حينما نشب الصراع بين الفلسفة وعلم الكلام عربيا اسلاميا ,تساءل كثيرون بما فيهم المهووسون بقضايا الادب والفلسفة والاديان ,عن جدوى تلك النقاشات التي تدرجها العلوم السياسية في خانة الخطاب السياسي ,لانه في اخر المطاف هناك نهايات تنتهي للتقاطبات الايديولوجية المصلحاتية التي تتعارك على ارض الميدان ,وتبتغي كلها التقاط السلطة الموجودة في الشارع كما يقول المثل الالماني الفلسفة النقدية تشتغل دوما على مساءلة مشاكل الفرد والمجتمع والدولة, فهي تبحث عن الامثل, وتستشرف غياهب المجهول بطريقة عقلانية منافية للدجل ,وتعتبر الانسان مركز كل شيئ, بمافي ذلك السلطة, ومن ثمة كانت الحداثة على الدوام قرينة العقلانية ,فيما التقليدانية رديفة الموروث, بما يحمله من اساطير وجوانب خرافية تجهز احيانا على حاضر ومستقبل المجتمعات والامم, ولو حقت المقارنة بين الحداثة والتقليد التراثي المحافظ, لاستنتجنا مبكرين الميل النسبي لفطرة الانسان المجبولة على الاشرئاب لكل ماهو جديد ويزداد بريقه كلما كان فتانا ,لذلك كان مصطلح المافيا او مافيوزي دادا مافيا عند الايطاليين القدامى تعني الغنج والدلال ,ومن هنا ارتبطت الفلسفة بمواكبة دلال وغنج ماركات الازمنة والعصور ,فكانت رومنطقية العشاق وبوهيمية الطبيعانيين ومواضيع فلسفية كثيرة التقطها الادب وجعل بينه وبينها نسبا ,وهي من مستلحقات الفكر الفلسفي بالفطرة وبحكم الكابدة المراناتية الوثيقة الصلة بالعقلانية التراث يركز على الجزم المطلق, هذا ما وجدنا عليه ابائنا ,او حدثنا ابي عن جدي وقلبي عن ربي ,هذا هو مضمار مخاضات التراث ,بل ان الفقهاء واكاديميي التراث انفسهم يشاقهم لحسمياته التي لاتقبل الاضافات ,فصلاة المغرب مثلا سرية وفيها تلاثة ركعات ولايمكن ان يجتهد الملقن ,فالتراث اذن مجال تلقين وتحفيظ والحداثة مجال مواكبة واجتهاد ولذلك ساهم تطور المناهج في هدم الهوة بين الاكاديميين وصارت الحقول المعرفية مجالا مشتركا بين الجميع ,ومن لايعرف التراث يصاب بالذهول ومن لايواكب مستجدات العصرنة وتقنيات المجتمع الصناعي والتقني يصاب ايضا بالدهول ,وبالمثل الباحثين خاضوا ايضا معارك الالمام بالانسانيات والتجريبيات ,لتلافي الفراغ في حياة الاشخاص من جهة وقصد الانتماء كجامعي لمجتمع المعرفة والتواصل مابين المطلق والنسبي لابد من استحضار النقد كوسيلة لاستشراف مستقبل البشرية ,وهو ذاته ما تتولاه الفلسفة النقدية الحداثية المؤسسة للمستقبل على اسس نسبية وحداثية, لاتستبعد اي موضوع كيفما كان من وضعه تحت مشرحة النقد البناء, الذي يزعزع غرور الذات عوض ارضائها بالركون الى هوسها المغرور فاهمية المدرسة الجرمانية الالمانية في البناء الفلسفي العقلاني جسدها كانط ايمانويل الذي انتهى الى العزلة في اخر حياته, لكنه حرص في كتابه نقد العقل الخالص ,على تعميم تجربة الجرمان والفرنسيس والانجليز ,فقال بان الله منح الانجليز مملكة البحار والفرنسيس مملكة التراب والالمان مملكة السماء ,لذلك كانت المانيا على الدوام مصدر الالهام الفلسفي ,وكانط