخاصة لو كان حسن السير والسلوك .
وقضيتنا هنا مع الحالة الثانية والثالثة لإنها لم تمثل بالنسبة للثائر زوال عاره وبالتالى يأتى القانون الجديد الخاص بأحكام ظاهرة الثأر ليمنع إهدار الدماء.
عندما تكون العقوبة أشغال شاقة مؤبدة فإنى أرى قيام الدولة بإصدار حكم من القضاء بالإعدام تجنباً لحدوث عقوبتين له واحدة عادلة باسم الدولة والأخرى جائرة باسم الثائر.
أما الحالة الثالثة فأرى يتم فيها احتجاز القاتل بعد قضاء العقوبة وتوفير ملاذ أمن له ولو اقتضى الأمر بترحيله خارج البلاد.
***
بقلمى :إبراهيم أمين مؤمن
روائى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.