سره كثيرا عشية الاستعداد لخوض حروب كونية تحدد نفوذ مستقبل زمان اجياله ,اختار ان يذكر بعمق المانيا كمملكة السماء ,وهو الذي قال بان الانسان ذي الضمير الحي الابيض ترصع فيه قوة الضمير كما ترصع النجوم في السماء,فالفلسفة اذن لم تكن بعيدة عن الدين او مستعدية له انما الفلسفة مجالها التامل غير الطقوسي ,وقد اختصر المفكر المغربي عبدالله العروي هذه الاشكاليات في انه لايمكن العيش في المجتمع والتفكير فيه ,وفي هذا احالة على استقلالية الية التنظير عن اليات الانجاز الميداني احد رواد مدرسة فرانكفورت, وهو يورغين هابرماس,اشتغل طيلة حياته على تطوير دور الفسفة في المجتمع ,وشكل بذلك احد رواد الفلسفة النقدية الحديثة, بحيث يعتبر مهمة الفلسفة هي ان تكون *برناماجا نقديا يستحضر المنهج العقلاني مع التصدي للمؤسسات الاجتماعية, التي تتولى بناء وتكوين وعي المجتمعات الغربية المعاصرة, رافضا سجن الميدان السياسي في الكليانية البورجوازية والبيروقراطية ,لان من شان ذلك مصادرة قيمة المجتمع الحداثي كرهانات متغيرة, ومساهمة في تغذية المنافسة بين الفاعلين ومن يريد الاستزادة حول الموضوع بتفصيل, يرجع لكتاب علاء طاهر, حول *مدرسة فرانكفورت ,من هوركايمر الى هابرماز* تتميما لما سبقت الاشارة اليه, حيال المدرسة الجرمانية الالمانية وشموخها الامنازع فيه ,وجبت الاشارة الى ان مرحلة مابين الحربين الكونيتين التي عرفت صعود النازية اتسمت في المقابل باضطهاد الفلاسفة الالمان, رواد معهد الابحاث الاجتماعية المؤسس سنة 1923 والمتواجد بفرانكفورت بالمانيا ,وبعدالاضطهاد النازي والانتقال لنيويورك سمي المعهد بمدرسة فرانكفورت من رواد المدرسة ومعها المعهد السوسيولوجي, لوكاش :صاحب كتاب الوعي الطبقي, والفيلسوف بلوخ: الباحث عن الانسان الجديد كباعث للنهضة ومركزها ,وهناك الفيلسوف هوركايمر: الذي انجز دكتوراة الدولة حول* فلسفة ايمانويل كانط* وسهر بصفة خاصة, على استقلالية المعهد المسمى رسميا* بمدرسة فرانكفورت* من التاثر بالنشاط السياسي لاعضائه وبقي هوركايمر حريصا على تلقين فلسفة كانط وهيجل, ومن مؤلفاته بهذا الصدد كتابه حول* بدايات الفلسفة البورجوازية للتاريخ * وانضم اليهم هوربرت ماركيوز: صاحب بحث انطولوجيا هيجل ونظريته التاريخانية, لكن النازية لم تكن لتستحمل الفكر, فسارعت الى اغلاق المعهد, ومطاردة اعضائه, ومصادرة المكتبة, الشيئ الذي حول مفكريها الى الاشتغال في الشتات بين امريكا وانجلترا وسويسرا, فحظي فرع جنيف بحفاوة برغسون ,والفرع الانجليزي بترحاب هارولدلاسكي الاب الروحي لاستقلالية البحث العلمي وهو صاحب كتاب ثورات العصر ,وركز كثيرا على استقلالية البحث العلمي ,هذه الاستقلالية تعتبرها التسلطيات سحب سجاد السلطة من تحت ارجلها ,وهي عبارة طالما اثقبت الاذان وهناك كذلك هيرمان فايل ,وضمنوا للمعهد استقلاليته الفكرية الاكاديمية ,وبعد هيمنة النازية على سويسرا, انتقل رواد فرعها الى نيويورك :حيث وجدوا بناية لائقة ,مما ساعدهم على تطوير مسارهم النقدي الفلسفي وبعد سقوط النازية, واسدال الستار على الحرب الكونية الثانية, عاد الاعضاء المنضوين تحت مدرسة فرانكفورت الى مدينتهم الالمانية الام ,واشتغلوا على موضوع النازية ,ونقد راسمالية الدولة, واشتراكيتها لحد الان الحلفاء والمحور والهوية الابيسية والاميسية لاتزال تشكل نبراس التقاطب الجامعي ,بشعور او بدون شعور ,فالباحث الاكاديمي اما خريج مدرسة فرانكفورت ومعالم هارودلاسكي ,او خريج الغيستابو وما يعقبه من التهافث على انتهازية المناصب والفرص الفيلسوف هابرماز, ينتمي للجيل الثاني للمدرسة ,وكان استاذا مساعدا لتيودور ادورنو, وقدم ثاني اطروحة له حول موضوع, الاركيولوجيا الاجتماعية التاريخية للراي العام ,كنمط من الهيمنة المؤسسساتية داخل المجتمعات الحديثة والمعاصرة ,وفي سنة 1969نشر دراسة هامة له حول موضوع الطلبة والسياسة ,ومن خلال تناوله لموضوع الوعي السياسي لدى الطلبة, اختلفت حوله الاراء: بين من يرى فيه اصلاحيا راديكاليا, ومن يعتبره ليبراليا نقديا,لانهم كما رددت مرارا الصراع الهيجلي الماركسي هو صراع بين البروتوكول وبين المغزى الجوهراني ,او بين التكثل والفردانية ,ومن الطبيعي ان تبقى الجامعة اسيرة تلك التقاطبات التي تعبر عن رياح الحياة ,والفلسفة كما الفلاسفة في هذه ليسوا مخيرين ,لكن ماكس فيبر وهابرماس جاءوا لياكدوا اهمية العمل والراسمال من جهة ,وليضيفوا ايضا اهمية المعرفة ,بعد هذا جاءت مدارس التسيير العصري المانادجمنت ,وطورت البنية الفوقية والتحتية عند ماركي الى ,راسمال مادي ومعنوي ,وكل مدارس التسيير وتدبير الموارد البشرية تعتمد اليوم انقسامية الراسمال لمادي ومعنوي ,المادي البنية التحتية والمعنوي البنية الفوقية ,وعبر ريجيس دوبريه عن هذا بمكنة تحول الناس الى ارقام هواتف وهو ما يسمى الان بالهوية المرقمنة التي تعطي للشخص خصائص اخرى خارج النسبيات الانتروبولوجية الكلاسيكية ,وقد سارعت الفلسفة الى احتضان موضوع الهوية لانه يرتبط بتطورية الازمنة ,ومبحث الزمان كان دوما مبحثا فلسفيا ,اما الانسان فهو اصلا موضوع الفلسفة اذا كان كانط منظر القانون الاخلاقي الذي يرصع في ضمائر الناس كما النجوم في السماء, فان هابرماز هو الاخر يركز على وجوب استحضار الاخلاق, ففي كتابه العقل والشرعية, يعتبر الواقع السائد بصفته المغلقة والدوغمائية يفتقر للمشروعية والمساواة, ولحصول عملية تعميق علاقة الفرد بمجتمعه, لابد من اتصالية جديدة ,والتي لن تكون الا وليدة وعي غير مستلب من طرف الادلجة المؤسساتية المهيمنة وفي كتابه النظرية والتطبيق ,يستحضر مهمة فيلسوف اليوم :لان الفيلسوف التقليدي انتهى,ذلك الذي كان يحمل هم شرح العالم وتغييره, بينما الفلسفة هي معمل منتج للاسئلة المؤرقة ,والفلسفة تستوجب التشبع بالعطية النقدية, اذا كانت تحدوها رغبة الانتماء للعصر الحاضر, فدولوز جيل مثلا وضع النقد الى جانب الاختلاف والعيادة أي الاهتمام بالصحة عند الانسان ,فالناس حتما تعيش في حياتها هذه التلاثية الدولوزية الفلسفة عند هابرماس هي برنامج فكري عقلاني تقدمي, تتغيا تفكيك الظاهرة السوسيوسياسية لاعطاء البديل العقلاني لمحتوياتها المتازمة ,وقد راينا عربيا مثلا احتدام النقاش حد التنافر بين المفكرين امين العالم وانور عبدالمالك ,وراينا في موضوع سميح القاسم ان التشظي الايديولجي بين قوى التقليد والمحافظة تحمل نذر مواكبة جديدة لرهانات العالم بطرق مختلفة ,فافق سوسيولوجيا الامل في ظل غياب التعايش الايديولوجي الفعلي ,يعطي تشظي التنافر الذي تعيشه معظم دول العالم اليوم ,فقد هرب الناس من القاعدة الشرعية للقاعدة الوضعية ,ورغم ذلك الهروب الكبير فان الانسان الذي يحرك دواليب القواعد ابان على انه غير شفاف ,لان افتقاد العمومية والتجريد عكر كل شيئ ورجع الكل لمستوى سماه رولون بارث ,بالكتابة من درجة الصفر ,واخرون اثروا القراءة من درجة الصفر ,فاعادة الملئ تعني ما تعني من تغيرات قد تتجاوز لابعد مدى ,قوانين الوراثة المؤثرة في ضوابط سريان الشؤون العامة ,فبد الاستعمار وما حصل عشيته وبعد تكشف كل انماط الرجعيات الانتفاعية ,صارت القسمات الان امام المراة جد واضحة عند الكل السوسيولوجي الفرنسي الان تورين في كتابه ,*كيفية الخروج من الليبرالية * اكد على ان العولمة الاقتصادية ,لايمكنها تذويب السياسة ,كما ان الحركات التقدمية لاتناضل فقط من اجل دحر الهيمنة, ولا تقتصر على الانتقاد وحده ,بل تطالب بحقوق ثقافية مجسدة على ارض الواقع مثلا معضلة التعاقد بالعالم العربي الاسلامي ,تتقاسمه قوى تقليدية تشتغل في ظل رياح الالتزامات التعاقدية الكلاسيكية ,وهناك ايضا قوى حداثية تشتغل في ظل العقد المعاصر المرن ,اكان عقد خدمات او عقد من سلسلة عقود المعاملات الاكثر رواجا بين الناس ,فالسنهوري مثلا او الكزبري في الالتزام ,جدد عزيمان في كتابه العقد –كونطرا – رياح التعاقد الكلاسيكي , فمؤسسة العقد ومن خلالها التقاطبات الايديولوجية المحررة للعقود تصطدم بعدة مؤرقات ,لم تعالجها لاالفلسفة ولاالسياسة ,أي باختصار ان سمة العقل المعياري الذي نسبه الجابري للعقل العربي في مقارنته بالعقل اليوناني ,هذا العقل المعياري الذي يعتمد على القبيح والحسن وفق منظور محافظاتي ,يهدد بشكل ناسف رياح التعاقد الحقوقي ,من خلال وضع متاريس عقد اخلاقي وغير اخلاقي ,التجليات البارزة لمثل هذه الكوابح وصلت مع الاسف لانفضاحية غير قابلة للستر ,لانه لوكنت مجتمعا غير مجتمعات البشرية لن تجد الحل في عدم هيكلة مشكل المجتمعات باسدال ستار التسري – اوسين- والركون من ثمة لاطمئنان المعالجة ,بل الصواب ان كل موجود يهيكل اكان خمرا اكان مخدرات اكان جنس ....,اما الخصوصية فهي تتجلى في عدم وجوده بالمرة ,اما اذاكان البشر شان كل البشر ويريدون حقوقهم شان البقية ,فلا يمكن مصادرها بتشريعات حكومات الامر الواقع التيوقراطية الاوليغارشية ,احيانا تصل الامور حد اوليغارشية الاوليغارشية ,أي قلة القلة ,فاين حكم الكثرة من كل هذا؟ اما في كتاب هابرماز* الميدان العام *فقد ركز فيه على دور الدعاية والاعلام كابواق رسمية ,لهيمنة الدولة ومؤسساتها البيروقراطية, فهو وسيلة رسمية لفرض السيطرة الرسمية على الراي العام, فاذا لم يستعمل الراي العام ضغطه النقدي لفرض استقلالية القضاء, فان تلك الاخيرة تكون غير مضمونة الا بوجود راي عام مهيا للنقد والتصدي ,وجمهور الراي وفق هابرماز وسيلة للسيطرة, تخلقه وتنشئه البورجوازية لجذب الاراء والتحكم في الوعي, وقمع اراء المواطنين بحشرها داخل الاطار الرسمي المرسوم لها ,لذلك يستوجب الامر وفق هابرماز اخضاع الشرعية السياسية للمساءلة النقدية مع كل من اركون ,وصفدي, وفالح عبدالجباروالكل الان في ذمة الله منذ سنوات فائتة قليلة , والعروي, والجابري, وغليون, وناصيف نصار ,وغيرهم كثير, يمكن الحديث معهم عبر جهودهم الجامعية المتواصلة عن فلسفة نقدية اسلامية حضارية ,متحررة من كوابح التحجر المحافظاتي السكوني فالدكتور محمد اركون, الى جانب اطروحاته العلمية حول *معارك الانسنة *التي تروم تحقيق وعي انسي اسلامي بين العلمانية المتدينة والالحادية, فهو اشتغل ايضا على نقد العقل الاسلامي, كشرط اساسي لتجديد الفكر العربي الاسلامي, لمواجهة مشاكله الراهنة وتحريره من طقوسية القرون الوسطى ,التي تغرقه في الانغلاقية في مضمار العقل الاصولي, الذي لم يرتق الى مستوى اصولية النقد الكانطي, فاحرى اطلاقية الديالكتيك الهيجلي, مع ان العقلانيتين تشكلان واحدة من الكلاسيكيات الجديرة بالنقد اوربيا, والذين يعتمدون عقلانية جديدة على الشاكلة الهابرماسية, فهذا التاخر الحضاري وفق اركون: ولد اضطرابا صاحبه العجز عن كيفية التصرف, فلا محيد اذن عن تبني التواصلية الجديدة, وعقلانية متحركة, ومتعددة ومنفتحة على التنوع الواقعي, والتاريخي والمجتمعي اما مطاع صفدي في كتاب* نقد العقل الغربي* فالحداثة هي عملية غدر من الداخل والاعماق, فهي غير تراثية ,لان مرجعها هو المستقبل, فالسلطة الكلاسيكية التي يجسدها القدماء في الحاكم او القائد او المؤسسة متجاهلين ابعادها العديدة ومستوياتها غير المحصاة :فالسلطة بمفهومها الحديث, ابعد عن رجالها الرسميين, وعن الحاكم لكونها كما عند فوكو ذات مستويات حية ,فهي شبكة سلطويات, تخترق العلاقات اليومية من البيت والاسرة والمكتب والمؤسسة ومكان العمل والنادي: اي انها تزاوج مظاهر الحياة الفردية, والاجتماعية, وتتغلغل في الحياة تغلغل الدم في عروق جسم الانسان, فالانتقاد بهذا الشكل وفق صفدي يجب ان ينصرف راسا نحو السلطويات بلفظها الجمعي المتعدد,وقد ضربنا المثل سابقا بلزومية فصل مجال القرار الاسترتيجي عن مجال القرارات البيروقراطية ,لان جعل كل شيئ استراتيجي يفقد الواقع معناه التاكتيكي التدبيري ,فاروبيا يميزون مفاهيم التسيير والتدبير والتقرير عن الحكم والحاكمية ,أي مايسمى وفق ادبيات الدستورانية المعاصرة بربط المسؤولية بالمحاسبة ,وكان جديرا بهم القول ربط المسؤولية بعدم المجاملة ,لكن هيهات هيهات اما فالح عبدالجبار في اطروحته حول انتقاد *معالم العقلانية والخرافة* فهو يلحظ من خلال مشروعه النقدي على ان حقل العلاقات السياسية حين الحديث عن موضوع الحداثة, تميزه نمطين من الدول: دول تيوقراطية محكومة بتقديس النظام السياسي الابوي المرتكز على الموروث القبلي والعرفي العشائري, المحكوم بالتطييف ودول علمانية عقلانية تحتكم في علاقاتها للتعاقد الاجتماعي في ظل القانون ,معية المؤسسات الديموقراطية ,من احزاب وجمعيات ونقابات اما الدول التيوقراطية فتحكمها العلاقات الشخصية ,ويرى ان المنطقة العربية ميزتها انطلاقة الدولة الدينية نهاية القرن التاسع عشر, والرجوع اليها على اعتاب نهاية القرن العشرين ,لتقف الدولة السياسية بمؤسساتها الحداثية كعمود في الوسط اي انتقال من التقليد للحداثة وعودة للتقليد, وكان الدورة الخلدونية قدر طبيعي محتوم ,ومن ثم كانت سمة الحداثة العربية سمة تقليدية, او بتعبير هشام شرابي: مجتمع بطريكي حديث يعود فالح عبد الجبار لتعميق رؤيته, مستخلصا ابتلاع الدولة للمجتمع المدني, ومندهشا من تعثر الانطلاقة الصناعية من رقعة لاتعدم المواد الاولية للانطلاق وصعوبة تجاوز مجتمع العصبيات الخلدوني, وفق العروي, راجع بالضرورة الى العجز عن اقتحام عالم السطوة والاستغلال الذي وصفه ابن خلدون كما ان الجابري محمد عابد ,يركز مشروعه النقدي على كون العقل العربي السياسي منه محكوم بدوغمائية استئثار عناصر لامعقولة هي: القبيلة والغنيمة والعقيدة فلا بد من البحث عن البدائل المثلى المعوضة لها اما الدكتور برهان غليون, فيعتبر قضية الحريات الاساسية, قضية شعبية ومطلبا رئيسيا, فلابد وفقه من استحضار الردود الازمة على الازمة التاريخية لاكثر من قرن, مع تجاوز ماهو ظرفي مثل السؤال: عن افضلية القومية اللغوية او الاسلامية او المذهبية الماركسية, فجوهر المعركة الاساسية متمثل في مقارنة مدنية المسلمين بمدنية الغربيين, وكيف يمكن للدولة ان تقوي اللحمة الوطنية وتزيد من قوتها السياسية عبر تحرير ارادات المواطنين, وانها اذا تحولت الى اداة تطييف وتمزيق ,تكون مواردها تسلطية محضة لابد ان يحل النقاش الموضوعي محل المساجلات, لان الفكر السجالي الناقد للهزيمة يزكي فقط واقعا هزائميا ,بينما الفكر التجديدي ينظر للواقع المنتقد على انه وحدة متمايزة ومتباينة العناصر, تستحضر مواطن القوة الحقيقية, بصرف النظر عن راى الناس, فلابد اذن لمن يتوخى الموضوعية ان يحدد الاشكالية المطروحة بشكل دقيق ,ويجعل الموضوع مستقلا عن الفكر, ويكون واضح المقصد ,ومغالبا لاهوائه نستنتج مما قيل على ان الفلسفة النقدية الحديثة لاتعدم بدائل المساهمة في تحقيق حداثة موضوعية, سمتها الانتاج المتعقل, الهادف لخدمة الانسان ,كما ان الفكر النقدي دعامة اساسية لتلافي كل اضطراب تتخبط فيه الممارسات المدبرة للشان اليومي, والبعيدة عن الاستراتيجيات المؤطرة للغد البعيد, فسر تقدم العالم الغربي بشقيه الاوربي والامريكي الشمالي ,هو اهتمامه بالبحث العلمي السوسيولوجي ,الى جانب البحث التكنولوجي, حتى يكون الانسان سيد التقنية, ويكون العقل البشري اذكى من مخترعه بفتح التاء والراء, ومن هنا تبقى الفلسفة النقدية كما كانت دوما منذ سقراط: مشعل المعرفة الانسانية النبيلة